هل سيحكم جمال مصر مبارك بدعم أمريكى، وما وزن الإخوان والمعارضة فى سيناريوهات انتقال السلطة الرئاسية؟ وهل يدمر سعد الدين إبراهيم وأقباط المهجر العلاقات المصرية الأمريكية؟ وما موقف كلا المرشحين للرئاسة الأمريكية فى الملفات المعلقة فى الشرق الأوسط؟ وأخيراً هل المجتمع المصرى محافظ أم ليبرالى؟
هذه الأسئلة وغيرها كانت محور نقاشنا مع الدكتور عمرو حمزاوى، أستاذ العلوم السياسية والباحث المتخصص فى شئون الشرق الأوسط والحركات الإسلامية، وكبير الباحثين فى معهد كرنيجى للسلام العالمى بواشنطن، والذى عمل مدرساً فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة وجامعة برلين الحرة.
جمال مبارك كيف تراه الإدارة الأمريكية الحالية أو المستقبلية؟
جمال مبارك لاعب سياسى مؤثر وله تحالفات بمجموعة من رجال الأعمال غير بهم تركيبة النخبة المصرية، وأمريكا ترغب فى الحفاظ على علاقة إيجابية مع اللاعبين المؤثرين فى المشهد السياسى. وهذا لا يعنى أن الإدارة الأمريكية الحالية أو القادمة تفضل تنفيذ سيناريو التوريث. فمصر مقبلة على لحظة انتقال للسلطة الرئاسية لن تتأخر كثيراً، وما يهم أمريكا هو علاقات إيجابية مع مصر لأهميتها الإقليمية، وأن يحافظ الرئيس القادم على استقرار علاقة مصر الخارجية وتحالفاتها الإقليمية بمعنى أن لا تتغير مصر مرة واحدة كما حدث فى إيران، ولهذا يفتحون علاقات مع الكل. وأمريكا تفضل وإن كانت هذه نقطة فرعية أن يدار انتقال السلطة الرئاسية بصورة أقرب إلى الديمقراطية "فتحب تشوف انتخابات وإدارة دستورية مش لخبطة واهتزاز ودبابات فى الشوارع".
وما تقديرك أنت لسيناريوهات انتقال السلطة الرئاسية فى مصر بعيداً عن الحسابات الأمريكية؟
رأيى أننا نعانى تراجعاً سياسياً كبيراً وتصاعدياً منذ الانتخابات البرلمانية، وأمام لحظة مجتمعية ضاغطة ومؤشرات اقتصادية اجتماعية متدهورة باستمرار، رغم التحسن فى المؤشرات الكبيرة لأداء الاقتصادى المصرى والاستثمارات الخارجية. والثابت أن الإدارة الأمنية لن تختفى حتى يحسم انتقال السلطة الرئاسية فى مصر، فالنخبة السياسية المصرية تخشى من أى انفتاح سياسى "يلخبطلها إدارة لحظة انتقال السلطة الرئاسية"، وهناك جمود داخل النخبة السياسية المصرية لأنها لا تريد أن تلقى كل أوراقها خلف سيناريو واحد فقط. فلو سيناريو التوريث ثبت أنه لن يضمن الاستقرار أو سيؤدى إلى رئيس فاقد أو منقوص الشرعية سيتم التعويل على صياغات أخرى، والشخصية البديلة ستكون من المؤسسة العسكرية أو بماضى عسكرى كعمر سليمان أو غيره رغم أن مسألة السن ليست فى صالح سليمان. وهناك أيضاً بديل مدنى، فدستورياً التعديلات تسمح للنخبة السياسية المصرية أن تبحث عن بديل لسيناريو التوريث بصورة دستورية لو أرادت، ولحظة الغموض الموجودة حالياً مقصودة. وأمريكا تدرك أن لحظة انتقال السلطة الرئاسية ستكون لحظة جديدة عليها وعلى المجتمع والسياسة المصرية، لأنه من أول 52 حتى الآن عندنا سيناريو رئاسى واحد، ولأول مرة عندنا أكثر من احتمال.
وما المخاطر المحتملة من تنفيذ سيناريو التوريث؟
هذا السيناريو "مالوش شعبية" فجمال مبارك لو كان مقبولاً من قطاعات شعبية واسعة، الأمور ستكون أوضح. ولا يرجع ذلك فقط لشخص جمال مبارك لكن لما يمثله ومجموعته من رجال الأعمال التى يرى الناس أنهم لا يعبرون عنهم، كما أن الناس لا تعرف ما هو دور جمال مبارك هل هو مسئول حزبى أم تنفيذى. كما أن هناك مساحة من الشك داخل المؤسسة العسكرية حول هذا السيناريو. وبالتالى فاحتمالات نجاحه محدودة إن لم تكن غير مؤكدة مع أنه محبذ، وبقاء الغموض هو الحل الأمثل إلى حين الاقتراب من اللحظة.
أين الإخوان المسلمون من السيناريوهات المحتملة لانتقال السلطة الرئاسية فى مصر؟
انتقال السلطة الرئاسية سيديره لاعبون من داخل النخبة الحاكمة. فالوزن والتأثير لأى لاعب خارج النخبة الحاكمة والمؤسسات شديد المحدودية. فلا يوجد فاعل فى المعارضة يمكنه عكس ديناميات المجتمع المصرى وله وزن نسبى يؤثر على السياسة المصرية، لا الإخوان ولا غيرهم وحسابات النخبة لن تخرج عن النخبة.
إذاً انتقال السلطة الرئاسية فى مصر سيكون بلا مفاجآت؟
نعم وبشكل دستورى أيضاً، لأنه لم يحدث منذ 54 وحتى الآن أن تم انتقال السلطة فى مصر بشكل غير دستورى. احتمالية المفاجأة الوحيدة ستكون أن السيناريو الذى تفضله النخبة من الممكن أن تتغير الحسابات بشأنه لو اكتشفت الإدارة الأمنية أن المجىء برئيس جديد هو ابن الرئيس الحالى ومفتقد للشعبية فيه خطورة، لأن هذا سيكون معناه أنه لأول مرة يكون لمصر رئيس منقوص الشرعية.
الظرف الاقتصادى الاجتماعى الضاغط الذى أشرت إليه تجعل البعض يفكرون فى لحظات انفجار أو ثورة على الأبواب؟
نحن لسنا قريبين من لحظة انفجار، فالنخبة تحاول إدارة هذا الظرف الضاغط بملفات مثل الدعم والعلاوة، وبالتالى فهم على وعى كامل ويستخدمون المسكنات للتهدئة إلى أن تأتى لحظة انتقال السلطة. لكن السؤال هو هل نتوقع لحظة انفتاح سياسى يديرها الرئيس القادم ونستريح من الإدارة الأمنية للمشهد السياسى بعد 2011، أعتقد أن هذا سيتوقف على الاستقرار النسبى لإدارة انتقال السلطة الرئاسية، فلو كان الرئيس القادم منقوص الشرعية سيقوم ببعض الانفتاح السياسى لاكتساب مزيد من الشرعية لأنه لو حاول اكتساب شرعية من خلال الوضع الاقتصادى الاجتماعى فسيستغرق وقتاً طويلاً، أما لو جاء رئيس عسكرى، فلا أتوقع أن يقوم بالشىء نفسه لأنه سيعتمد على شعبية المؤسسة التى يمثلها.
تلعب دور المنظر السياسى للإخوان فى بعض كتاباتك الأخيرة، فهل تطمح فى أن يكون لهم دور أكبر فى المشهد السياسى؟
الإخوان هم الحركة الاجتماعية الأكبر من حيث التنظيم والوزن ولا ينبغى تجاهلهم، لأنه من مصلحتنا أن تندمج كل القوى الرئيسية التى تعتمد العمل المدنى فى فعاليات الحياة السياسية. لكن المشكلة أن الجماعة لديها معضلات رئيسية فهم لا يفصلون وظيفياً بين الدعوة والسياسة.
لكن الإخوان يهدفون إلى الحكم بالشريعة وهذا أمر واضح فما طبيعة الفصل الذى تقصده؟
"مش كلهم بيفكروا بالصورة دى" الإخوان مجموعات فعندهم جناح محافظ كبير وقوى، ومجموعة من الأصوات المعتدلة القريبة من الأفكار الليبرالية مثل عبد المنعم أبو الفتوح وغيره، لكنها أصوات منفردة واتضحت تعددية الأجنحة فى الانتخابات الأخيرة، لكن الجناح المحافظ يفرض نفسه وهو يفكر بطريقة جماعة دعوية أكثر من جناح سياسى. وغياب التوازن يفرض الغموض فى موقفهم. المعضلة الثانية أن الإخوان لم يتمكنوا من الحد من تراث الشك الموجود ناحيتهم داخل النخبة المصرية سواء الحاكمة أو المعارضة، ولا يمكن لهم النجاح تحت ضغط الدولة وشك النخبة. المعضلة الأهم هى أن الإخوان يتعاملون مع الإطار الدستورى بمنطق تحايلى وهذا سبب فشلهم، فهناك نص دستورى يفرض عدم وجود أحزاب ذات مرجعية دينية وهم حتى الآن لم يفعلوا شيئاً للتعامل معه ثم محاولة إصلاحه تدريجياً، بل يستفيدون من الظهور بمظهر الجماعة المحظورة لاكتساب شرعية.
لك موقف متناقض من مرشح الرئاسة الأمريكية القادم، ففى حين تميل نحو أوباما ، تعود وتقول إن كلا المرشحين لا يختلفان عن بعضهما البعض، ما سر هذا التناقض؟
هناك توافق داخل النخبة السياسية الأمريكية على أن أجندة دعم الديمقراطية التى رفع شعارها بوش فشلت وبالتالى لا يمكن الاستمرار فى تطبيقها، فصورة أمريكا فى العالم العربى سلبية طبقاً لاستطلاعات الرأى، والنتيجة التى ترتبت على أجندة الحرية محدودة، فلا السعودية ولا مصر ولا الأردن تحولت إلى دول ديمقراطية وهم الحلفاء الرئيسيون، وحماس صعدت بالانتخابات، ما يعنى أن أجندة الديمقراطية على طريقة بوش فشلت، وهذا هو المشترك بين ماكين وأوباما .
وفيما يختلف كلا المرشحين فى رؤيتهم للعلاقة مع الشرق الأوسط؟
أوباما أقرب إلى الاقتناع بقضايا حقوق الإنسان والديموقراطية، أما ماكين فلا مانع لديه من استخدام الأداة العسكرية حال فشلت الأداة الدبلوماسية مثلاً فى إيران، وتركز حملته على القضايا الكبيرة فى المنطقة، وبالتالى فإن الحرية وحقوق الإنسان ليست على أولوياته. أما حملة أوباما فتعتمد بصورة كاملة على الأداة الدبلوماسية متعددة الأطراف، وهو ما سيسمح باهتمام كثيف بحقوق الإنسان والحريات وتشجيع الدول التى تخطو خطوات إيجابية نحو حقوق الإنسان. وسوف تتحدد جودة العلاقة بين أوباما والزعماء العرب بمدى احترام حقوق الإنسان.
هل يهدد فوز أوباما بتدهور علاقة الولايات المتحدة بالزعماء العرب، ارتباطاً بملف حقوق الإنسان؟
ليس على المدى القريب، ففى الفترة الأولى من حكمه، ستكون الإدارة مشغولة بحل المشكلات الكبيرة مثل العراق وإيران والسلام الإسرائيلى الفلسطينى، ولن يكون هناك مساحة من التوتر غير الاعتيادى بين أمريكا وبين حلفائها فى المنطقة. لكن بعد العامين الأولين، سوف تؤثر حقوق الإنسان على العلاقات وسوف يرى ذلك بشكل واضح فى مدى إيجابية أو رمادية العلاقة. فالولايات المتحدة يمكنها إقامة علاقات مستقرة لكن غير حميمة، ومسألة حقوق الإنسان ستكون الفيصل. وبالتالى فإن الأزمات بين النظام المصرى والأمريكى لن تكون سوى بعد فترة زمنية تحل فيها القضايا الكبيرة، بعد ذلك فى مرحلة التهدئة والاستقرار ستفرق كثيراً.
الملف العراقى كيف تقيمه بالنسبة لكلا المرشحين؟
الكلام عن سحب القوات مجرد وعود انتخابية، فموقف ماكين المعلن لا يختلف عن موقف بوش فيرى أن هناك لحظة نجاح عسكرى والعراق مستقر وأفضل أمنياً وسياسياً وبالتالى لا داعٍ لتغيير وجهة السياسة الأمريكية حتى ينتهى من تطبيق الخطة الأمنية وتتم السيطرة على الملف الأمنى بصورة قوية بعد ذلك ممكن التفكير فى تخفيض القوات بصورة تدريجية. أما موقف أوباما المعلن فهو سحب القوات خلال 18 شهر وتمكين الحكومة العراقية من تحمل مسئولياتها الأمنية والسياسية المطلوبة، بحيث يكون للولايات المتحدة وجود عسكرى محدود ويحل محله دور أكبر عراقى وإقليمى ودولى.
أى الموقفين أكثر واقعية؟
الواقع يقول شيئاً مختلفاً تماماً، أولاً الحكومة العراقية ليس لديها قدرة على إدارة الملف الأمنى، وسينهار الأمن بمجرد انسحاب القوات الأمريكية. ثانياً لا يمكن تحقيق الانسحاب خلال 18 شهر لأنه يحتاج إلى فترة زمنية أطول لإعادة ترتيب الأوراق. ثم ماذا سيحدث فى الحرب التى لا تزال دائرة فى تتبع القاعدة التى أعادت تنظيم نفسها فى العراق وأفغانستان. فضلاً عن أن أمريكا لن تضيع هباء ما تم استثماره فى العراق. أوباما لم يعترض على الاتفاقية الأمنية بين بوش والمالكى، لأنه مقتنع بتوجه الإدارة الأمريكية الحالية فى إدارة هذا الملف. النقطة الرابعة تقول إن هناك رغبة فى الحكومة العراقية ولدى الأطراف المختلفة فى العراق أهمها الحركة الصدرية ومجموعات السنة بجدولة الانسحاب. هذه العناصر الأربعة تؤكد على أن موقف ماكين بشكله الحالى لا يصلح للتطبيق لأنه لو نجح عليه قبول جدولة الانسحاب بشكل معين. أما ما يردده أوباما حول الانسحاب خلال 18 شهراً فهو مجرد وعد انتخابى غير قابل للتطبيق، فمحددات الواقع لا تسمح لأوباما أو ماكين بتنفيذ وعودهم الانتخابية فيما يتعلق بالملف العراقى.
لكن على الأرض هناك تغيرات فى المشهد العراقى مثلاً مطالبة اللاجئين العراقيين بالعودة وإعلان جيش المهدى تخليه عن السلاح ألا يشير ذلك إلى استقرار فى الأوضاع الأمنية؟
النسبة الأكبر من اللاجئين العراقيين فى سوريا من الفقراء وحياتهم هناك لا تطاق وبالتالى هم الأكثر عزماً على العودة خصوصاً مع بوادر التحسن الأمنى فى العراق، وهم يعولون على أملهم فى أن يستمر الاستقرار الأمنى، لكن هذا الأمر غير مضمون. أما مسألة جيش المهدى فهو سيناريو مكرر وهم يعلنون نبذ السلاح ثم يعودون إليه مرة أخرى، فهناك عدم استقرار فى العملية السياسية العراقية ومفاتيح حلها هو إعادة توزيع الأوراق، لأن العملية السياسية هناك تحكمها مجموعة محدودة من الأطراف وهناك عدم توازن فى المشهد السياسى واستمراره لن يؤدى إلى حل وسيعيد حلقة عدم الاستقرار.
لماذا فشلت الولايات المتحدة حتى الآن فى تحقيق الاستقرار الأمنى والسياسى فى العراق؟
لأنهم ارتكبوا أخطاء كبيرة ارتبطت بلحظة ما بعد الغزو، وهذه الأخطاء استفادت منها أطراف عراقية صحيح، لكن أمريكا من مصلحتها تحقيق الاستقرار السياسى فى العراق، وهذه النقطة يتفق فيها المرشحان لأنهم يريدون تخفيض الأعباء على دافع الضرائب الأمريكى وهى نقطة هامة جداً ومحدد رئيسى.
أوباما حاز تعاطف الشارع العربى لبعض الوقت ثم أتى موقفه من إسرائيل ليهز صورته؟
أوباما زار إسرائيل والأرضى الفلسطينية على عكس ماكين، وما يقوله المرشحون عن العلاقة الخاصة بين أمريكا وإسرائيل والأولوية الكبرى لأمن إسرائيل كلام للاستهلاك المحلى. فالحملتان تديران السياسة الخارجية وعينهم بالأساس على الناخب الأمريكى اليهودى الذى يؤثر على نتائج الانتخابات. والمبالغات فى تصريحات أوباما، سببها أن اليهود الأمريكيين مجموعة ناخبة تقليدية للمرشح الديموقراطى، وهناك تخوف منه بين اليهود الأمريكيين وقناعة أنه سيخسر أصواتهم، وهو بهذه المبالغات الانتخابية يحاول التقليل من الخسائر المتوقعة، كما أنه لا يوجد وجود عربى أمريكى مؤثر فى الولايات المتحدة وبالتالى، فإن تكلفة هذه التصريحات محدودة للغاية. لكن التفاؤل داخل الشارع العربى بأوباما فى محله.
وما الأسباب التى تدعونا لهذا التفاؤل؟
هذه الإدارة لو نجحت ستعول بالأساس على الأداة الدبلوماسية وبالتالى سنستريح من المغامرات العسكرية التى نعانى منها منذ وصول بوش والتى ستستمر مع ماكين. فهو رئيس شاب من أصول أفريقية يتحدث بلغة دبلوماسية فيها مساحة كبيرة للقضايا الإنسانية ومؤمن بمشاركة أطراف أخرى فى قيادة لعالم وليس الانفراد بالقيادة، وسيحقق نقلة نوعية للسياسة الأمريكية.
المؤشرات فى الشارع الأمريكى لصالح أى من المرشحين؟
لا يمكن التنبؤ بمن سينجح، فالسباق لم يحسم بعد، وأوباما يعبر عن أمل فى التغيير وماكين يعبر عن مصداقية فى الأمن القومى وله مواقف مشرفة كرجل عسكرى سابق. لكن ما سيحسم الانتخابات الأمريكية ليس العلاقات الخارجية وملف العراق وإنما السياسة الاقتصادية لأن الناخب الأمريكى سينتخب من سيقدم له حل أفضل لمشكلاته الاقتصادية الخانقة.
أقباط المهجر هل لهم وزن وتأثير على صانع القرار الأمريكى؟
أقباط المهجر لهم علاقات منظمة بصناع القرار ومساحة من التأثير ولكنها محدودة جداً. وهذا التأثير مرتبط بلحظتين من التأزم، تأزم العلاقات المصرية الأمريكية حيث صانع القرار يسمع المعارضين ككل. واللحظة الثانية لحظة تأزم داخل مصر مثلما حدث فى أبو فانا والكشح. لكن الإدارة المصرية تتعامل مع هذه الأمور مثلما تعاملت مع سعد الدين إبراهيم، تترك الموضوع الرئيسى وتتكلم فقط عن التخوين. لدى تحفظات على بعض ما يثيره الأقباط لكننى مقتنع أن هناك مساحة من الاضطهاد موجودة رغم التقدم النسبى، وبدلاً من معالجة الموضوع تصدر الدولة خطاب ردىء هو خطاب التخوين.
لماذا انقلبت الدولة مجدداً على سعد الدين إبراهيم فى رأيك؟
سعد قال إنه لا يرى تفسيراً لما حدث له سوى أن هناك عداء شخصياً وأنا أرى أن كلامه صحيح فهناك شخصنة للعداء. فسعد لا يعبر لا عن حركة سياسية ولا اجتماعية وليس له وزن، وعلاقاته مع الإدارة الأمريكية قوية، لكن ليست إلى حد يجعل الإدارة الأمريكية تعيد صياغة علاقاتها الاستراتيجية مع مصر "علشان خاطر سعد الدين إبراهيم" فما يقوله سعد فى الداخل والخارج يقال أكثر منه داخل مصر.
وما تفسيرك لتعليق السفيرة الأمريكية على الحكم؟
السفيرة الأمريكية لا تملك سوى أن تقول ما قالته، وتعليقها قد يكون ضد السيادة الوطنية لكن هذا فى حالة لو كان القضاء المصرى مستقل، ففى حين يتهمون سعد بقضية "مفبركة" يحكمون على غيره بالبراءة "والمصرى عارف قبل الأجنبى أن قضائنا غير نزيه".
هل ما تقوله ينسحب على بعض الأحكام الأخيرة التى أثارت الرأى العام؟
لا أستطيع التعليق لأنى لم أقرأ حيثيات الأحكام، لكن الثابت أنه حين تتغول السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية والقضائية فهذا يهدد الأمن العام والسلام الاجتماعى، ويهدد مؤسسات الدولة وضد استقلال البلد.
لماذا تشن الدولة حملات رأى عام ضد هانى سرور وممدوح إسماعيل ثم تبرئهما فى النهاية؟
لأن الإعلام الرسمى أصبح لا يملك أن يتجاهل قضايا كبيرة بحجم العبارة، وقد حدث تحول إيجابى جداً على مستوى الصحافة والإعلام الخاص. فالأهرام والقناة الأولى لم تعد تدير الرأى العام المصرى "مايقدرش الإعلام الرسمى يكفى على الخبر ماجور".
البعض يتهم وسائل الإعلام الخاصة بأنها بدلاً من الترويج للنخبة الحاكمة تروج لبعض رجال الأعمال؟
رجال الأعمال ليسوا كتلة واحدة، والتحالف الذى قد يبدو لنا بين الدولة ورجال الأعمال لا يمكن تعميمه، فمن مصلحة رجال الأعمال الاستثمار فى الإعلام، ونجاحهم فى هذا الاستثمار يعتمد على المصداقية التى تتطلب الجرأة والحرية والموضوعية.
تنتقد التركيبة الحالية للنخبة السياسية وتصفهم بالأكاديميين غير المسيسين على الرغم من التطور النوعى الكبير فى هذه التركيبة عن سنوات مضت؟
النخبة المصرية منذ 52 لا يديرها سياسيون محترفون، وهم ثلاث مجموعات "ناس جايين من خلفية عسكرية ومجموعة التكنوقراط اللى بينفذوا أوامر العسكر ورجال أعمال" فلا الوطنى عنده كادر ولا المعارضة، وبالتالى الحياة السياسية ستظل تدار من المجموعات التى نعرفها.
ما تقييمك للدور الإقليمى لمصر خصوصاً فى ضوء ما يحدث على الحدود مع غزة؟
هناك تآكل للدور المصرى الإقليمى بصفة عامة، أما فى فلسطين فالدور المصرى خارج نطاق التآكل. فمصر تجاهلت الصياغة الأمريكية بتقسيم الساحة الفلسطينية إلى عدو وصديق وقيمت الموضوع بصورة موضوعية وواقعية والمخابرات هى التى فعلت ذلك وليس الدبلوماسية، وأمريكا سلمت بالأداء المصرى هناك.
لكن الموقف لا زال رمادياً على المستوى الفلسطينى - الفلسطينى؟
هذا أفضل الحلول وزواله مرهون باقتناع السلطة أن حماس لاعب رئيسى لا ينبغى تجاهله وحماس عليها أن تلتزم بدور اللعب السياسى ونبذ استخدام العنف والالتزام بالتهدئة مع إسرائيل. وكل ما تستطيع مصر القيام به التوصل إلى تهدئات مؤقتة، طالما أن أفق حل الدولة الفلسطينية لا يزال غائباً.
بعيداً عن السياسة إلى أين يذهب مجتمعنا فى الوقت الحالى بحسبة المحافظة والليبرالية؟
"ده مش وقتنا" مجتمعنا يتلبسه الهوس الدينى غير الرشيد، ولا يوجد علماء دين قادرون على عمل صياغة رشيدة ولا الدفع نحو اهتمام منظم بقضايا كبيرة وإنما قضايا تافهة. وفى الوقت نفسه نحن أمام مجتمع تفاوتاته الاقتصادية والاجتماعية حادة بصورة مرعبة ودور الدولة مختفٍ وشبكات الضمان الاجتماعى القائمة "تكسف" والشبكات البديلة فعاليتها محدودة. وعندما نضع الهوس الدينى مع التفاوت الاجتماعى الاقتصادى، فأين المساحة التى تستوعب الفكر الليبرالى؟ ما الهامش؟ هامش محدود جداً "كفاية نبص على تعليقات القراء فى مواقع الإنترنت".
الأفكار الليبرالية بلا مستقبل فى مصر؟
كل ما يمكننا فعله كصحفيين وكتاب ونشطاء هو الاستمرار ومحاولة إعادة التوازن لمجتمع فقد توازنه منذ سنوات طويلة لكن بحسابات الواقع لا أرى أننا يمكن أن نتوازن على المدى القريب.
لمعلوماتك
أحدث كتبه المنشورة "حقوق الإنسان فى العالم العربى: أصوات مستقلة" الذى صدر فى العام 2006. ومن كتاباته أيضاً بالمشاركة مع باحثين آخرين: الشرق الأوسط الجديد، الانتخابات البرلمانية المغربية نتائج وانعكاسات، الحرب على جبهتين: الأحزاب العلمانية فى العالم العربى.
قال إن الأمن لن يتحمل رئيساً بلا شرعية حتى لو كان ابن الرئيس
عمرو حمزاوى: جمال مبارك منقوص الشرعية
الثلاثاء، 26 أغسطس 2008 11:23 م