الدين نور يضىء حياة الناس، وليس وثيقة فى خزانة نخرجها وقت الحاجة لنشهرها فى وجوه الآخرين، إلا أن الوضع فى مصر يخرج عن هذا الإطار، فقد أصبح الدين هو الحجة الجاهزة لكل المسئولين لكى يبرروا آراءهم وأخطاءهم، بل وصل الأمر ببعضهم إلى إطلاق فتاوى صريحة، حتى وإن خرجت هذه الفتاوى على هيئة آراء شخصية، وهذه الآراء وإن كانت خاصة بصاحبها، تعتبر خوضا فى الدين وخلطاً له فى السياسة فى وقت ينادى فيه العقلاء بفصل الدين عن الدولة، وإخراج السياسة من عباءة الدين، لأن هذا الخلط يعد تضليلاً للناس وابتزازا لأحد الاثنين - الدين أو السياسة – على حساب الآخر.
فاروق حسنى كان أحد الذين ارتدوا عمائم الفتوى، حين تحدث عن الحجاب وأثار أزمة عن جدوى ارتدائه عام 2006، ومن بعد حسنى حرّم وزير التموين على المصيلحى استخدام الخبز كعلف للحيوانات، فى أعقاب أزمة الخبز عام 2007، رغم أن سلطته تنحصر فى التجريم وليس التحريم والفرق بينهما كبير. وزير آخر صعد على منبر الفتوى هذا العام أيضا وهو الدكتور هانى هلال وزير التعليم العالى، حين قال إن تأجيل بدء الدراسة بسبب شهر رمضان يعد إساءة للإسلام وإن الصيام لا يتعارض مع الدراسة، متجاهلا أن السبب الرئيسى فى رغبة الناس فى تأجيل موعد الدراسة يقوم على عدم قدرتهم على تحمل المصروفات الدراسية موازاة بمصروفات الشهر الكريم. هذه الوقائع وغيرها تجعلنا نتساءل عن منطقية خلط الدين بالسياسة من قبل الوزراء وإطلاق الفتاوى، رغم أنهم أولى الناس بقيادة الرأى العام نحو الفصل بينهما، وهل هذا الخلط المتعمد والفتاوى الجاهزة مجرد حلقة فى الخداع الوزارى والـ"عك" الحكومى؟
بعيدا عن التوصيفات السابقة، هناك وصف آخر أطلقه الدكتور نبيل عبد الفتاح رئيس تحرير تقرير الحالة الدينية فى مصر ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، حيث اعتبر هذه الفتاوى عبارة عن "تأميم الديانة الإسلامية"، بما يعنى فرض تصوراتها الفقهية، وهى تصورات بشرية ودعوية ووعظية، على أمور سياسية ودنيوية بحتة، كمحاولات لكسب مصالح خاصة لدى هؤلاء الأشخاص وليس خوفا على الدين كما يتظاهرون. وفى المقابل يذكر عبد الفتاح أن هناك عمليات تأميم للدولة لصالح الأديان. موضحا أن الدولة من ثورة يوليو 1952 تستخدم الدين فى الوظائف السياسية المحضة، وأهمها استخدام الدين كشرعية سياسية لمنع القوى السياسية الأخرى، وأهمها جماعة الإخوان المسلمين، من احتكاره.
السؤال الطبيعى هنا هو: ما مدى منطقية أن يستخدم أى شخص الدين خاصة الوزراء فى تصريحاته؟ على يوسف الباحث الإسلامى يقول إن الحديث فى الدين ليس حكرا على أى شخصيه بالمرة، لكن فيما لا يتعارض مع تحقيق المصالح للمجتمع، إلا أنه لا يعنى الكذب على الجماهير باسم الدين، كما أن الفتوى لها أهلها من دارسى أصول الفقه وهم من يفتح لهم باب الاجتهاد.ويضيف يوسف أن المشكلة الكبرى هى أن فتاوى أصحاب السلطة والقيادات التنفيذية ترسخ للفساد والاستبداد، كما أنها تنم عن نظرة خاطئة للدين الإسلامى تسئ إليه فى النهاية، ويقترح يوسف إنشاء مؤسسه مستقلة بها رجال الدين تعرض عليهم القضايا ليقوموا بتحقيقها والنظر فيها وإطلاق الفتاوى فى حدود الاجتهاد المطلوب، بما يحقق النفع للمجتمع.
النائب علاء حسانين، أمين سر اللجنة الدينية بمجلس الشعب، يرى أن على الوزير أيا كان أن يهتم بشئونه فقط، فهانى هلال مثلا عليه أن يهتم بشئونه العلمية والأكاديمية وجودة التعليم وكفاءته دون التمسح بالدين، وكذلك فاروق حسنى وعلى المصيلحى وغيرهما، لأن وزاراتهم بها ما يكفى من المشاكل التى تحتاج لاهتمامهم بدلا من التفرغ للخوض فى الأمور الدينية، وعليهم ألا يتدخلوا فى الدين ليبتعدوا عن جلب الشبهات للدين وإساءة صورته أمام الغرب من خلال فتاواهم التى تبنى على أساس غير شرعى.
لمعلوماتك:
◄فى 2007 أصدر مجمع البحوث الإسلامية قرارا بأن تكون دار الإفتاء هى المؤسسة الوحيدة التى يحق لها إصدار الفتاوى فى مصر.
الوزراء يسيسون الفتاوى - تصوير سامى وهيب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة