حضرت قبل أيام مناقشة رسالة ماجستير بكلية البنات بجامعة عين شمس، وما لفت نظرى فى هذه الرسالة التى كانت تدور حول الصراع السوفيتى الأمريكى على سوريا من 1954/1967، أن من كان مشرفاً عليها الأستاذ الدكتور يونان لبيب رزق رحمه ورحمنا الله.
وأكثر ما استوقفنى كلمات الشكر التى قالتها تلميذته سارة محمود مقدمة الرسالة فى حق الرجل، فهى لم تطبق مبدأ الكثيرين منا "مات الملك عاش الملك"، فكنت أتوقع أنها ستنساه وستنهال بآيات الشكر على مشرفتها الجديدة الأستاذة فاطمة علم الدين التى أبهرتنى هى الأخرى بعمل ما كنت أتخيله، حينما لم تكتفِ بكلمات الثناء والشكر التى خرجت من أفواه المناقشين والتلميذة ومن فمها، بل طالبت الجميع فى آخر المناقشة أن يقفوا دقيقة حداد على روح أستاذنا يونان لبيب رزق، وأخذت تؤكد على أنه لم يدخر جهداً لمساعدتها رغم ظروفه الصحية، مع أننى كنت أتوقع أنها ستنقده وتعود باللوم عليه فى العيوب والثغرات التى فندها المناقشون، ولكنها أخذت تثنى عليه بشكل جعلنى أُذهَل من هذه الأخلاق العالية التى تتمتع بها الأستاذة فاطمة علم الدين وأزداد إعجاباً بها وبتلميذتها وبالأساتذة المناقشين للرسالة الأستاذ محمد عبد الوهاب أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة عين شمس والأستاذ محمد على حلة أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر.
هذه الأخلاق العالية التى لمسها الحضور من لجنة المناقشة والأستاذة سارة لم تكن هى فقط مسار إعجابى إذ انتبهت لحقيقة هامة وهى بيت شعر لأمير الشعراء القائل فيه: "فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها .. فالذكر للإنسان عمر ثانى"، هكذا كان الأستاذ يونان يعمل لعمر ثانٍ بأخلاقه العالية والراقية وعلمه الذى لا يوصف وعمله الذى نعجز عن الحديث عنه، حتى أنه جعل كل منتدى تاريخى يذكر اسمه فيه فيقرن بكل كلمات الشكر فيه والمديح وهو مديح برىء من أى أغراض، حيث إن الرجل مات ولا طائل من مجاملته.
واسمحوا لى أن أشارككم فى بعض التساؤلات التى راودتنى بعد خروجى من المناقشة، وكان أبرزها ماذا سيكون حال مصر لو كنا كلنا يونان لبيب رزق فى عمله وعلمه وأخلاقه وكسبه لحب واحترام الآخرين، أعتقد بأن مصر حينها ستستحيل لقطعة من الجنة وليس من أوروبا ولا أمريكا لأننا حينها سنكون قد فقناهم بمراحل، لن ننافس الصين حينها على الأولمبياد لأننا سنتفوق.
ولن نبحث عن محتكرين من بيننا لأننا سنرزلهم دون قانون إذ سيكونون واضحين ومفضوحين ولن يجدوا من يداريهم، لن نجد من بيننا لصوصاً لجهود الآخرين فى مجال البحث العلمى ولن نجد من يسافر للخارج ويأتى برسائل مناقشة هناك ويبيعها لطلبة الدراسات العليا ليتكسب منها، كم كان الأستاذ يونان عظيماً وكم كنتم يا لجنة المناقشة عظماء وكم أنتِ يا مصر مبهرة برجالك كم خرجت سعيداً بِكِ، ولكن لن أفقد الأمل فالبلد التى تنجب أمثال يونان لبيب وأحمد زويل ونجيب محفوظ ومجدى يعقوب إلخ، لن يأتى اليوم لنقف عليها لا قدر الله دقيقة حداد كما لن نقف دقيقة حداد واحدة على من حاولوا تخريبها فسيذهبوا هم وستبقى مصر شامخة رغم كيدهم، قولوا معى آمين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة