بهذه العبارة افتتح الزعيم الفرنسى شارل ديجول الاجتماع الطارئ لمجلس الوزراء الفرنسى الذى انعقد يوم 12 سبتمبر عام 1960.
أما مؤشرات الخطر المحدق بالأمة فهى تدهور فرنسا إلى المركز الخامس والعشرين فى دورة روما الأولمبية التى انتهت فى اليوم السابق، ولم تحصل فيها البعثة الفرنسية على ميدالية ذهبية واحدة، ما اعتبره ديجول ناقوس خطر، ودليلاً على تدهور الحالة الصحية والمعنوية للشعب الفرنسى كله.
وأبدى ديجول ملاحظة ذكية تفسر سوء نتائج الأبطال فى الدورة، وهى ملامح الانكسار والاكتئاب التى كست وجوه الأبطال الذين مثلوا فرنسا فى الألعاب الأولمبية، حتى الأبطال الخمسة الذين فازوا بميداليتين فضيتين وثلاث برونزيات كانوا مهزومين.
وقال ديجول: إذا كان هذا هو حال صفوة شباب فرنسا، فما حال سائر أفراد الشعب؟
وطلب ديجول تشكيل لجنة من خبراء الرياضة، تضم علماء النفس الرياضى، وخبراء التربية، وعلماء الاجتماع السياسى، وكلف وزير الثقافة الأديب جورج بومبيدو بتقديم تقرير يجيب عن السؤال: لماذا يبدو الشعب الفرنسى مكتئباً،ولماذا تراجعت إرادة الانتصار لدى الأبطال الرياضيين، وإن كانت ثمة علاقة سببية بين حالة الانكسار، وتراجع النتائج فى الدورة الأوليمبية؟.
وأنهى الزعيم الفرنسى اجتماع المجلس الطارئ، قائلاً:
علينا مواجهة تلك الكارثة، وتحمل مسئوليتنا السياسية بشجاعة.
وقالت تقارير الحالة الصحية، إن الشعب يطالب بالحريات المدنية، وهذا هو سبب الانكسار.
وجاءت دورة طوكيو الأولمبية بعد أربع سنوات، وظلت النتائج مخيبة للآمال، احتلت فرنسا المركز الحادى والعشرين، ولم تفز سوى بذهبية واحدة. وأعاد ديجول طرح السؤال: لماذا يبدو الشعب الفرنسى منكسراً؟، وجاءت الإجابة بعد أربع سنوات، اندلعت ثورة الحقوق المدنية والحريات العامة فى الجامعات خلال مايو68، ورفع المتظاهرون لافتات تقول لبطل تحرير فرنسا من الاحتلال النازى ومؤسس الجمهورية الخامسة:
عشر سنوات تكفى لحكم فرنسا أيها الجنرال.
وكان ديجول قد شارف على الثمانين من عمره حين انتقلت الثورة إلى الشوارع بمشاركة المثقفين، وحين اعتقلت الشرطة الفيلسوف "جان بول سارتر" ومعه منشورات مناهضة لحكم الجنرال، غير أن ديجول أمر بإطلاق سراحه قائلا لوزير الداخلية:
هل يجوز اعتقال "فولتير"؟، من العار على فرنسا اعتقال عقلها.
الشاهد أن ثورة طلاب الجامعة حققت أهدافها وانتزعت الحقوق المدنية التى طالبت بها، وغادر الجنرال السلطة بإرادته ولم يستطع إيقاف عجلة التغيير، وقوانين التاريخ، وجريان المياه.
ومن المصادفات القدرية العجيبة أن فرنسا حققت أعظم إنجازاتها الأولمبية بعد أربعة شهور من اندلاع ثورة الجامعات، وجاءت فى المركز السادس، وأحرز أبطالها سبع ميداليات ذهبية وثلاث فضيات وخمس برونزيات.
وتبين أن ثمة علاقة سببية بين الاكتئاب العام وتدهور النتائج الأولمبية، وخلص العلماء الذين درسوا الحالة الفرنسية، أن الصحة النفسية للشعوب مرهونة دوماً بالحريات المدنية والحقوق العامة.
تلك هى القاعدة التى لا تخلو من استثناءات، فتاريخ الألعاب الأولمبية يشهد بأن بعض النظم السياسية المستبدة، حقق أبطالها تفوقاً ساحقاً، على أبطال النظم الديمقراطية، ففى ظل الديكتاتورية النازية حقق أبطال ألمانيا تفوقاً ساحقاً فى دورة برلين الأولمبية، وتفوقوا على الأبطال الذين مثلوا النظم الديمقراطية، وفى دورة مونتريال عام 68 احتلت "ألمانيا الشرقية" المركز الثانى، بعد الاتحاد السوفيتى، وأطاحت بأمريكا إلى المركز الثالث، رغم النظام القمعى فى الدولتين، ورغم النظام الديمقراطى فى أمريكا، وذلك فى سياق التفوق الساحق للدول الاشتراكية على الدول الرأسمالية فى المضمار الأولمبى إبان سنوات الحرب البار، وبما يعنى أن التفوق الأولمبى، لا يعنى تفوق الأيديولوجيات السياسية القائمة على القمع، والمعادية للحريات المدنية، ذلك أن هذا التفوق كان نتاجاً للقع، وكان قائما على نظرية "تجييش الرياضيين" وإخضاعهم لنظم معيشية وحياتية صارمة وقاسية، بهدف تحسين السمعة والمكانة الدولية، وحصول تلك النظم على ما يعرف فى الأدبيات السياسية "بالبرستيج"، وهذا ما حازت علية الصين بعد نجاحها المذهل فى تنظيم الأولمبياد، وتفوقها الساحق الماحق على أمريكا فى المضمار الأولمبى، رغم الملاحظات الدولية غلى أداء النظام الصينى فى مجال الحقوق المدنية والحريات العامة، وحقوق الإنسان.
أما ما يتعلق بمصر، و"وكستنا" الأولمبية فى بكين، فنحن خارج كل هذه الحسابات، نحن خارج المنافسة فى كافة مجالات التنافس الحضارى، نحن وكما قال ديجول "أمة فى خطر".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة