إبراهيم سعيد ونهلة رمضان وكرم جابر..

إبراهيم ونهلة وكرم.. رياضيون أفسدهم الإعلام

الجمعة، 29 أغسطس 2008 02:15 م
إبراهيم ونهلة وكرم.. رياضيون أفسدهم الإعلام لماذا نفشل فى صناعة النجوم حتى النهاية؟!

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
افتعلت الصحافة الرياضية قضية من لا قضية، وانشغلت على مدى الأسبوع بمشكلة لاعب الكرة إبراهيم سعيد، الذى يرفض النادى الأهلى عودته إليه بسبب سلوكه الذى يتنافى والروح الرياضية، على أقل تقدير.

وبدلاً من انحياز الصحافة للمبادئ والقيم التى تأسست عليها الرياضة، انحازت "فى الأغلب الأعم" إلى النقيض وحاولت الضغط على النادى الأهلى بحجج وذرائع نفعية ومصلحية، مثل حاجة الفريق الفنية إليه، لكى يواصل الأهلى انتصاراته، ويمضى فى حصد البطولات، دون الأخذ فى الاعتبار أن رسالة الصحافة الرياضية هى تكريس الروح الرياضية، والدفاع عن القيم الاجتماعية والانتصار للأخلاق فى مواجهة الانحرافات السلوكية فى الملاعب الرياضية.

ظاهرة غياب الوعى بدور الصحافة الرياضية ومسئوليتها النقدية، لا تنسحب على هذه الحالة وحدها، وإنما تمتد إلى حالات أخرى كثيرة، انحازت فيها الصحافة الرياضية، وانساقت من دون وعى لتكريس السلوكيات المنافية للروح الرياضية، وتشجيع اللاعبين والأبطال المنحرفين عن الروح الرياضية، واختلاق المبررات والأعذار لسلوكياتهم، وتكريس منهج جديد هو أن الموهبة والشهرة والنجومية، تمنح البطل الرياضى حصانة ضد النقد والمساءلة والحساب، طالما كان يمثل مصر دولياً، ويرفع علم مصر.

ولعلنا تابعنا ومازلنا نتابع مسلسل فضيحة الوفد المصرى فى أولمبياد بكين وعودة أغلب النجوم الذين صنعتهم "الميديا" بلا ميداليات. وقبل الأولمبياد اهتمت الصحف بتمرد بطلة رفع الأثقال نهلة رمضان على الإدارة الرياضية، والذى انتهى بشطبها نهائياً من سجلات اللعبة وحرمانها من المشاركة فى دورة بكين، ومازلنا نتابع الضغوط التى تمارسها الصحافة الرياضية لإعادتها، تحت شعار المصلحة العامة.

وتابعنا كذلك مسلسل بطل المصارعة كرم جابر الذى فشل فى إحراز أى ميداليات فى أولمبياد بكين، رغم حصوله على ذهبية فى دورة أثينا الأولمبية.. فكانت هذه الميدالية وبالاً عليه وعلينا، فقد صنع الإعلام منه بطلاً أسطورياً وأفسده كما أفسد لاعب الكرة وبطلة الحديد، وتبارى السياسيون الحكوميون فى استغلال هذا الانتصار الأولمبى، وتوظيفه سياسياً وجماهيرياً، وعلقت صورة لكرم جابر إلى جوار جمال مبارك فى الميادين العامة، واختلط الأمر على العامة والدهماء، أيهما الذى فاز بالميدالية الذهبية فى المصارعة جمال مبارك أم كرم جابر!

حينها، نال البطل تكريماً مادياً ومعنوياً غير مسبوق، من دون توخى مخاطر المبالغة السياسية فى التكريم، لبطل رياضى، محدود الثقافة، وينحدر من أسرة فقيرة. هذا الدعم السياسى لدرجة التهافت على البطل منحه سلطة معنوية، وخولت له ممارسة الضغوط والابتزاز للإدارة الرياضية ممثلة فى اتحاد المصارعة، الذى ضرب به اللاعب عرض الحائط، وتمرد على نظامه، وانصرف عن المعسكرات وجراء تلك السلطة، وهذا التدليل السياسى، تراجع مستوى البطل، وانهزم، وانسحب من البطولات، وتمارض، وبات طوال الوقت يطالب بفاتورة الميدالية الذهبية، التى ينبغى أن تدفعها له مصر مدى العمر، ابتزازاً، واستهانة بالنظام وغروراً وتمرداً.

وبدلاً من أن تقف الصحافة موقفاً مبدئياً، بتقويم سلوك هذا البطل، وإعادته إلى رشده، مارست ضغطاً على الإدارة الرياضية، واتحاد اللعبة، الذى ليس له مصلحة فى معاداة اللاعب واضطهاده، فكانت النتيجة، انصياع الإدارة الرياضية لشروط البطل كاملة، تحت ضغوط سياسية.

علماً بأن كرم جابر لن يكون أفضل من "خضر التونى" الحائز على ذهبية رفع الأثقال فى دورة برلين الأولمبية عام 1936، وبطولات العالم، والذى كان معجزة عالمية فى زمانه، ورغم ذلك شطبه اتحاد الأثقال 1951 لمجرد أنه صرف بوليصة تأمين على الحياة، فبات بحكم القانون الرياضى محترفاً تقاضى أموالاً ولم يعد هاوياً.

وقتها لم تحتج الصحف، ولا احتج البطل الأسطورى الذى تصدر قائمة أبطال العالم الخالدين فى رفع الأثقال الصادرة من الاتحاد الدولى لأكثر من خمسين سنة. لكن حالة كرم جابر ونهلة رمضان على أية حال أقل فجاجة من حالة لاعب الكرة إبراهيم سعيد، الذى قدم نموذجاً فجاً فى انعدام الروح الرياضية ، على أقل تقدير، ولا نقول قدم قدوة سيئة ورديئة للشباب والناشئين فى الملاعب.

يكفى أنه ارتكب فعلاً بذيئاً على رؤوس الأشهاد فى مباراة للزمالك مع المنصورة، وتم تسجيله بالصوت والصورة، ورغم ذلك ظهر من يدافعون عنه، ويبررون فعلته. لقد تخلص النادى الأهلى منه، تحت قاعدة أن ثمرة واحدة فى صندوق التفاح كافية لإفساد الثمار كلها، ثم تخلص منه نادى الزمالك ورفض عودته لذات السبب، ورغم صحيفة السوابق الرياضية، طالعنا جدلاً على صفحات الصحف، وتحولت عودة اللاعب للنادى الأهلى قضية جدلية، ويفترض أن تكون قضية محسومة غير قابلة للجدل، لكنها الصحافة الرياضية الغائبة عن الوعى، أو ربما هو المناخ العام السائد، الذى لم يعد يميز بين الصالح والطالح، أو ربما الغزو القيمى الذى يتعرض له المجتمع، والذى أدى لانهيار القيم وفساد الذمم وتراجع الأخلاق أمام القيم الجديدة الغازية للمجتمع وهى القيم البراجماتية أو القيم النفعية، فالغاية التى تبرر الوسيلة، والعبرة بالنجاح دون النظر إلى أسلوب وطريقة إحراز النجاح إن كانت أخلاقية أو غير أخلاقية.

لقد كانت "الروح الرياضية" هى القيمة العليا للرياضة التى تندرج تحتها وتتفرع منها سائر القيم الرياضية، وكانت الصحافة الرياضية فى الأيام التى خلت، تنتصر للروح الرياضية إذا ما تعارضت والموهبة، وكان النادى الأهلى دائماً، حارساً على قيم الروح الرياضية منتصراً لها فى مواجهة القيم السلبية المضادة والدخيلة على الرياضة والأخلاق. وذات مرة قرر النادى الأهلى إيقاف حسين حجازى، أعظم لاعب كرة فى العشرينيات، لمدة ستة شهور، لمجرد أنه رفض الصعود للمنصة بعد نهائى كأس مصر لاستلام ميدالية المركز الثانى احتجاجاً على التحكيم.

وأدى الإيقاف لحرمان حسين حجازى من الانضمام للمنتخب، والمشاركة فى دورة أمستردام الأولمبية، ورفضت إدارة الأهلى برئاسة جعفر والى باشا كل الالتماسات التى قدمت للعفو عن كابتن مصر، لأنه ارتكب فعلاً شنيعاً ومشيناً بمعايير الروح الرياضية والأخلاق الرياضية، وهى معايير صارمة، قياساً بالمعايير الأخلاقية العامة - هذا صحيح - لكنها الرياضة والشروط القياسية لمن يريد أن يمارسها وينتمى إليها. وقد تأسس قرار إيقاف حسين حجازى وقتها على أن الأخلاق أهم من البطولة وأن الروح الرياضية أهم من الموهبة، فإذا تصادم الاثنان، ينبغى الانتصار للقيم الرياضية الأخلاقية.وقال النادى الأهلى وقتها، إن خسارته لبطولة أشرف من انهيار الأخلاق.

إن قضية عودة هذا اللاعب للنادى الأهلى، وإعادته لبؤرة الأضواء، هى من القضايا الكاشفة التى تضع الصحافة الرياضية على المحك، بل وتضع إدارة النادى الأهلى فى اختبار جديد، أمام الغزو الذى يتعرض له المجتمع كله، من محاولات لتكريس القبح، وتبريره، بل والانتصار له، وإعادة تقديم أصحابه وتصدرهم للمجتمع باعتبارهم رموزاً عظيمة، ونماذج عليا تحتذى حتى تحول القبح إلى ظاهرة اجتماعية فى السياسة والفن والرياضة والصحافة، وحتى باتت مهمة الصحافة الرياضية هى إعادة إنتاج القبح.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة