لا يمر صيف على المحروسة مصر، دون شائعة بتغيير وزارى، استغلالا لمناخ عام تسوده ظروف صالحة لتفريخ الشائعة وتكاثرها. وبالأمس لاحت فى الأفق شائعة دوى صداها فى الشارع المصرى، رشحت د. محمود محى الدين وزير الاستثمار الحالى لتشكيل وزراة جديدة تخلف وزارة د. أحمد نظيف.
وكأن الشعب المصرى الذى ينتظر التغيير الوزراى مثل انتظاره لتحسين رغيف الخبز وتراجع أسعار الزيت والعدس، سيظل محكوما بشائعات قد لا تتحقق، وقد تحسمها المفاجأة التى اعتاد عليها هذا الشعب، منذ تولى الرئيس محمد حسنى مبارك الحكم فى 1981، والذى غالبا ما يأتى اختياره عكس كل التوقعات.
وعلى الرغم من تكرار الشائعات وارتباطها بالصيف، يرى ممدوح الولى الخبير الاقتصادى والسياسى، ومساعد رئيس تحرير جريدة الأهرام للشئون الاقتصادية، أن الشائعات فى مصر يتم تفريخها داخل مراكز القوى التى تحكم الشعب المصرى حسب موقعها فى دائرة علاقات البيت الرئاسى، وهى مراكز لا ترتبط اجتماعاتها ولا خططها بالصيف أو الشتاء، "لأنها تعقد جلساتها الخاصة على مدار العام لإدارة الصراع، بهدف دفع فريق جبهة ما إلى الواجهة، أو تغييب رمز ما بحرقه فى الهواء".
وإذا كانت مصادر سياسية خبيرة بالوضع الراهن، تقلل من حجم شائعة تكليف محى الدين برئاسة وزراء مصر، يظل ممدوح الولى غير متفائل، حيث يقول إن الموجة التى دفعت البيت الرئاسى لتفصيل وزارة تحتضن ستة قطاعات استراتيجية فى عصب الاقتصاد المصرى، وتدير 170 شركة لقطاع الأعمال، لشخص محمود محى الدين، لا يتورع صانع هذه الموجة أمام دفع الشخص نفسه إلى رئاسة الوزراء، "فى ظل عدم المرجعية فى اختيار القيادات السياسية والاقتصادية فى مصر".
ويقول الولى إنه فى ظل المناخ السياسى المصرى الراهن الذى تسيطر على أدائه مراكز قوى البيت الرئاسى، يحاول كل فريق فرض سيطرته وهيمنته على مراكز إطلاق الشائعات لدفع أنصاره إلى الواجهة، "وبالتالى، قد يفاجأ الشارع المصرى باختيار أى شخص لرئاسة الوزراء، حتى لو كان المرشح لا يصلح لإدارة كشك سجائر، مادام الأمر لا يحتكم لمعايير مهنية".
ويدعم هذا الحديث مصدر سياسى قوى تابع لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء (طلب عدم ذكر اسمه)، حيث قال إن رئيس الوزراء لا يملك أى صلاحيات فى مصر، بدليل أن الدكتور أحمد نظيف لم يختر فى وزارته الثانية، سوى وزيرين فقط من قائمة تضم 34 وزيرا، هما: وزير التنمية البشرية، ووزير الاتصالات.
وقال المصدر نفسه، إن رئيس الوزراء لا يختاره سوى رئيس الجمهورية، وقد يخيب الرئيس ظن مراكز الترشيح، فيختار شخصا بعيدا عن القائمة التى تضعها مراكز القوى المقصودة، أى الجبهات القريبة من البيت الرئاسى.
ويسلط المصدر ذاته الأضواء على تقارير صحفية تناولت الموضوع بالتحليل المبنى على تخمين الشائعات، حيث يؤكد صحة وجود تغيير وزارى محتمل، إما مطلع أكتوبر المقبل بعد انتهاء موسم التصييف، وإما بعد مؤتمر الحزب الوطنى فى نوفمبر، حيث يدار صراع التشكيل الوزارى داخل أروقة الحزب الوطنى، فيما بين حرسه (القديم والجديد).
الشائعات فى مصر دخلت بديلا للنكتة فى ظل كبت الحريات الذى يتسم به هذا العصر. هذا ما يراه الدكتور محمود عمارة رئيس الجالية المصرية فى باريس، والكاتب والمحلل السياسى، والخبير الاقتصادى.
يقول عمارة إن الشعب المصرى الذى تم تعطيل طاقاته فى ظل الخواء الديمقراطى، لم يعد يرى ما يفعله سوى إطلاق الشائعات، ليشارك بذلك كبار صناع السياسة فى بلد تعطل كيانه المؤسساتى الحقيقى، ليدار بالعشوائية، مشيرا إلى أن أى شخص فى مصر الآن يمكنه أن يكون وزيرا أو رئيسا بالتمنى، مادام لم يجد فرصة حقيقية للعمل السياسى من خلال نشاط حزبى، أو مادام معطلا تماما عن أداء أى دور، سواء سياسى أو ثقافى، أو حتى فنى.
ويحصر الدكتور عمارة مصادر شائعة د. محمود محى الدين فى ثلاث جبهات، "الأولى جبهة محى الدين نفسه، بهدف اختبار قوته فى نظر البيت الرئاسى، والجبهة الثانية قد تكون الجبهة المعادية التى تخطط لحرق محى الدين كونها تعرف جيدا أن رئيس الجمهورية لن يختار شخصا ضمن قائمة المرشحين".
أما الجهة الثالثة التى يظن عمارة أنها وراء الشائعة، فربما تكون جلسة خفيفة تحلقت حول الشيشة فى مارينا، "وربما يكون شخص قريبا جدا من وزير الاستثمار، أو من العاملين معه، أدار هذه الحلقة التى شكلت وزارة وهمية فى هيئة نكتة، بثها برسالة محمول، لنجدها فى مواقع الإنترنت، وربما فى الصحف".
أربعة من خبراء الاقتصاد والعلوم السياسية فى مصر، (طلبوا عدم ذكر أسمائهم)، أجمعوا على أن مراكز إطلاق الشائعات تدار من مكاتب علاقات عامة مدفوعة الأجر لصالح جبهات سياسية معروفة، تستهدف فعلا جس النبض الرئاسى حول شخصيات المرشحين، إما لدفعهم فى دائرة الضوء، وإما لإبعادهم بلعبة السياسة التى ترتكز على أن رئيس الجمهورية لا يختار من رشحته الشائعات، وهو الذى يحدد رئيس الوزراء، وهو الذى يحدد التشكيل الوزارى كاملا بعد الاتفاق على "كوتة" البيت الرئاسى ولجنة السياسات.
أما لماذا ترتبط شائعات التغيير الوزارى بالصيف، فالإجابة بالإجماع تميل لصالح الفراغ الوظيفى الذى يحظى به المصريون فى موسم الاصطياف، وتجمع رجال الأعمال والسياسة فى مصايف مصر، إضافة لالتصاق مؤتمر الحزب الوطنى بنهاية الصيف.
فى باب شائعة وزارة محمود محى الدين
عوامات مارينا.. بيئة صيفية لتفريخ الوزارات
السبت، 09 أغسطس 2008 08:44 م