يسرا "فى إيد أمينة" ليست شيطاناً وإنما ملاكاً

الأربعاء، 10 سبتمبر 2008 12:11 ص
يسرا "فى إيد أمينة" ليست شيطاناً وإنما ملاكاً يسرا تقدم "فى إيد أمينة" شخصية مثالية خيالية
بقلم محمد بركة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء



يبدو أن اللون الرمادى لا وجود له فى قاموس صناع الدراما لدينا، وخصوصاً لدى نجومنا ومؤلفينا! فالحياة بالنسبة لهم: إما أبيض أو أسود، ولا ألوان متداخلة بينهما، وبالتالى قام البناء الدرامى لأغلب مسلسلاتنا على هذا التقسيم المدرسى الساذج للبشر، باعتبارهم إما طيبين وأخياراً فى المطلق، وإما خبيثين وأشراراً فى المطلق أيضاً، وهنا بالضبط تكمن المشكلة.

فالطبيعة الإنسانية ُ يُفترض أنها تشكل المادة الخام لكل عمل درامى، وتلك الطبيعة معقدة للغاية، ولم تكن يوماً بسيطة التكوين، ولم لا والإنسان ملئ بالمتناقضات، فالشخص الخير الطيب له نقاط ضعفه وأخطاؤه وخطاياه، والشخص الخبيث الشرير لا يخلو من لحظة صدق أو حالة إشراق روحى، وعلى شاشة مسلسلات رمضان، يمكنك بسهولة أن تلاحظ غياب هذه الملاحظات البديهية، فأنت محاصر طوال الوقت بشخصيات شديدة الطيبة والحنو، وتخلو حياتها من الأخطاء، ولا تعرف لماذا هى كذلك، أو من أين لها بكل هذه الطاقة الروحية على احتمال مؤامرات الآخرين، والقدرة المدهشة على أن يتلقوا الصفعات على خدهم الأيمن فيديروا لمن يصفعهم خدهم الأيسر! والغريب أن المسلسل لا يعطيك لمحة عن تاريخ الشخصية النفسى والاجتماعى أو كيف أصبحت كذلك.

تذكر معى، على سبيل المثال، أداء النجمة القديرة والفنانة المحبوبة يسرا فى "فى إيد أمينة"، فهى ليست بشراً وإنما ملاكاً يرفل فى حلة بيضاء من النقاء المطلق، إنها لا تحنو على خادمتها فقط بل تصفف لها شعرها وتجعلها تنام معها فى غرفتها وتقاسمها نفس الفراش، وتحكى لها حكايات السندريلا ولا تكف عن الحكى إلا حين تنام الخادمة!، وحين تلقى الخادمة حتفها، ترتدى ملابس الحداد ويتفطر قلبها ألماً وحزناً. وفى العمل تكون نصيرة جميع زملائها الصحفيين من مختلف الأجيال، كما تصبح رأس الحربة فى مواجهة رجال أعمال فاسدين، فضلاً عن رئيس التحرير صاحب الشخصية المهزوزة.

ورغم "اللا منطق" فى كل ذلك، فيمكن أن نتقبله لو تم تقديمه بشكل مبرر درامياً، فالمبدأ الحاكم هنا هو أنه: كل شىء جائز فى الفن .. بشرط أن تقنعنى به!، إن كاتباً روائياً مثل ماركيز استطاع، على سبيل المثال، أن يقنع العالم بأن بعض الأشخاص يولدون وفى أسفل ظهورهم ذيل مثل الحيوانات، وأن آخرين لديهم القدرة على الطيران مثل العصافير.

قدم ماركيز مثل هذه الأفكار "اللامعقولة"، من خلال نسيج درامى محكم ومنطق فنى مقنع فأصبحت "معقولة "، وأصبح الرجل أشهر أدباء العالم قاطبة وصار مؤسساً لمذهب "الواقعية السحرية" الذى اشتهر به أدب أمريكا اللاتينية.

لكن ما يحدث على شاشة الدراما العربية شىء مختلف تماماً، فأنت مُطالب طوال الوقت بــ "التعايش القسرى" مع شخصيات مثالية، قادمة من كوكب آخر شخصيات مثل "أمينة/يسرا" وهبت حياتها للخير المطلق، وأصبحت ملاكاً يمشى على قدمين، فلا انفعال ولا فلتان أعصاب ولا ذلة لسان ولا تسأل كيف أو لماذا ... فقديماً كان المخرج "عاوز كده" إما الآن فالنجم .. "منسجم بكده ".


موضوعات متعلقة..

◄محمد بركة يكتب.. تامر وشوقية ينافسان أبو تريكة
◄الصحافة المصرية ليست فى "فى إيد أمينة"
◄أحمد رزق فى "هيمه" .. الكوميديان التائه!
◄لعنة داليا البحيرى فى "بنت من الزمن ده"
◄محمد بركة يكتب .. أسمهان تكسب!
◄الدالى ضحية نجاحه
◄وفاء عامر .. دراما غنية من العرى إلى الإبداع
◄محمد بركة يكتب: آسف على الخوف من المغامرة
◄حكاية الفتاة التى تزوجها محمود درويش سراً!
◄محمد بركة يكتب:مثقفون للبيع وأشياء أخرى(2من 3)
◄محمد بركة يكتب عن أمراض المثقفين (1 من 3)





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة