نواكشوط . . سيف العسكر ينحر الديمقراطية الوليدة

الخميس، 07 أغسطس 2008 11:26 م
نواكشوط . . سيف العسكر ينحر الديمقراطية الوليدة موريتانيا حلم الديمقراطية الذى لم يتحقق
كتب أحمد عليبه

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الوصاية العسكرية على الحياة المدنية، تقليد متأصل ومنهج متجذر فى عمق التاريخ السياسى لدول العالم الثالث، فلا يزال الوقت مبكراً للحكم على وجود استثناء واقعى وحيد لكسر هذه القاعدة، بعد غروب شمس الديمقراطية الوليدة فى موريتانيا.

وبعد مخاص عسير، ورحلة انقلابات متوالية، وئدت تجربة لم تدم أكثر من 180 يوماً، هى عمر تولى الرئيس المخلوع سيدى ولد شيخ عبد الله، حكم البلاد عبر انتخابات ديمقراطية عالية الشفافية، بعد فترة انتقالية دامت عامين تحت حكم العسكر، ليتصدروا من جديد واجهة المشهد السياسى بانقلاب عسكرى ممزوج باستقطاب سياسى من البيت التشريعى.

انقلاب الأربعاء هو الانقلاب الخامس الذى وفق فيه العسكر، ضمن سلسلة الانقلابات الإحدى عشر التى جرت تحت وطأة السلاح عبر العقود الثلاثة الأخيرة، وتكاد تكون الفواصل الزمنية بينها معدومة القيمة، لكن وجه الاختلاف هذه المرة يبدو فى أن الانقلاب الأخير جاء ضد نظام حكم مدنى وصل إلى السلطة بطريقة شرعية، فى إطار ديمقراطى بعد مرحلة من التأهيل والاستعداد للقبول بهذا النموذج فى إدارة البلاد.

هذا التفسير يؤكد أن الانقلاب يعد تكريسا لمنهج الوصاية العسكرية بلا منازع، ومؤشرا قويا فى الوقت نفسه على أن البلاد ودعت مبادرة التحول الديمقراطى الفريدة منذ الاستقلال عن الاستعمار الفرنسى عام 1960، والاستثنائية فى محيط دول الجامعة العربية، وإن جاء من دولة تحتل رقما متواضعا فى قائمة الثروات الطبيعية والحالة الاقتصادية بين أقرانها من الدول العربية، إلا أنها صارت تحمل "النموذج الأمل" لدى قطاع عريض من الجماهير العربية التى انبهرت بالتجربة المؤودة.

اختلال المعادلة السياسية فى الحالة الموريتانية الماثلة، جاء من وجهة نظر ترى أن الرئيس المدنى المنتخب ديمقراطياً يمكن القبول بتجاوزه قواعد الدستور، فيكون ذلك مبرراً للاحتقان السياسى، لكن من المستحيل أن تطال يده المؤسسة العسكرية التى ساندته للوصول إلى الحكم.

فالطرف الأول من المعادلة، ويمثل جملة الاعتراضات السياسية التى ظلت تنحصر بين طرفى الرئاسة والجمعية الوطنية، أوقدت جذوتها بتوجيه اتهام لزوجة الرئيس المخلوع خت بنت البخارى من قبل برلمانيين، حيث اتهموها باستغلال موقعها فى بيت الحكم فى جمع تبرعات لمؤسستها الخيرية بطرق غير مشروعة، وهو ما ردت عليه بأنه كذب وافتراء، فاعتبره البرلمانيون إهانة لهم.

أعقب ذلك سلسلة من الانسحابات الجماعية من الجمعية الوطنية، وصلت إلى حد استقالة 25 عضوا من مجلس النواب و23 آخرين من مجلس الشيوخ، على خلفية اتهام الرئيس هو الآخر بمخالفة الدستور، لترأسه حزبا سياسيا هو حزب عادل، "العهد الوطنى للديمقراطية والتنمية"، فضلا عن اتهامات أخرى بارتفاع أسعار السلع دون مبررات موضوعية.

كل هذه الحجج لم تكن هى السبب الحقيقى لخلع الرئيس الذى يحسب له ارتفاع معدل النمو الاقتصادى إلى 6%، وانخفاض معدل التضخم من 9.8% إلى 4.7%، إضافة إلى تقليص راتبه ورواتب وزارء حكومته إلى الربع، نظراً لقلة عوائد البترول التى كانت تعد أحد أهم مصادر الدخل الرئيسية فى بلد فقير يعيش 48% من أبنائه تحت خط الفقر.

لكن الطرف المقابل للمعادلة أقدر على التفسير المنطقى لما وصل إليه الحال فى نواكشوط، فقرار الرئيس فى الساعات الأخيرة من إدارة الأزمة بإقالة مجموعة من قيادات الجيش المركزية، على رأسهم محمد ولد عبد العزيز قائد أركان الحرس الرئاسى، وقائد الانقلاب، هو الدافع الرئيسى لهذا الانقلاب، بغرض حسم الوضع لحساب العسكر وأعوانهم المنتشرين فى معظم أركان الدولة ومؤسساتها، حيث كان الرئيس المخلوع يستهدف تقويض هذه الفئة وإعادة رسم التوازنات السياسية فى البلاد من جديد، بصنع طبقة سياسية قاعدية موالية له، كبديل لطبقة العسكر التى تضع أنفها فى كل مسارات وقنوات إدارة الحكم.

فالتسوية السياسية التى كانت مطروحة وفق خيارى تغيير الحكومة، أوالذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة يتم بمقتضاها انتخاب رئيس جديد للبلاد، بعد تغيير الخريطة السياسية للأغلبية، كانا خيارين مقبولين من الناحية الدستورية، لكنهما لم يصمدا فى مواجهة إجراء دستورى أيضا، يتمثل فى أحقية الرئيس فى عزل قيادات من الجيش.

الجديد فى الانقلاب الأخير أيضاً هو محاولة إبراز الواجهة المدنية للانقلاب، ويتمثل فى إلقاء البيان العسكرى الأول على لسان شخص مدنى، وعبر التليفزيون الرسمى للدولة، من جهة، وفى تشكيل مجلس الدولة الذى تم الإعلان عنه فور نجاح الانقلاب، من جهة ثانية، والذى يفترض أن يدير البلاد خلال الأشهر الستة المقبلة.

ويضم المجلس ضمن تشكيله، نحو 13 شخصية مدنية، لكن الواقع أن البيان - وإن جاء على لسان مدنى - يظل جوهره عسكريا بالدرجة الأولى، فمضمونه الرئيسى هو إلغاء قرار الرئيس المخلوع بإقالة الضباط الأربعة.

كما أن تشكيل المجلس الأعلى لإدارة شئون الدولة يحتل المواقع السيادية فيه شخصيات عسكرية وليست مدنية، وهو ما يطرح علامة استفهام كبرى حول مستقبل إدارة البلاد فى الفترة المقبلة، بالنظر إلى حجم الاستقطابات المدنية تحت مظلة العسكر، أو تحويل قادة عسكريين إلى الحياة المدنية، والدفع بهم إلى إدارة البلاد.

شخصية قائد الانقلاب محمد ولد عبد العزيز تمثل علامة استفهام أخرى حول هذا المستقبل المحتمل أن يكون متخما برجال الجيش، فهو قائد الانقلابات فى الحقبة السياسية القائمة، وهو الذى جاء برفيق دربه "أوعلى ولد محمد فال" إلى الحكم فى 2005، بعد الإطاحة بالرئيس ولد طايع، ثم تدبيره الانقلاب الأخير ضد الرئيس ولد الشيخ، فتحقيق أكبر قدر من التوازنات بعد المراجعات المحتملة على الانقلاب الراهن، هو ما سيرسم بدقة هذه التوازنات التى من المتوقع فى ظلها أن تعاد الكرة من جديد إلى حكم ظاهره مدنى وباطنه عسكرى يفرض وصايته بلا منازع.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة