غزو لأفغانستان, ثم تماحك شديد مع إيران.. وأخيراً حرب فى جورجيا ماذا يحدث فى منطقة القوقاز بوسط أسيا؟ ببساطة, المحاولات جارية لإعادة تشكيلها, وعلى أسس جيو إستراتيجية لا مكان فيها للتردد أو الهزل وهى محاولات لم تتوقف تقريبا منذ سقوط الاتحاد السوفييتى, تحولت معها المنطقة على اتساعها إلى رقعة شطرنج كبرى تجرب فيها كافة القوى الإقليمية والدولية أصابعها بغرض إعادة خلقها من جديد.
منطقة القوقاز, تعتبر الجسر الجيو – إسترتيجى الأهم فى أوراسيا (أوروبا ـ أسيا ) وهى حائط الصد الأخير أمام الروس, واختراقه بالدرع الصاروخى الأمريكى، أو ضم دوله إلى منظومة حلف الأطلسى كابوس يطير النوم من عينى الروس، ومعهم الصينيون منذ الإعلان عن خطط نشره هناك على تخوم روسيا الاتحادية.
الحرب الروسية ضد جورجيا مؤخرا, يمكن النظر إليها من هذه الزاوية المهمة. لكن الجديد الذى تجدر ملاحظته استدعاء قوى إقليمية، وضخ قدرات عسكرية (إسرائيلية) إلى لعبة موازين القوى الجديدة فى آسيا, على نحو ما كشفت عنه أزمة القوقاز مؤخراً. ناهيك بالطبع عن استحضار الورقة الإيرانية من جانب روسيا والصين لملاعبة الولايات المتحدة والغرب فى تلك المنطقة المهمة للغاية.
ما نشهده حاليا ليس سوى حلقة من حلقات الكر والفر بين الولايات المتحدة الأمريكية والغرب من جهة, وروسيا والصين من جهة أخرى, وإن كانت الأخيرة تفضل التوارى نسبيا وراء الدب الروسى الذى بدا وكأنه انبعث من رقاده فجأة.
روسيا والصين اللتان توفران غطاء لإيران, وتحاولان إنقاذها من بين أنياب الغرب الأمريكى لم ترفعا الأصبع عن الزناد، رغم كل المهادنات التاريخية التى أعقبت فترة الحرب الباردة وأحداث 11سبتمبر تحديداً, رغم أنهما فقدا صوابهما تماما أمام التوغل الإستراتيجى الأمريكى واسع النطاق على وسط آسيا.
وماذا عن النفط والغاز؟
حاضران بقوة عارمة فى الأزمة, وظاهران فى خلفية المشهد على نحو ليس معه لبس, فى القوقاز وقزوين. فالصراعات السياسية أهدافها اقتصادية على طول الخط, كما هو معروف.
والاستراتيجية ؟
أكثر حضورا. فالسيطرة على الثروات تسهل الهيمنة على الجغرافيا الاستراتيجية. والجغرافيا الاستراتيجية تقود إلى وضع اليد على الثروات.
انتهت جولة من المواجهة أذن, لكن لم تسفر حتى الآن إلا على ما بدا أن هناك منتصرين ورابحين: (روسيا وإيران), وهزيمة تكتيكية لمعسكر الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل.
فهل ربح هؤلاء وخسر أولئك فعلا؟
للوهلة الأولى, يبدو هذا صحيحا, خاصة مع نزوع موسكو نحو التشدد, وإعلان الرئيس الروسى السابق فلاديمير بوتين فى حديث بثته شبكة سى.إن.إن الأمريكية اليوم (الخميس) أن روسيا بصدد فرض عقوبات على 9 شركات أمريكية. لكن الصحيح أيضا أن لدى واشنطن خططا قديمة موضوعة على الأرفف لضرب الاتحاد الروسى والعمل على تفكيكه فى أبخازيا والشيشان وانجوشيا. كانت هذه الخطة من إعداد صقر الإدارة الأمريكية الحالى ديك تشينى نائب الرئيس فى عام 2003, وهى خطط لا تسقط بتغير الإدارات.
الولايات المتحدة لن تفلت روسيا فى هذه الحال, وفى كل الأحوال لن تفلت إيران، لكن طهران تستطيع التقاط أنفاسها وتنعم بزهو الانتصار القصير. فكرة الجراحة الجيو- استرتيجية قائمة ولن تسقط من الحسابات الأمريكية, ما دامت واشنطن لم تتنازل حقها الإمبراطورى فى إعادة تشكيل المناطق الحيوية للكرة الأرضية, على الأقل حتى يظهر عالم جديد متعدد الأقطاب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة