"أنا والبدون"، ظلت تلاحقنى هذه المتلازمة طيلة الأسبوع الماضى، وأنا أتابع أنباء فشل خطة توطين 4000 من عائلات البدون الخليجيين بدولة جزر القمر، يعلم العالم أنه فى النهاية لابد من وطن .. وجنسية وجوازات سفر وأوراق ممهورة بخاتم الدولة، لذا فمشاورات على أعلى المستويات جرت بين أمير دولة الكويت ورئيس جمهورية جزر القمر، تضمنت وعودا لجزر القمر بأن ثروات عائلات البدون قد تحقق انتعاشا اقتصاديا للدولة القمرية الفقيرة، بينما تحقق الصفقة لدول الخليج مكسب التخلص من زائدة سكانية لا تعريف لها فى علم البشر: "البدون"، منذ سنوات طويلة أتأمل مفهوم البدون ولا أستوعب كون بعض الأشخاص يعيشون هكذا معلقين على الخريطة بلا أرض.
كانت صفقة جزر القمر محاولة لوضع أقدام البدون على أى بقعة أرض فى العالم، لكن لأن الدول أحيانا تتعامل مع جنسياتها على أنها أعز ما تملك، وعملا بمبدأ "تجوع الدولة ولا تأكل بأوراقها" رفضت المعارضة القمرية تمرير مشروع القانون بالبرلمان (لاحظ أن عندهم معارضة بتمشى كلمتها على رئيس الدولة)، وانتهت القضية على أن البدون سيظلون بدون.
"أنا والبدون" ألسنا متشابهين؟؟ يجمعنا فضاء واسع من افتقاد المواطنة، تعالوا لنراجع معا، من شروط المواطنة أن تمتلك حقوقا سياسية تؤهلك لاختيار حكامك، وأنا بالطبع لا أملك حق اختيار رئيس بلدية فيصل والهرم، فما بالك بنواب البرلمان والوزراء ورئيس الجمهورية، وأنا أساسا تخليت عن حقى الدستورى فى امتلاك بطاقة انتخابية، نظرا لقدراتى البدنية التى لا تؤهلنى لتلقى الضرب والشجار والوقوف فى طوابير الممنوعين من التصويت طيلة النهار، تتضمن شروط المواطنة كذلك الإقرار بحقك فى ثروات بلدك المتوارثة والمستحدثة، وأنا لا أملك ذرة رمل فى مصر، لا بمفهومها الشخصى ولا العام، لا أملك حتى الحق فى كوب ماء نظيف من النيل، حالى أشبه بهانى رمزى فى فيلم عاوز حقى، بقى أن تضمن لك حقوق المواطنة حقك فى التقاضى العادل والمساواة، وأنه بما أن الجنسية لا تسقط بالموت، فإن قضاء عادلا قد يقتص من المتسببين فى موتك "لا قدر الله" إذا كان جسم الجريمة هو عبارة غارقة أو قطارا محترقا أو مسرحا متفحما، المواطنة تعنى نجاة القضاء والقدر من قائمة الاتهام، آخر الحقوق هو أن تجد مكانا بجوار قبر أبيك.
أنا والبدون نتشابه فى فقدان الوطن، رغم أن البدون ليس لديهم أوراق هوية كالتى لدى، وأنا فى المقابل لا أملك ثرواتهم التى زغللت عيون رئيس جمهورية جزر القمر لمنحهم الجنسية، ويبدو أنه إذا حانت ساعة الرجوع، فليس لنا إلا البحر، أما مكتسبى الوحيد الذى قد أحصل عليه بحكم الجنسية، هو مكان بجوار قبر أبى، هذا إذا لم يكن مكانى فى بطن الحوت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة