اليوم السابع ينشر مقال الدكتور محمد عمارة رداً على الباحث إسلام بحيرى

الرد على: من طعن فى سن زواج عائشة

الأربعاء، 10 سبتمبر 2008 02:17 ص
الرد على: من طعن فى سن زواج عائشة
نقلاً عن موقع الألوكة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ضمن ردود الأفعال المتلاحقة ما بين مؤيد ومعارض على مقال الباحث الإسلامى إسلام بحيرى "زواج الرسول من عائشة وهى ابنة تسعة أعوام أكذوبة"، تم نشر العديد من المقالات المؤيدة والرافضة، ومن ضمنها ما كتبه الدكتور محمد عمارة أستاذ الفقه بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، ونشره على موقع "الألوكة"، منتقداً فيه رأى بحيرى.

اليوم السابع ينشر هذا المقال احتراماً لمبدأ تعدد الآراء وحرية التعبير، وبالمناسبة كاتب هذا المقال ليس هو المفكر الإسلامى الكبير محمد عمارة. لكنه أستاذ فقه بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، وننشر لاحقاً مقالات أخرى عن القضية محل الجدل.
وفيما يلى نص المقال:
عوَّدنا الكاتبُ جمال البنا على كل غريب ومبتدع، وكان آخر هذه المبتدعات ما أعلنه فى جريدة "المصرى اليوم" بتاريخ 13/8/2008 من ظهور صحفى شاب يصحح للأمة خطأً منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، وجعل البنا يمدح ويبجل ذلك الصحفى الذى استطاع أن يكشف خطأ عَمِى على الأعلام طوال هذه القرون، فيا حظ أمه بهذا الجهبذ الذى دقق وفتش وقارع، ونقد سند الرواية التى تتحدث عن سن السيدة عائشة وقت زواجها من النبى، والتى غفلت عنها الأمة طوال 1000 عام، والفضل الأول كما يرى البنا يرجع إلى أنه لم يدرس فى الأزهر وإلا لما كان يستطيع هذا العمل العظيم، وسوف يذهب هذا الرد وساوس الشيطان من رأسيهما إن شاء الله تعالى، إن أرادا الحق، وإن أبوا إلا المكابرة والعناد فكما قال ربنا: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} (آل عمران: 119).

يظهر فى هذا البحث الكذب والاختلاق والجهل؛ وذلك من عدة أوجه:
أولاً: كلمة أريد بها باطل، يقول البنا: "وجد الباحث فى نفسه حمية للدفاع عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم- لعلها لم توجد فى غيره"، وهذا محض كذب وافتراء، وفعله ليس دفاعاً عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم- ولا حمية له، بل هذه محاولة من محاولات القضاء على سنة رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم- من خلال التشكيك فى الأحاديث الواردة، وبث الريبة فى نفوس العامة نحو الأئمة الأعلام، وإن كان البنا صادقاً فأين هؤلاء من ذبهم عن الدين، ورد افتراءات المستشرقين والعلمانيين، أين جهدهم فى صد عدوان الكفر، أين هم من الدعوة لدين الله، لا شىء من هذا مطلقاً؛ إلا مقالات سيئة، وفتاوى ماجنة كتلك التى تجيز تقبيل الشباب للفتيات، وشرب الدخان فى نهار رمضان وغير ذلك من الفتاوى القبيحة المنكرة.

ثانياً: كذب وتدليس على الخلق؛ إذ قال "وكما ذكرت جميع المصادر بلا اختلاف أنها -يعنى أسماء- أكبر من عائشة بـ10 سنوات"، وهذا غير صحيح فليس هذا بالاتفاق وإنما هى رواية ذكرت، وسوف أبين الصحيح لجلاء الغيوم عن مرضى القلوب.

ذكر الباحث نقلاً من كتب (الكامل، سير أعلام النبلاء، تاريخ الطبرى، وفيات الأعيان، البداية والنهاية، تاريخ بغداد، وتاريخ دمشق)، ما يؤكد أن عائشة قد ولدت قبل البعثة، بانياً وهمه هذا على ما روى من فارق السن بينها وبين أختها أسماء وهو عشر سنوات، وهذا يضعف - فى زعم الصحفى - حديث البخارى الذى يثبت فيه أن النبى - صلَّى الله عليه وسَلَّم - تزوج عائشة وهى بنت ست ودخل عليها وهى بنت تسع سنين.

وقد رجعت إلى تلك المصادر التى اعتمد عليها الصحفى وعلى غيرها من أمهات الكتب، فلم أجد ما زعمه إلا روايات لا تشهد له بشىء؛ ففى كتاب معرفة الصحابة لأبى نعيم (6/ 3208) والبداية والنهاية (3/ 131) وسير أعلام النبلاء (3/ 427) وأسد الغابة (7/ 7، 186، 216) وتاريخ الإسلام (3/ 604، 698) والسمط الثمين فى مناقب أمهات المؤمنين لمحب الدين الطبرى (صـ 36)، أضف إلى ذلك ما ذكره ابن هشام فى السيرة وهو أسبق من هؤلاء جميعاً فى عدم تمييز عائشة البكاء من الفرح قبل الهجرة لصغر سنها.

جاء فى سير أعلام النبلاء أيضاً (3/ 522) وكذا تاريخ الإسلام: "وكانت - أى أسماء - أسن من عائشة ببضع عشرة سنة"، وإن كنا لا ننفى الرواية الواردة بأن الفارق بينهما عشر سنين فقط، إلا أنها لا تصح.

فإذا كانت كتب التاريخ تؤكد أن وفاة أسماء كان سنة 73 هـ وتوفيت عن عمر 100 سنة، وأن أسماء هاجرت وعمرها 27 سنة، وهذا يعنى أنها حينما أسلمت كان عمرها 14 سنة بطرح مدة الدعوة المكية 13 من مجموع السن 27-13 = 14، والثابت أنها كانت أكبر من عائشة ببضع عشرة سنة على الراجح كما ذكر ذلك الذهبى وغيره، والبضع من 3 إلى 9، فلو اعتبرنا ما بين أسماء وعائشة، لوجدنا أن البضع عشرة سنة هو ما بين 13 إلى 19 سنة، وعليه فتكون عائشة قد ولدت فى السنة الخامسة من البعثة، أى فى الإسلام وليس قبل الإسلام، وهذا ما يتفق مع الكتب السابقة.

ثالثاً: الكذب والتدليس مرة أخرى فينقل الصحفى كلاماً من كتاب البداية والنهاية ليس له وجود أصلاً، فيزعم أن ابن كثير قال عن الذين سبقوا بإسلامهم: "ومن النساء أسماء بنت أبى بكر وعائشة وهى صغيرة فكان إسلام هؤلاء فى ثلاث سنين ورسول الله يدعو فى خفية ثم أمر الله رسوله بإظهار الدعوة"، ثم يقول: وبالطبع هذه الرواية تدل على أن عائشة قد أسلمت قبل أن يعلن الرسول الدعوة فى عام 4هـ، وأخذ يستطرد ويدور حول هذه القصة الملفقة ليثبت المراد من هذا الكذب ظنًّا أن هذا الأمر لن يبحث عنه أحد، قلت: وقد رجعت إلى الموطن المشار إليه فلم أجد ما ذكره الصحفى الهمام الذى لم يجد بدّاً من الكذب على الأعلام لإظهار الخطأ الموهوم، ولم يذكر ابن كثير خبراً فيه ذكر أسماء فى السابقين إلى الإسلام فضلاً عن عائشة.

رابعاً: الحديث الثانى الذى يستند عليه، والعجيب أنه من رواية البخارى الذى يزعم كذبه ويستدل به، والأعجب أنه لم يفهم فحواه، ولعل عذره أنه لم يتخرج فى الأزهر كما يقول تلميذه البنا!، والحديث عن عائشة: "لم أعقل أبوى قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفى النهار بكرة وعشية، فلما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً قبل هجرة الحبشة..." وهذا كذب وتدليس من الصحفى ومتابعة على جهله من تلميذه البنا للوصول إلى مأرب وغرض خبيثين، ونص الحديث: "خرج أبو بكر مهاجراً قِبَلَ الحبشة"، وهناك فارق كبير بين المعنيين، فالحديث يبين أن أبا بكر لما أوذى واشتد إيذاء قريش له خرج نحو الحبشة مهاجراً، وكان خروجه هذا قريباً من هجرة المدينة يعنى فى أواخر الدعوة المكية، فلقيه ابن الدغنة فأجاره، والهجرة لم تنقطع إلى الحبشة إلا بهجرة المدينة، ويؤكد هذا المعنى ما جاء فى الحديث نفسه: على لسان أبى بكر لابن الدغنة: "إنى أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله"، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: }قد أريت دار هجرتكم؛ رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين...{ يعنى الأمر لم يتعدَّ الأيام التى خرج فيها أبو بكر يريد الحبشة، فرجع فى جوار ابن الدغنة، فلم يمتنع عن استعلانه بالقرآن فشكت قريش إلى ابن الدغنة، فخلع أبو بكر جواره فبشره النبى - صلَّى الله عليه وسَلَّم - برؤية أرض الهجرة.

وقد حرف النص كما ترى ليصل إلى مراده، ومعلوم أن بدء الهجرة إلى الحبشة كان فى بداية الإسلام ليثبت أن عائشة كانت قد ولدت قبل البعثة، لاحظ أيضاً أن هذا الحديث يؤكد صغر سن عائشة لقولها: "لم أعقل أبوى قط..." وهذا يؤكد أنها ولدت فى الإسلام كما أثبتناه.

خامساً: تناقض فى قياس عمر عائشة على عمر فاطمة، بأن فارق السن بينهما خمس سنوات وأن فاطمة ولدت قبل البعثة بخمس سنوات مما يستلزم أن تكون عائشة ولدت عام البعثة الأول، وهذا فيه تناقض صريح؛ إذ كيف يثبت مولدها قبل البعثة بـ 4 سنوات بالموازنة بينها وبين أسماء، ثم يثبت مولدها عام البعثة الأول مقارنة بسن فاطمة، والحقيقة غير ذلك، يقول الذهبى فى السير: "وعائشة ممن ولد فى الإسلام، وهى أصغر من فاطمة بثمان سنين" (سير أعلام النبلاء 3/ 429).

وتأمل هذا، وفى ترجمة فاطمة قال الذهبى: "مولدها قبل البعثة بقليل" (السير 3/ 417)، فإذا ما نظرنا إلى سن زواج النبى - صلَّى الله عليه وسَلَّم - من عائشة وكان قبل الهجرة ببضعة عشر شهراً، وقيل بعامين، أضف على هذا السن عمر عائشة حينها وكان ست سنوات، فيكون المجموع 2 + 6 = 8 اطرح هذا من مدة الدعوة المكية 13 ـ 8 = 5، فإن هذا يعنى أنها ولدت فى السنة الخامسة من الهجرة، ويؤكد هذا المعنى ما ذكره ابن الأثير فى أسد الغابة (7/ 216) إذ ذكر أن النبى - صلَّى الله عليه وسَلَّم - زوج عليّاً من فاطمة بعد أن تزوج النبى - صلَّى الله عليه وسَلَّم - عائشة بأربعة أشهر ونصف، وكان سنها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر، وهذا يعنى أنه بنى بها فى السنة الثانية من الهجرة، فإذا ما اعتبرنا السن المذكور لفاطمة تبين لنا أنها ولدت قبل البعث بقليل، كما ذكر الذهبى وغيره.

فانظر كيف تناقض المسكين الذى يفخر به تلميذه البنا بأنه لم يدرس فى الأزهر، والفخر للأزهر حقيقة أنه لم يحتضن هؤلاء المشاغبين، ولم يجلسوا فى أروقته، ولم يعرفوا أدب العلم وحق العلماء.

سادساً: عدم الأمانة العلمية فى نقل النصوص؛ إذ نقل الكاتب عن كتاب الإصابة "أن فاطمة ولدت عام بناء الكعبة وعمر النبى -صلَّى الله عليه وسَلَّم- 35 سنة، وأنها أسن من عائشة بخمس سنوات"، ولم يبين أن هذه رواية من روايات عدة ذكرها ابنُ حجر؛ منها أيضًا أن فاطمة ولدت سنة إحدى وأربعين من ميلاد النبى، وقد رجح ابن حجر أن مولدها كان قبل البعثة بقليل وهو ما يتفق مع ما ذكرناه قبل ذلك.

سابعاً: الجهل بالنصوص وعدم الفهم؛ ومن ذلك قوله عن الطبرى: "بأنه جزم بيقين أن كل أولاد أبى بكر قد ولدوا فى الجاهلية"، وهذا كذب وخلط وعدم فهم؛ لأن نص الطبرى المذكور يتحدث فيه عن أزواج أبى بكر الصديق وليس عن أولاده (راجع تاريخ الطبرى 2/ 351)، وقد قسم الطبرى أزواجه اللاتى تزوجهن؛ فمنهن من تزوجهن فى الجاهلية وولدن له، ومنهن من تزوجهن فى الإسلام، ثم سمى أولاد أبى بكر من زوجتيه اللتين تزوجهما قبل الإسلام وقال: "فكل هؤلاء الأربعة من أولاده ولدوا من زوجتيه اللتين سميناهما فى الجاهلية"، فالحديث عن الأزواج وليس عن الأولاد، ويمكن أيضاً مراجعة تاريخ الطبرى ج 2 صـ 212 فى ذكر زواج النبى بعد خديجة، وهو يجزم بأن النبى بنى بها بعد الهجرة وكان عمرها تسع سنين.

وأخيراً:
الأولى أن يترك هذا لأهل الاجتهاد والعلم وليس لأهل الجهل، فقد أوقعوا بأنفسهم نتيجة عدم البحث والدراسة، والإصرار على التعالم، فعليهم أن يعملوا فيما تخصصوا فيه لا فيما يدعونه؛ فإن ذلك يوقع بهم فيما نرى، وأرجو أن تكون آخر بلايا جمال البنا.
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجنى عليه اجتهاده

والله تعالى أعلم.
د. محمد عمارة
أستاذ الفقه بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة