لم تكن الساعات الأخيرة من يوم الثلاثاء الماضى والأولى من فجر الأربعاء، ساعات عادية فى حياة المواطن المصرى، فعندما بدأت ساعات المشاهدة التليفزيونية للأسرة المصرية، بدأت الأخبار تتواتر عن حريق مجلس الشورى وانتقلت إليه القنوات التليفزيونية الفضائى منها والأرضى وعلى مدار ثمان ساعات تقريباً، تناوبت القنوات النقل المباشر للحريق الذى جذب إليه الملايين الذين تنقلوا بين القنوات لمتابعة الحريق الذى أعاد للأذهان مشهد حريق الأوبرا بالنسبة لكبار السن ومشاهد سقوط بغداد، وبالتحديد سيناريو ميدان الفردوس العراقى لجميع الأعمار.
مشهد الحريق والمشاهد المستدعاة من الذاكرة، خلقت فى النفس حالة من الكآبة والانقباض، انضمت للجرعة اليومية من مخيبات الأمل التى تصل يومياً من بكين إلى منازل المصريين الذين جذبهم عبقرية القائمين على الرياضة المصرية فى صناعة الفشل، وامتزجت أنواع الكآبة خلال الساعات التالية مع متابعة مخيبات الأمل الرياضية، فبدا وكأن المشاركة المصرية فى أولمبياد بكين هى تجسيد نموذجى للحالة المصرية بشكل عام، ولا فرق بين مخيبات الآمال التى توالت علينا من بكين ولا من شارع القصر العينى، حيث حريق مجلس الشورى.
الحزن والكآبة ليسا القاسم المشترك بين الحريق ومخيبات الأمل التى بلغت ذروتها فى مساء الأربعاء بمباراة مصر والسودان، ولكن الإهمال الذى يهدر كل ما هو ذو قيمة، الإهمال المتعمد هو الذى أوجع قلوب المصريين المتابعين لحريق مجلس الشورى ولم نفقد فيه أوراقاً أو مضبطات فقط، وإنما فقدنا فيه تاريخاً وفقدنا فيه أمناً وفقدنا فيه كرامة وطن، تماماً كما فقدنا فى بكين أبطالاً كانوا بالأمس يعتلون منصات التتويج، واستبدلوها بهزائم مهينة ليس فيها شرف.
حريق قصر العينى كشف لنا قيمة الوطن عند بعض المسئولين عنه، وأن تاريخ وهيبة الوطن لن تصمد أمام ماس كهربائى، وخيبة أمل بكين كشفت لنا أن المسئولين عن الرياضة ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم أكبر وأهم من مصر واللى خلفوها، وأن المسئولين الكبار لا يمانعون فى افتعال أزمات صغيرة كان نتيجتها إهدار قيمة مصر مقابل الجلوس على مقعد فى المقدمة، وكأن مقاعدهم التى يجلسون عليها أهم من منصات يصعد عليها الأبطال وأن قصائد ردحهم لبعضهم أهم من عزف السلام الوطنى لوطن اسمه مصر.
مصر لا تشكو من قلة الإمكانات، ولكنها تصرخ من ندرة المخلصين وكثرة المتخصصين فى إهدار قيمتها وقيمها وبمناسبة مخيبات الأمل فى بكين ورداً على شماعة الإمكانيات، أذكركم بأن الإمكانيات الموجودة فى مصر هى نفسها التى قدمت أبطال الدورة الأولمبية الماضية وهى نفسها التى قدمت لألمانيا، نعم ألمانيا، ذهبية الوزن المفتوح لرفع الأثقال لأن الحاصل عليها ماتيوس شتنايدر تعلم وتدرب ولمدة خمسة سنوات فى المركز الأولمبى بالمعادى، المصرية، وعلى يد مدرب مصرى هو ماجد سلامة وفى المقابل استوردنا نحن من ألمانيا نفسها مصرياً يدعى عادل مسعد مولوداً فى ألمانيا ويدربه ألمانى ولا يتحدث العربية، ولعب ضمن فريق تنس الطاولة رجال، وحقق أسوأ نتائج الفريق رياضياً وأسوأ سلوك رياضى.
وبالمناسبة أيضاً، فإن بعض مغاوير الكرة الطائرة تمارضوا ورفضوا اللعب فى حين أن لاعبين فى حجم ميسى الأرجنتينى ورونيالديهو البرازيلى حاربا نادياً فى حجم برشلونة لكى يشاركا تحت علم بلادهما فى الأولمبياد، ومع أن حجم وشهرة وثمن ميسى أو رونيالديهو يفوق شهرة ومكانة كل لاعبى الطائرة فى مصر، ومع ذلك لم يصبهما الغرور ولم يتكبرا على فرق بلادهما.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة