تولى إبراهيم شكرى أمانة المهنيين فى الاتحاد الاشتراكى عام 1971، عندما كان الرئيس السادات رئيساً للدولة والاتحاد الاشتراكى فى الوقت نفسه، وحسبما ورد فى كتاب إبراهيم شكرى "قصة كفاح"، حافظ شكرى على شخصيته فى "مصر الفتاة"، وفى الاتحاد الاشتراكى، ولم يتغير حتى داخل موقع المسئولية، ولم تتبدل أخلاقه أو طباعه أو مبادئه.
وظل إبراهيم شكرى يمارس دوره كمدافع عن الحريات بكل أشكالها تحت قبة البرلمان، ولم يتوان عن الوقوف فى وجه الظلم والفساد وتجلى هذا واضحاً فى الهجوم الذى شنه فى البرلمان على النواب، الذين أيدوا إسقاط الجنسية عن الصحفيين المصريين العاملين بالخارج، وأيدوا الهجوم الذى شنه الرئيس الراحل أنور السادات ووزير داخلتيه النبوى إسماعيل على الصحفيين العاملين بالخارج، واتهام بعضهم بالخيانة.
وفى منتصف عام 1974 تولى القيادى فى الحزب الاشتراكى إبراهيم شكرى منصب محافظ الوادى الجديد، ويروى المهندس أحمد شكرى تفاصيل تولى والده منصب المحافظة قائلاً: والدى كان أول مسئول فى تاريخ مصر يزور واحة الفرافرة، وجاء ذلك ثانى يوم من صبيحة تولى منصبه، حيث أبلغ السكرتير عن رغبته فى زيارة الفرافرة، وحاول السكرتير منعه بحجة أن الطريق غير ممهد، ولا يمكن لأى سيارة أن تدخله، إلا أنه أصر على تلك الزيارة وسأل السكرتير كيف يذهب التموين إلى الواحة؟ فأجابه فى سيارة نقل ثقيل، فرد شكرى نذهب فيها إن شاء الله، وبالفعل خرجت الرحلة فى صباح اليوم التالى وركب شكرى إلى جوار السائق، أما باقى طاقم المحافظة من سكرتير المحافظ ومستشارين فقد ركبوا فى الصندوق الخلفى، جالسين على كراسٍ خشبية أحضروها من المحافظة.
وبعدها طلب شكرى من الحكومة تمهيد طريق مباشر من الجيزة إلى الفرافرة، وطلب من الرئيس السادات زيارة المدينة بالطائرة، وهو ما حدث وبدأت الفرافرة تدخل عصر العمران ودخلتها الاستثمارات الزراعية والتكنولوجيا.
وزيراً للزراعة
وفى مطلع عام 1976 تولى إبراهيم شكرى منصب وزير الزراعة، وكانت مصر تعانى من تفشى دودة القطن فى المحاصيل، مما هدد بتدمير الإنتاج من القطن المصرى الذى كان من أجود أنواع القطن فى العالم.
ويروى المهندس أحمد شكرى تفاصيل تولى والده هذا المنصب قائلاً: كانت مصر تعانى من دودة تصيب محصول القطن باختراق بذرته، وتظل بها وتبيض داخلها حتى تأخذ دورتها وكان هذا الموضوع من أشد القضايا الزراعية التى كانت تواجه الفلاحين فى ذلك الوقت، حيث لم تجد مع تلك الدودة أى نوع من المبيدات.
صنع شكرى حسبة اقتصادية رائعة للحفاظ على محصول القطن، وتوفير موارد اقتصادية للأطفال من خلال تشجيع الأطفال على جمع أكبر كميات من اللوز المغلق غير المثمر، والذى يقطنه الدود وأن تشتريه منهم الوزارة بالكيلو، وتم جمع أطنان ضخمة وضعوها فى حفرة عميقة واحرقوها، مما قلل أعداد الدود بشكل ملحوظ وتم تكرار هذا فى العام التالى حتى قضى على الدودة نهائياً، واعتبر هذا أهم وأشهر ما أنجز فى وزارة الزراعة فى عهد إبراهيم شكرى.
ويروى كمال عبد الحميد السائق الخاص بشكرى، والذى عمل معه حوالى ثلاثين عاماً حتى الآن، وهو من أهم الشهود على تاريخ إبراهيم شكرى، باعتباره أكثر الناس التصاقاً به على مدار ثلاثين عاماً فيقول: لم أر فى حياتى أخلاقا مثل أخلاق الأستاذ إبراهيم، فأشهد بأننى لم أره يجلس يوما فى المقعد الخلفى من السيارة أبدا، سواء وهو مسئول حكومى أو غير ذلك، وكان يفضل الجلوس جوارى حتى يتجاذب أطراف الحديث معى.
كما يروى عبد الحميد موقفا آخر لشكرى، يعتبر من أشد المواقف تأثيرا فيه، فى ثانى يوم من توليه الوزارة عندما تم تخصيص موكب له من موتوسكلين وسيارتين وسيارة حراسة أخرى له، ولكنه عندما نزل من منزله ووجد هذا الفوج فى انتظاره، سأل مسئول الأمن بالموكب ما هذا؟ قال له موكبك يا فندم جاء لتوصيلك للوزارة، فرد قائلاً أنا آسف لست فى حاجة لمواكب، وأمر الجميع بالانصراف واستقل سيارة الوزارة بمفرده، جالساً إلى جوار السائق واستمر على هذا المنهاج طول فترة وجوده بالوزارة.
وروى عبد الحميد موقفا آخر، وشكرى فى طريقه للوزارة وبالقرب من مستشفى الزراعيين، وقع حادث صدم فيه شاب طفلا بسيارته، وهرب فتوقف الأستاذ إبراهيم وأمر السائق أن يحمل الطفل المصاب إلى المستشفى فى سيارة الوزارة، وأعطى السائق مالاً ليعالج الطفل وأكمل مسيرته حتى الوزارة ماشياً على الأقدام، وهذا ما حكاه سائق الوزارة، ولم يذكره شكرى لأنه كان من الذين لا يحبون الحديث عن أنفسهم.
وفى موقف آخر لا يقل عما سبق تواضعا وإنسانية، كان أثناء زيارة شكرى لإحدى المدن الجامعية للطلاب وكانت المجارى تغرق المكان، وقبل أن يرحب الطلاب به سألهم أليست هذه مدينتكم؟ فمن تنتظرون لإصلاح المجارى، وخلع جاكته وشمر عن ساعديه وبدء فى عملية التسليك بنفسه، وما أن رآه الطلاب حتى اندفعوا فى العمل معه، وخلال نصف ساعة كانت المشكلة قد حلت، وبمجرد انتهاء زيارته كان الهواء قد جفف المكان وكأن شيئا لم يكن.
وفى أواخر عام 1978 قدم إبراهيم شكرى استقالته من وزارة الزراعة، وعنها يقول نجله المهندس أحمد شكرى، قدم إبراهيم شكرى استقالته للرئيس السادات، لرغبته فى إنشاء حزب العمل الاشتراكى، ليكون معارضاً حيث كان دائماً يقول "ما أفعله لن يقدر على فعله الآخرون" لذلك قرر أن يكوّن جبهة معارضة ضد نظام الحكم، ليشجع الناس على أن يقولوا لا، ويعارضوا.
وإثناء وجودنا بمرسى مطروح، أبلغنا الوالد أنه سينزل إلى القاهرة لمقابلة الرئيس السادات، وأنه سيقدم استقالته من الوزارة ويبلغه عن رغبته فى إنشاء حزب اشتراكى معارض، مضيفا أن العجيب هو ترحيب السادات بذلك قائلا له، "سير يا إبراهيم على بركة الله، فأنا أعلم أنك محب لمصر بإخلاص وستأخذ معك المحبين لمصر، وسيكون حظك أفضل منى لأن الاتحاد الاشتراكى هنا يضم أصحاب المصالح والوصوليين والمنافقين".
ومن هنا بدأ إبراهيم شكرى مرحلة تأسيس الحزب بمباركة الرئيس السادات، والتى رأى عبد الرحيم وكيل أعمال عائلة شكرى بشربين أن السادات كان يظن أن حزب شكرى، سيكون مجرد ديكور له فى البرلمان وأمام العالم ليثبت للجميع أن مصر تتمتع بحالة من الديمقراطية، وأن بها معارضة تقبل وترفض، ولكن خابت آمال الرئيس السادات، وكان حزب العمل من أقوى الأحزاب المعارضة التى بدأت تشكل إزعاجاً للنظام.
أشيع عن حزب العمل عندما كان فى بدايات مراحل تأسيسه، أنه حزب صنعه النظام لتكميل ديكوره السياسى اللازم للديمقراطية، ويروى الدكتور مجدى قرقر القيادى فى الحزب، كيف تحفظ على تأسيس الحزب وعلى الأستاذ إبراهيم شكرى وعلى ما قام عليه الحزب، وأضاف: "شعرت أن الحزب ولد من رحم النظام، ولكن سرعان ما ثبت فيما بعد صحة مواقف الحزب الوطنية وإسهاماته الوطنية، وتجلى ذلك فى رفض الحزب مد مياه النيل للكيان الصهيونى، وهو الأمر الذى بدل فكر قرقر تجاه الحزب ومواقفه".
وكان إبراهيم شكرى يرغب فى أن يسمى حزبه "مصر الفتاة"، لكن الزعيم أحمد حسين اعترض على هذا الاسم، وقال عبد الحميد بركات أحد أهم القيادات بالحزب فى تلك الفترة، وأهم الشخصيات الشاهدة على تاريخ شكرى، إن الحزب حينما عرض برنامجه عام 78 على لجنة الأحزاب كان مضمونه إسلاميا قوميا، وكان اعتراض أحمد حسين على أساس أن أهداف مصر الفتاة حققته ثورة 23يوليو.
فاقترح البعض تسميته "حزب العمل" فقال شكرى هناك حزب العمل الإسرائيلى، فقالوا نسميه حزب العمل الإسلامى، فقال هذا الاسم ستعترض عليه لجنة شئون الأحزاب لأن الأحزاب لا تقوم على أساس دينى أو عرقى، وانتهى الجدال فى النهاية بتسميته "حزب العمل الاشتراكى" و شعاره "الله - الشعب"، بمعنى عبادة الله وخدمة الشعب.
وبدأ أعضاء حزب العمل شن حرب ضروس ضد الفساد والظلم وتقييد الحريات، من خلال صحيفة الشعب أقوى الصحف المعارضة آنذاك، وأعد الحزب كوادر صحفية وكوادر حزبية تستطيع خوض المعارك، وكانت التجربة الأولى فى عام 1948، حيث حاول حزب العمل دخول البرلمان، ولكن الانتخابات كانت تعمل فى هذا الوقت بنظام القوائم الحزبية، وكان الحد الأدنى بنسبة 8% للحزب من أجل الفوز، ولم يستطع الحزب تحقيق النسبة المطلوبة، فتعذر دخوله البرلمان حسبما أفاد العديد من القيادات الحزبية.
ويذكر الدكتور عصام العريان عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين، أن حزب العمل لم يستطع الفوز فى الانتخابات فى سنة 1948، إلى أن حدث تحالف الثلاث قوى "حزب العمل والإخوان والأحرار" كقوة معارضة 1987، فاجتاز حزب العمل عقبة نسبة 8%.
ويشير الدكتور عصام العريان إلى أن تحالف الإخوان مع العمل، جاء لجذور حزب العمل بتوجهه الإسلامى بقيادة أحمد حسين، الذى أنهى حياته بعدة كتابات إسلامية.
وبدأت صحيفة الشعب أولى إصداراتها بتولى حامد زيدان رئاسة التحرير، ولكن لم يتسمر الوضع طويلاً حتى تولى الراحل عادل حسين مهمة القيادة، وعادل حسين هو الأخ الأصغر للزعيم أحمد حسين.
ويروى مجدى حسين قصة تولى عمه مهمة قيادة صحيفة الشعب قائلاً: "علاقة عادل حسين بالأستاذ شكرى كانت قوية للغاية، لدرجة أن الأستاذ إبراهيم هو من ضغط على عادل حسين لتولى منصب رئيس تحرير الشعب، ولم تكن العلاقة فى إطار الجريدة فقط، ولكن عادل حسين كان يساعد شكرى فى تطوير الحزب باقتراح العديد من الأفكار التى تساهم فى ذلك".
وأضاف حسين: "أعتقد أن الأستاذ إبراهيم هو صاحب الفضل فى الدفع بعادل حسين إلى الأمام فى العمل السياسى، الذى كان عازفا عنه، وأذكر أن علاقتهم كانت أكثر من ممتازة ".
أما المفكر جمال أسعد والذى رشحه الحزب فى انتخابات عام 1987 لعضوية مجلس الشعب، سجل شهادة مهمة فى مسألة تولى عادل حسين رئاسة تحرير الشعب، حيث قال عندما قرر شكرى أن يكون عادل حسين رئيساً لتحرير صحيفة الشعب اعترضت الهيئة العليا للحزب، وكان عددنا 15، ولكن شكرى مارس علينا بعض الضغوط حتى وافقنا، ثم أثبتت الأيام أن عادل حسين قيمة عظيمة أضافت للحزب وللصحيفة.
ويبدو أن شكرى كانت له مهارات خاصة فى صنع الوحدة، حسب رواية مجدى حسين، حيث قال إن ثقله كزعيم محترم، كان من أهم الأسباب التى أدت لتكوين جبهة موحدة ضد الحزب الحاكم، وأعتقد أن هذا سببه أنه شخص متجرد لا يسعى وراء الأضواء والشهرة، مما جعله موضع ثقة لدى الجميع فلم تكن الحسابات الحزبية الخاصة تسيطر عليه، بل كان متجردا ويحمل رؤية بناءة تجاه كافة القضايا.
صديق للحرية والكرامة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة