محمد الدسوقى رشدى

البحث عن رئيس برتبة جنرال!

الخميس، 28 أغسطس 2008 12:35 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل أفاجئك كثيرا إذا قلت لك إن القادم لكرسى رئاسة مصر هو جمال مبارك؟ ربما! وهل تتهمنى أنت بأننى أفتش فى النوايا أو أتقول على رجل نفى أكثر من مرة أن تكون لديه الرغبة فى خلافة والده الرئيس حسنى مبارك؟ ربما.

هل ستندهش إن قلت لك إن جمال مبارك بينه وبين كرسى الرئاسة خطوات معدودة؟ ربما، ولكنك ستتهمنى إن كنت تقرأ صحف الحكومة بأننى أنام هذه الأيام بدون غطاء وأحلامى تصور لى أوهاما تتناسب تماما مع نفسى، التى تتنفس حقدا ضد الشاب المصرى الناجح الذى أصبح رقم 2 فى البلد بمجهوده وتعبه، وليس لأنه ابن الرئيس كما يحب أن يتوهم أهل المعارضة فى مصر.

هل أزيدك يأسا على يأسك إن قلت لك إن جمال مبارك يكاد يكون الحاكم الفعلى لمصر الآن؟ هل أبالغ لو أكدت على ذلك؟ ربما ترى ذلك ومعك السادة الذين أقنعوا أنفسهم بأن قضية التوريث من بنات أوهام ناس الشوارع فى مصر.

مشاهدة خطوات جمال مبارك المدروسة بعناية من أجل خلافة والده منذ التحاقه بالحزب الوطنى وإنشاء جمعية "حورس" التى اخترق بها الجامعات، ثم تحولها إلى جمعية "جيل المستقبل" التى أصبح لها مبنى رسمى داخل الجامعة الأم "القاهرة"، ثم نشاطه الملحوظ على صفحات الجرائد الحكومية فى لجنة السياسات التى ترأسها، ويقود من خلال أعضائها الحياة السياسية فى البلد الآن، ثم سفره إلى واشنطن ولقائه مسئولين أمريكان بشكل حاول أن يجعله سرى، ولكنه فشل، ثم التحاقه بالأمانة العامة للحزب ووصوله إلى المنطقة التى تسمح له بالترشيح إلى رئاسة الجمهورية.. خطوات محسوبة تمت كل واحدة منها فى سنة لو اعتبرنا البداية هى مؤتمر الحزب الوطنى سنة 2000.

ما حدث فى السنوات الماضية وما يحدث الآن من تنظيف كل الطرق التى تؤدى بجمال مبارك إلى كرسى الرئاسة خلفا لوالده حسنى مبارك، شئ يستدعى ممن لا يريديونه الحركة أو البحث عن فكرة حتى ولو كانت "طوبة" لوضعها فى طريق ذلك القطار الطائر نحو القصر الجمهورى.

دعك من الأفكار الوردية بأن جمال مبارك لن ينجح فى أى انتخابات رئاسية، أولا: لأن نظام والده لم يطعمنا فى أفواهنا أى انتخابات نزيهة تعبر عن إرادتنا منذ جاء إلى الحكم سنة 1981، حتى ولو كانت انتخابات فصل ثانية أول فى مدرسة ابتدائى، وثانيا لأن من له الحق فى منافسة جمال مبارك هم السادة أعضاء الهيئات العليا فى أحزاب مصر، وهم أنفسهم من تنحنى رؤوسهم الآن حينما يصادفهم جمال مبارك فى أى حفل رسمى أو غير رسمى، كما أنهم وبالصلاة على النبى شخصيات مبنية للمجهول بالنسبة للشارع المصرى، وبعضهم لا يدخل حمام بيته إلا بإذن من أمن الدولة.

هل أغلق الآن كل المنافذ فى وجهك؟ هل ترى أننى أعود للنغمة القديمة وأزيدك يأسا على اليأس الذى أزدته فوق يأسك فى بداية الموضوع؟ ربما، ولكنها الحقيقة أو على الأقل 90% منها.. نجل الرئيس قادم لا محالة والهتافات والتظاهرات قد لا تأتى بنتيجة حاسمة مع نظام لا يسمع، ويصاب بالطرش إذا لم تأت هتافات الجمهور على مزاجه.

دعنى أجرب نفسى وألقى فى وجهك بفكرة قد تبدو لك "صدمة"، ماذا لو جاء جنرال من الجيش لينقذنا من عملية توريث نتابعها دون مشاركة.. الآن تصب كل لعنات السماء على وعلى كل من يفكر أن يعود بالعسكر إلى الحكم؟ .. وكأن هناك أحد آخر غير العسكر يحكمون الآن؟!

أنا أكلمك الآن عن الفكرة المضمونة.. ضع يدك على العسكرى الذى يقف أمام الملك مباشرة، حركه خطوة واحدة للأمام أو حتى إلى الجنب ستجده قادرا على الإطاحة بأى رتبة موجودة فى طريقه، حتى ولو كانت رتبة "نجل الرئيس"، المهم أن تحركه بسرعة ليقتنص قبل أن يتم التعامل معه، وهو نائم فى سكناته أو خانته منتظر ما يحدث.

تخشى من حكم العسكر وتعانى ويلاته التى مازلنا نعيشها حتى الآن، أعلم ذلك، ولكن دعنا نتكلم بشكل أكثر واقعية منذ 26 سنة والمعارضة فى مصر تسعى بكل الطرق للإطاحة بالرئيس حسنى مبارك بعضها حاول بالتنظيمات السرية، والبعض حاول بالرصاص فى أديس أبابا، والكثيرون حاولوا بمظاهرات وسط البلد والبعض الآخر اجتهد كثيرا لإقناع الخارج بضرورة التحرك لإنقاذ الديمقراطية فى مصر إن كان فى روحها بقية من النفس.. حاولوا وفشلوا حتى حينما وصل النظام إلى مرحلة الشيخوخة، وأصابت الهشاشة عظامه لم يستطيعوا خلخلة الكرسى من تحت حاكمه، فهل من الطبيعى أن نطمع الآن فى الإطاحة بجمال مبارك الشاب الذى يسير بخطوات مدروسة جيدا ويحصل على تأييد من الخارج قبل الداخل، ويضم أجنحة النظام فى صفه ويستعد لاستكمال مسيرة والده.. ربما، ولكننا لم نقدم حتى الآن دليلا على ذلك، فقد فشلنا فى عرقلة كل الخطوات التى تمت لتصعيد جمال مبارك، فهل نراهن الآن على الخطوة الوحيدة الباقية؟ من حقنا أن نفعل ذلك ولكن.. ليست كل الفرق تمتلك القدرة على الفوز فى الوقت الضائع خاصة لو فرقة مثل الشعب المصرى نجح النظام فى تكسير عظامه وأدواته على مدار ربع قرن فائت.

حينما نحول أنظارنا إلى لبنان واستدعائه "العماد ميشيل سلمان" لفض الاشتباك الحاصل بتولى الرئاسة، وإنقاذ البلد من مجزرة كانت تنتظرها بعد رحيل "لحود"، مرة أخرى سنضطر للعودة إلى الجيش، بالطبع أنا لا أقصد حكما عسكريا بالمعنى الذى تتعارف عليه كتب السياسية، وهو "الأنظمة التى تحكم الدولة إذا ما استلم العسكريون الحكم وأوقفوا العمل بالقوانين المدنية أو أخضعوها لسيطرتهم".

أنا أقصد رجلا عسكريا حازما وحاسما يفض الاشتباك، وينقذنا من شهوة الطامعين بالركوب فوق أنفاسنا، رجلا عسكريا ينتمى لتلك المؤسسة التى نفخر بها ونفاخر بها العالم، جنرالا تغلب عليه روح التكوين الوطنى، نثق فيه ويثق فينا، يشعر ويدرك المأساة التى تمر بها بلده، وينقذها من مصير متكرر مع حاكم غير مرغوب فيه شعبيا وغير موثوق فيها سياسيا، ولم يمشى فى شوارع مصر إلا فى المواكب التى يتم إخلاء الطرق لها على حساب مصالح الناس..
جنرالا يعيد التجارب التى قد لا تكون كثيرة حينما صعد العسكر للحكم وأداروا الدفة لصالح وطنهم وشعبهم، ثم تركوا مقاليد الأمور حينما شعروا بأن الجديد لم يعد لديهم ورحلوا، ضع أمامك صورة الرئيس الموريتانى "على ولد محمد فال" الجنرال الذى وعد وأوفى وتخلى عن السلطة لتحصل موريتانيا على أول انتخابات رئاسية نزيهة تجرى فى الوطن العربى، ربما تكون تجربة "محمد نجيب" مشجعة على تلك الفكرة التى تقول باستقدام جنرال ينقذنا من طمع جمال مبارك فى السلطة، ألم يكن نجيب عسكرى يريد الديمقراطية وتسليم الحكم لأهل السياسة فى البلد، بعد أن شعر بأن الجيش أتم مهمته، ربما لم تسمح الظروف لمحمد نجيب بأن ينفذ خطته، ولكن الفكرة نفسها تزال قائمة وتظل حية تنبض بإمكانية التنفيذ والنجاح، أعلم أنها فكرة يوتوبية المنبع، ولكنها تظل من الأفكار المطروحة لمواجهة ماهو قادم ونرفضه.

أعلم أن الخوف من حكم العسكر يبلغ المدى، خاصة وأن التجارب لا تسر عدوا ولا حبيبا، ولكننا لا يمكن أن نغفل أبدا أن الناس أحبت عبد الناصر، وأن القليل من الأخطاء لو تداركها شركاء ناصر لما كان وضعنا هو وضعنا الآن، ألم نكن فى عهد عبد الناصر ضامنين على الأقل أن الرجل الذى يحكمنا يحب الوطن ويخلص له ويقدم مصالحه على مصلحته ولا يتكسب على حسابه مليارات الدولارات.

الخيار يبدو صعبا ولكنه متكافئ إلى حد كبير، جمال مبارك ليس بعيدا عن العسكرة، ولا يعنى صعوده لكرسى الحكم أننا كسبنا حاكما مدنيا، لأن حكم العسكر لا يعنى وجود رجال بزى الجيش يديرون الأمور فحسب, فهذا لا يعدو عن كونه مجرد مظهر خارجى، بل يعنى الروح المهيمنة, والثقافة السائدة, والنظام الذى يسير وفقه المواطن والمجتمع, والسلوك الذى يتطبع عليه الناس, والنظام الاقتصادى الذى تسير وفقه أرزاق الناس ومعايشهم, وبالتالى فإن حكم العسكر يعنى النظام العام الذى يتنفسه الناس كل صباح ومساء منذ جاء مبارك للحكم، أو منذ قرر مجلس قيادة الثورة أن يبقى، وجمال مبارك جزء لا يتجزأ من هذا النظام، صحيح أنه لا يرتدى زى جنرال، ولكنه من داخله عسكرى صغير فى زى مدنى عاش حياته وتربى فى بيت عسكرى، ونظام حكم عسكرى، والأسوأ من كل ذلك أنه سيستكمل تلك المسيرة دون جديد، ويكرس لفكرة غريبة هى توريثنا لمن يشاء الحاكم الموجود أن يجعلنا من نصيبه، أم الجنرال الذى سيأتى فقد يملك ميزة إضافية أنه على الأقل سيكون دما جديدا. وبما أننا نعيش على أمل يزرعه بداخلنا المتفائلون بأن جمال مبارك قد لا يكون مثل أبيه ويدعم الديمقراطية، فلماذا لا نعيش على هذا الأمل مع جنرال نضمن أنه يحب هذا البلد ومشى فى شوارعها من قبل.. وركب أحد أتوبيسات هيئة نقلها العامة؟





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة