رحلة جديدة إلى التراث يعود بها الروائى الكبير صنع الله إبراهيم من خلال روايته " العمامة والقبعة"، والتى تدور أحداثها فى القاهرة أيام الحملة الفرنسية على مصر أواخر القرن الثامن عشر. استخدم صنع الله إبراهيم أسلوب اليوميات ليدون به أحداث روايته، حيث يسجل الراوى "خليل" تلميذ المؤرخ الشهير الشيخ عبدالرحمن الجبرتى، تلك اليوميات المتتالية، والتى تبدأ يوم الأحد 22 يوليو عام 1798 و تنتهى فى الثلاثين من أغسطس فى العام التالى.
يعرض الراوى ما يراه فى مصر خلال فترة الحملة الفرنسية، وهو ما يمكن أن يمثل التاريخ المسكوت عنه أو التاريخ غير المدون ، فنلتقى فى الرواية بشخصيات طلاب الأزهر من زملاء خليل –الراوى - والعمال وضباط الحملة الفرنسية والعبيد والجوارى الذين كانوا ينتشرون فى مصر فى تلك الفترة ، ويرسم الكاتب صورة دقيقة لـ "ساكتة" جارية الجبرتى والتى كانت ضحية مراهقة البطل ، ولا تلبث أن تنتقل لمعسكر الفرنسيين فى إشارة ذات دلالة من المؤلف. الرواية تقدم أيضا شخصية "بولين" وهى كما يؤكد صنع الله فى الملحق الذى يختتم به الرواية أنها شخصية حقيقية كما وردت فى العديد من المصادر التى اعتمد عليها، ونتابع العلاقة التى تقوم بينها وبين خليل، وكيف تصبح عشيقة لنابليون وأثر هذه العلاقات المتشابكة البسيطة فى مصائر الدول وحركة تاريخها.
اللغة التى ييستخدمها الكاتب هى لغة عصر التدوين المملوكى، وأتاح له أسلوب اليوميات الذى اختاره للسرد مساحة لاستخدام التفاصيل الدقيقة لهذا العصر ، حيث يتم استخدام عملة الـ"بارة" ونرى علاقات الشراء بين المصريين والفرنسيين، ويصف بدقة الأمراض التى تفشت فى الفرنسيين عند حصار عكا وما صاحبها من أعراض، كما أنه أحيانا يلجأ للنقل من كتاب الجبرتى "عجائب الأخبار"، الذى يعتبره خليل أستاذه فى التأريخ وتدوين ما يجرى من أحداث، ويبين خطورة هذا التأريخ الذى يكشف الحقائق فنراه يخفى هذا الكتاب فى النهاية ، يقول "هذا هو الكتاب الذى سنعطيه للوزير يوسف باشا بعد أن ننزع منه ما يغضبهم " ثم يقول فى ختام الرواية موضحا منهجه البديل فى رواية التاريخ، وهو المنهج الذى تقدمه الرواية " كنت قد سطرت ما وقع وحصل من الوقائع من ابتداء تملك الفرنسيين لأرض مصر إلى أن دخلها مولانا الوزير فى أوراق غير منظومة فى سلك الإجتماع والاتفاق وكثيرا ما كان يخطر ببالى وإن لم يكن ذلك من شأن أمثالى، أن أجمع افتراقها وألبسها بالترصيف اتساقها ليكون ذلك تاريخا مطلعا للبيب على عجائب الآخبار وغرائب الآثار وتذكرة بعدنا لكل جيل".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة