اهتمت الصحافة الفرنسية بمشروع القانون الذى أعدته وزارة الإعلام المصرية لتنظيم البث الفضائى ومراقبة الإنترنت، وبرصد ردود الأفعال المستنكرة لهذا القانون فى الأوساط الإعلامية والحقوقية فى مصر، التى أجمعت على أنه لا يهدف سوى إلى تشديد قبضة الحكومة على الإعلام.
ذكرت جريدة ليبراسيون أنه، وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان، بلغ تراجع هامش حرية بث المعلومات فى مصر مستوى مقلقاً، حتى أن الأمر قد وصل إلى حد تخويف وسائل الإعلام بهدف منعها من بث أى "مشهد لم يخضع لرقابة الدولة"، وهذا ما ذكرته جريدة المصرى اليوم عندما نشرت مسودة مشروع قانون تنظيم البث المرئى والمسموع الذى أعدته وزارة الإعلام، والذى يتضمن إنشاء جهاز للرقابة تكون مهمته مراقبة مضمون ومحتوى جميع وسائل البث من محطات تليفزيونية وإذاعية ومواقع الإنترنت. ويندرج نص هذا القانون فى إطار الميثاق الذى أثار جدلاً واسعاً والذى تقدمت به مصر والمملكة العربية السعودية إلى جامعة الدول العربية. يدعو هذا الميثاق الدول الأعضاء إلى فرض عقوبة على المحطات التليفزيونية والمؤسسات التى تتعامل معها أو سحب ترخيص العمل منها، فى حالة قيامها بالتعدى على رموز وطنية أو بث مشاهد "تتنافى مع التقاليد العربية".
ترى منظمات حقوق الانسان أنه بموجب هذا القانون سيكون من حق الدول العربية منع البث المباشر للمشاهد التى تلتقطها وسائل الإعلام المستقلة، وبالتالى إرغام القنوات الدولية على التوجه إلى القنوات الحكومية للحصول على الصور، التى يكون قد تم "تنقيحها" بالفعل.
تضيف الجريدة أنه قد بدأ بالفعل تشديد التعامل مع القنوات المستقلة منذ الربيع الماضى. فمنذ ثلاثة شهور، قامت الشرطة بإغلاق مقر شركة الإنتاج المرئى والمسموع CNC (شركة القاهرة للأخبار) ومصادرة أدوات البث الخاصة بها. تعد شركة القاهرة للأخبار إحدى الشركات التى تقوم بتأمين خدمات البث المباشر للقنوات الفضائية الدولية مثل France Televisions وFrance 24 وRAI. ومن بين التفسيرات التى يسوقها أحد المصادر الأمنية حول سبب الإجراء الذى اتخذ ضد الشركة، هو أن CNC متهمة بقيامها ببث لقطة فيلمية تظهر عددا من المتظاهرين فى شمال البلاد، أثناء إضراب 6 أبريل، يقومون بإسقاط صور للرئيس مبارك، وهو المشهد الذى تناقلته عنها قناة الجزيرة. وقد أثارت هذه اللقطة الرأى العام المصرى، الذى يعيش بالفعل حالة من السخط نتيجة أزمة الغذاء والوضع الاجتماعى الصعب الذى يعانى منهما.
ثم تذكر الجريدة أنه منذ الجلسة الأولى لمناقشة قضيته، وجد نادر جوهر (وهو مصرى فرنسى)، رئيس مجلس إدارة شركة القاهرة للأخبار، نفسه متهما ببث لقطات فيلمية لقنوات فضائية أجنبية دون الحصول على إذن البث. نجح جوهر بتوصيل ملف قضيته إلى وزير الخارجية الفرنسى برنار كوشنير، بعد مقابلته لأرليت شابو، مديرة تحرير قناة فرانس2. يتابع عدد من الدبلوماسيين الفرنسيين قضية جوهر، الذى قد يتعرض للحكم عليه بالسجن لمدة عام، إلى جانب دفع غرامة.
ترى منظمات حقوق الانسان أن شركة القاهرة للأخبار تمثل كبش فداء فى المعركة الدائرة بين مصر وقناة الجزيرة، حيث يوجه منذ عدة سنوات إلى قناة الجزيرة (التى تتمتع بشعبية كبيرة) اتهام بمحاولتها زعزعة استقرار البلاد عن طريق بث مشاهد "تسىء إلى صورة مصر". وكانت قد تعرضت من قبل إحدى صحفيات القناة للحكم بالسجن، وذلك لقيامها بإجراء تحقيق عن التعذيب فى مصر، قبل أن يخفف هذا الحكم وينتهى الأمر إلى دفع غرامة فقط.
من ناحية أخرى، أجرت مجلة الإكسبريس حواراً مع جون فرنسوا جوليار، الأمين العام المساعد لمنظمة مراسلين بلا حدود، حول رأيه فى القانون الذى تعده مصر لمراقبة جميع أنواع البث المرئى والمسموع، وتداعياته فى حال تطبيقه على الساحة الإعلامية فى العالم العربى، وكذلك حول هامش حرية التعبير فى المنطقة العربية.
ما هو تقييمكم لمشروع القانون المصرى وميثاق جامعة الدول العربية الخاص بفرض الرقابة على محطات التليفزيون الفضائية؟
يعد هذا الميثاق رجعياً وخانقاً للحريات. لا يوجد على الإطلاق سبب يبرر تطبيق مثل هذا الميثاق الذى يسمح للحكومات بفرض رقابتها على القنوات الفضائية، والذى يستهدف، بشكل ضمنى، قنوات مثل قناة الجزيرة. منذ عدة سنوات، تثير هذه القنوات حفيظة الحكومات العربية ومنها مصر، إذ إنها تخرج عن نطاق سلطتها.
ما هى التبعات المتوقعة عند تطبيق مثل هذا الميثاق فى العالم العربى؟
لم يتم العمل بعد بهذا الميثاق. تواجه بالفعل القنوات الفضائية ذات الأبعاد الإقليمية والدولية، مثل قناتى الجزيرة أو العربية، التى تتمتع بنبرة أكثر حرية من القنوات الحكومية، عدة ضغوط فى العديد من الدول.. فعلى سبيل المثال فى تونس، ليس هناك مقر أو مراسل رسمى لقناة الجزيرة. إلا أن الحكومات لم تكن تملك حتى الوقت الحاضر أية وسيلة من شأنها عرقلة بث تلك القنوات. أما فى حالة تطبيق قانون البث الفضائى، فبإمكان الحكومة إرغام أى قناة فضائية على قطع الإرسال، مما يعنى إيقاف البث خارج الدولة التى طالبتها بذلك.. إذ إن قطع إرسال قناة فضائية فى دولة ما سوف يؤثر فى ذات الوقت على بثها فى مجموعة من دول المنطقة.
ما هو الوضع الحالى لوسائل الإعلام داخل العالم العربى؟
إنه وضع سىء للغاية. تتمتع قليل من الدول العربية بحرية الصحافة، باستثناء لبنان والمغرب والأردن الذين يمارسون هذه الحرية بقدر ما. تتمتع الجزائر أيضاً بصحافة حرة مستقلة على الرغم من الضغوط المستمرة التى يواجهها الصحفيون. فى المقابل، يمارس نوع من الرقابة المشددة فى ليبيا والمملكة العربية المتحدة وسوريا وتونس، فى حين نجد بعض الدول مثل مصر تمارس حرية التعبير بشكل معتدل. هناك العديد من الصحفيين المعتمدين فى مصر ولكن عدد القنوات المستقلة بها ليس بالكثير. عندما ينتقد الصحفيون الرئيس مبارك، تكون العاقبة فى منتهى الحدة.. وتزداد الإجراءات الرادعة على شبكة الإنترنت حيث تم القبض على العديد من المدونين ومستخدمى الفيس بوك. إلا أنه من المحتمل أن تؤدى هذه الرقابة المتزايدة إلى تحرك الصحافة المصرية، حيث إن النظام فى مصر ليس محكم الإغلاق مثل النظام فى ليبيا.
الصحافة الفرنسية : قانون البث الفضائى رجعية وخانق للحريات
الخميس، 28 أغسطس 2008 11:53 ص
الـ"ليبراسيون" انتقدت قانون البث الفضائى بشدة