صبرى سعيد

هستيريا الدمع الزائف .. هذا هو الخطأ والخطيئة

الأحد، 24 أغسطس 2008 12:55 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بدأت مقالى فى الأسبوع الماضى بسؤال للكاتب الكبير فهمى هويدى، رداً على مقاله "الخطأ والخطيئة فى قراءة الأزمة الفلسطينية" المنشور فى 12/8/2008 بجريدة الأهرام، مفاده هل تذكر ما ارتكبته حماس فى حق السيادة الوطنية المصرية منذ أواسط عام 2007م؟ وأعاود تذكيره باستكمال تلك الصورة وذلك المشهد المأساوى.

حماس التى ترفع شعار الحكومة الشرعية وتعلى من شأن الدولة الإسلامية قبل تحرير فلسطين الأرض والناس .. حماس المعنية بالسلطة وإقامة دولة الإسلام والشهادة قبل إقامة دولة الجغرافيا الواحدة والتاريخ الواحد .. لقد جعل إسماعيل هنية وخالد مشعل وطائفتهم من حركة المقاومة الإسلامية حماس، المنطقة كلها هدفاً فى سوق المزايدات وبورصة الاستشهادات والنواح الجماعى.. وانتقلت بنا حماس بأيديولوجيتها الدينية من خلاف حول الصلاحيات مع رئيس السلطة الفلسطينية لمصلحة الشعب الفلسطينى إلى طمع فى السلطة والاستئثار بها وتقسيم الوطن الفلسطينى إلى دولتين، وهو ما لم تستطع أن تنجح فيه إسرائيل على مدار تاريخ الصراع .

لقد وضعت حماس القضية الفلسطينية، كأحد وكلاء الحرب ومتعهدى السياسات الانقلابية بأيديولوجية دينية وبمراهقة سياسية واستراتيجية تستحق عليها الشكر العميق من صقور ونسور إسرائيل، المنطقة كلها على حافة الهاوية فبعدما سادت نظرية الحوار والمفاوضات رغم ما اتسمت به فى فترات منقطعة من جذب وشد بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى، استطاعت حماس ورجالاتها أن تعزز نظرية الحرب الاختطافية وفقاً لمبادئهم السامية لإقامة إمارة إسلامية وليدقوا أجراس الحرب طويلة الأمد .. فأولمرت الذى دخل سن اليأس ومعه الحاخامات والصقور وبعض من يفكر بكسب حرب سريعة تغير معالم الوطن الفلسطينى الواحد، جاءته المغامرة جاهزة وانقسم الوطن إلى دولتين وهو مسترخٍ على سريره يشاهد أشلاء الفلسطينيين تتناثر ودماءهم تسيل على أرض فلسطين عبر شاشات تليفزيونه الملون.

والسؤال الآن، ماذا بعد سيطرة حماس العسكرية على قطاع غزة وترك الفلسطينيين يعانون من آثار الصدمة، ويتساءلون عما إذا كانت المصالحة ممكنة أم أن عليهم انتظار مزيد من الكوارث بعد هذه المرحلة الانفصامية، فهم يعانون من تدمير الهياكل الإنتاجية وتقطيع أواصل المناطق وتدمير المرافق العامة ونسب البطالة التى تزيد عن 58% وفقر مدقع وصل إلى ما يزيد عن 70%، وهبوط نصيب دخل الفرد بنسبة 60% عما كان عليه فى عام 1999م، ذلك فى الوقت الذى استولت فيه حماس على أموال من عدة جهات معروفة وغير معروفة "واستغلال هذه الأموال فى عسكرة الصراع مع فتح وشراء الأسلحة، وترك المواطنين عرايا فى شوارع وأزقة غزة، وكأن الأمر مبيت وهو إقامة دولة فلسطين تحت علم حماس فى غزة ولتحقيق المعجزة بدولتين فلسطينيتين، دولة حماس التى تحظى بتأييد إيران وسوريا، ودولة الضفة الغربية الشرعية.

فنبيل عمرو السفير الفلسطينى بالقاهرة، يقول بالحرف الواحد "إن حماس ضد استراتيجية التفاوض بشكل عام، لأنها تريد إمارة إسلامية، وحماس قالت فى يوم من الأيام إنها غير معنية بالقدس ومعنية بدولة إسلامية فى كل العالم "جريدة البديل – 26/7/2008م". أما اليوم فقد بدت الصورة أكثر غموضاً من أى وقت مضى، إذ عاد البحث فى قضايا عقائدية لم تكن فى الحسبان حين بدأت المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية فى عقد التسعينات، ولم تتوقف عند تفسيرات دينية كانت تعتبرها إسرائيل من أسس قيامها ومن أهمها، أنها دولة قومية لليهود ولا يمكنها المخاطرة بالانفتاح على أديان أخرى من دون أن تزرع بنفسها أسباب هلاكها، ولكن يبدو أنه رغم كل ما أحرزته المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية طوال السنوات الماضية، فإن هناك قوى إسرائيلية فلسطينية تسعى جاهدة لإجهاض محاولات التصالح بين الطرفين وتفعيل التسويات السياسية للجانبين.

كانت كل الدلائل تشير أن هناك مخاوف لقوى السلام من الجانبين خاصة وأن شارون ومن بعده أولمرت لا يملك مشروعاً للسلام أو آلية للتفاوض وأن الأخير يحمل نظرة شمولية لمفهوم الصراح العربى الإسرائيلى، كما أنه محسوب على تيار التشدد فى إسرائيل وليس العكس، وأنه ومؤيديه من التيار المتشدد فى الشارع الإسرائيلى من خلال تصعيد لغة الحرب طوال السنوات الماضية لم يستطيعوا السيطرة على الوعى الجمعى الإسرائيلى، فما زال فى المجتمع الإسرائيلى قطاع يبحث عن الأمن والسلام معاً من خلال آليات موضوعية وعملية لعملية التفاوض مع الفلسطينيين والسوريين على حد سواء، فقرار الحرب الذى مضى أولمرت فى التهديد به والتلويح لم يكن سهلاً حتى لإسرائيل، فأولمرت ليس منفصلاً عن الواقع والتاريخ، فهناك حقائق على أرض الواقع فرضتها ظروف داخلية وإقليمية ودولية، وهناك حقيقة هامة وواقع لا يستطيع أولمرت الإفلات منه وهو وجود السلطة الفلسطينية الشرعية برئاسة أبو مازن والتى لقيت دعماً دولياً وإقليمياً.

يمكن القول إن الخوف من ثمن السلام القادم بين الفلسطينيين والإسرائيليين يراود أولمرت وحكومته ويداعب المتشددين فى شارع السياسى الإسرائيلى والفلسطينى. فهناك أصوات إسرائيلية ترتفع لتجميد عمليات التفاوض وتتزامن مع ضرب قطاع غزة وقصفه يومياً، أما على الصعيد الفلسطينى فبعد صعود حماس وتشكيلها للحكومة قد زاد الأمر سوءاً خاصة بعد تصريحات قادتها بعدم الاعتراف بإسرائيل ولا بأى مفاوضات أو تسويات تمت قبل ذلك، وهو ما أدى للعودة للمربع رقم صفر فى تاريخ الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، كما يعنى أن كل من أنجزته الحكومات الفلسطينية السابقة كأنه لم يكن، وهو ما أدى فى النهاية إلى انقلاب حماس وسيطرتها على قطاع غزة وتقسيم فلطسين إلى دولتين، فهل أدرك السيد هويدى كل ذلك، أم أنه مازال عند رأيه بأن المشكلة برمتها سببها الأنظمة والشعوب العربية، أن الأمر لن يكون بهذه البساطة التى تتصورها حماس الطامعة إلى السلطة ومريدوها، ولكن يجب أولاً إزالة جميع مظاهر الانقلاب العسكرى الذى أحدثته حماس، وهو السبيل الوحيد لإحياء عملية المفاوضات الفلسطينية والإسرائيلية التى هى الأساس والمبتغى.

ألم تكن تعى حماس بأن ما فعلته سيؤدى إلى العقاب الجماعى للشعب الفلسطينى على أيدى الإسرائيليين وسينتهى إلى حرب إقليمية، وتنتهز إسرائيل الفرصة لتشديد الحصار فى إطار سياسة العقاب الجماعى خاصة فى ظل عدم شرعية حماس على المستوى الدولى باستثمار بعض الأطراف الإقليمية المعروف نواياها واستراتيجيتها وأهدافها .. وفى هذا الإطار فإن مفاوضات السلام بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى أصبحت رهن الاعتقال وتصاعدت حدة الحسابات الأمنية وطغت على أهداف التسويات السياسية، وأصبح الطرفان فى مأزق تجاه تحقيق السلام العادل المنشود للطرفين، ونستطيع أن نقول إنه مع التطورات الجارية فقد تم اعتقال مفاوضات السلام لفترة ليست قصيرة. إضافة إلى ذلك فإن هذه المفاوضات من الآن فصاعداً ستكون فى مسيرة نفق مظلم لن تخرج منه إلا بتفعيل قوى السلام وتقليص آليات قوى الحرب على الجانبين وإن تتجاوز العقلية اليمينية المتشددة باسرائيل إطلاق عبارات الويل .. ومراهقة حماس فى النحيب والحسرة، فإسرائيل وشعبها هى التى لفظت نتانياهو ومن بعده شارون وقادرة على لفظ المتشددين لأنها تعلم أنه كى يتم الأمن ويتحقق،لابد من التعامل مع الوقائع التى تقتضى ملامسة الحقائق والتعاطى معها بعقلانية.

ولكن فى المقابل هل آن الأوان أن تتخلص المنطقة من مغامرين ووكلاء أغبياء لأحداث ثأرية لا ترتقى إلى مستوى شعوبها، وهل سيتعلم وكلاء الحروب وسماسرة بورصة المزايدات أنهم كمساهمين فى شراكات التدمير أن من يدفع الأثمان هم الأبرياء والمدنيون، وأن شرعية ومشروعية القضية الفلسطينية تتحقق جلاؤها وتنصع شفافيتها من خلال استراتيجيات فعالة لهدم قوى الحرب بين الجانبين.

إن التجارب أثبتت أن جبروت القوى لم يستطع هزيمة السلام، ومثلما خفقت أصوات قوى السلام فى إسرائيل وتحولوا إلى صقور، فبالتالى تحولت صقور حماس إلى دعاة حرب وحركات انتحارية، رافعة شعار الشهادة أو الموت، فكيف يستثمر أولمرت دونما ما يغذى وجودهما على الصفة الأخرى مشعل وهنية، وصار ما يحدث حلقات متتالية لموت متكافئ بترسيخ منطق القوة، وبدأت تتشكل هواجس الانتحار البطىء، وأصبحت مرطبات الكلام لا تستطيع إطفاء نيران حرب تسعى إليها قوى فلسطينية وإسرائيلية بدعم من وسطاء غير نزهاء، فطالما ظلت حماس تسن السيوف وغير قادرة على إيجاد الحلول السياسية ومكتفية فقط بوضع نصف الوطن الفلسطينى على حقول البارود والديناميت وقادتها يتحركون بين عاصمة وأخرى يتلقون التدريبات على تجزئة فلسطين بلحى التمرد وشعارات الطوائف الفاشية وليست بأهداف السياسيين الراشدين الذين يفضلون سلام وحياة شعوبهم أكثر من ظمأهم للارتواء من بير السلطة وفسادها، فإن فلسطين ستكون ضحيتهم هم وليس العرب وتكون الخطيئة حقاً هى خطيئة صناديق الاقتراع التى أتت بشياطين الإنس إلى سدة الحكم.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة