إسلام عزام

الجمهور لا يمكن خداعه

الأحد، 24 أغسطس 2008 12:52 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أقل من عشرة أيام على بداية شهر رمضان الكريم، معلنا انتهاء الموسم السينمائى الصيفى للعام 2008، وليس من قبيل المبالغات التأكيد على أنه الموسم الأهم سينمائيا منذ عودة الجمهور لارتياد دور العرض قبل اثنى عشر عاما . فهو الموسم الذى يرسخ لأنه لا يمكن خداع جمهور السينما شديد الحساسية، واستنزافه بالاستسهال والانغماس فى الكوميديا اللفظية الفجة. فإن تقبلها هذا الجمهور فى لحظة ما، فهو سرعان ما يكتشف مدى فراغها فى أخرى فيلفظها مبتعدا ومطيحا بنجومها الذين سبق ورفعهم على القمة. ورغم قصر هذا الموسم لعدة عوامل، أولها قرب حلول الشهرالكريم، وثانيها الدورى الكروى، وثالثها افتتاح دورة الألعاب الأولمبية، إلا أننا شاهدنا خلاله عددا متنوعا من الأفلام، بعضها اتخذ من الجدية فى المناقشة هدفا، والآخر لا يزال يدور فى فلك أكذوبة "الجمهور عاوز كده".

على كل حال، فإن الملاحظة الأهم خلال هذا الموسم هى أن جمهورالسينما، بات من الوعى بما يتيح له اكتشاف المستنسخات ورفضها، كما حدث مع النجم محمد سعد وفيلمه الأخير "بوشكاش" الذى أثبتت إيراداته أن بطله لم يعد قادرا على التربع على عرش القمة. بدليل حوار دار بينى وبين شاب سورى فى القطار للإسكندرية ..الشاب كانت هذه زيارته الأولى لمصر أكد لى أنه يضحك كثيرا على حركات سعد الكوميدية، لكنه اليوم لم يعد يستطيع تحملها، لأنها من وجهة نظره صارت مكررة لحد الابتذال..للأسف لم ينتبه سعد مع الاعتراف بضخامة موهبته، لدروس من سبقوه من النجوم، وعلى رأسهم عادل إمام "بجلالة قدره"، الذى غير جلده سريعا متواكبا مع حركة تغير جمهور السينما، فلم يعد عادل إمام منذ فيلميه "رسالة إلى الولى" و"الواد محروس بتاع الوزير" ينفرد إطلاقا بأفيشات أفلامه، مفسحا المجال لنجوم آخرين لمشاركته الأفيش. فالكادر اليوم صار أكثر اتساعا، ولم يعد يسمح لواحد فقط أن يتصدره. يمكننا ملاحظة ذلك فى أفلامه بداية من"عريس من جهة أمنية "و"مرجان أحمد مرجان" و"عمارة يعقوبيان" وحتى فيلمه الأخير"حسن ومرقص".

وعلى النقيض تماما من محمد سعد يأتى أحمد حلمى، والأمر هنا ليس متعلقا فقط بالذكاء الشخصى أو حتى التخطيط العبقرى، بل هو نابع بالأساس من تباين الاختيارات الجمالية لدى النجمان حلمى وسعد، فما هو الفارق الجوهرى بين شخصية "اللمبى" التى بدأ بها سعد نجوميته فى فيلم "اللمبى" وبين "حنتيرة" فى فيلم "صايع بحر"، التى بدأ بها أحمد حلمى، الحقيقة أن كليهما ينتمى للفقراء المهمشين فعليا فى مجتمعنا.. لكن الاختلاف بينهما يأتى من منطق التعامل مع هذه الشخصية، فحلمى ليست المبالغة فى الأداء ضمن اختياراته هو أكثر هدوءا فى تقمصه لدوره، وبالتالى يمسك بمفردات مختلفة فى التعامل مع شخوصه، كما أن التنوع هو اختيار أساسى لديه، فهو لم يستسلم لكون مواصفاته الشكلية تتطابق مع ملايين الشباب العاديون فى مصر، وبالتالى هو الأنسب لمخاطبة القطاع الأعرض فيهم أبناء الفقراء والطبقة الوسطى المنهارة، بل وظف مواصفاته تلك لمخاطبة الجميع. بدليل فيلمه الأخير"آسف على الإزعاج"، الذى تدور أحداثه حول معاناة شاب مريض نفسيا، ينتمى لطبقة تقترب من الأثرياء.

البقاء دائما للأصلح ملاحظة أخرى يثبتها هذا الموسم القصير، فالنجاح المدوى لفيلمى المخرج خالد يوسف السابقين "هى فوضى" و"حين ميسرة"، لم يكن بالضرورة يعنى نفس النجاح لفيلمه الأخير "الريس عمر حرب "، فرغم الإيرادات التى اقتربت من 11 مليونا مع ملاحظة أن الفيلم تصدر الموسم الصيفى، إلا أن الفيلم لم يستطع الصمود فى المنافسة طويلا مع باقى الأفلام والتى تلته فى اقتحامه. ربما نجح خالد يوسف من قبل فى الابتعاد بنا عن فنيات أفلامه عند تناولها نقديا، لكنه هذه المرة لم يستطع، وانتبه كثيرون لأهمية مناقشة المنطق الفنى فى التعامل الإعلامى مع الفيلم السينمائى. وبهذا تحول النقاش من مجرد سفسطة سياسية لأفكار المخرج، إلى نقاش جدى لما يقدمه سينمائيا.

وهذا ما يثبته أيضا فيلم "كباريه" للمخرج سامح عبد العزيز، فيمكننا الاختلاف حول المنطق الأخلاقى الذى كرس له الفيلم، أو حتى التأكيد على خطورة الطرح الإسلامى المتطرف له. لكن الذى لا يمكن الاختلاف عليه أبدا هو أن فنيات الفيلم كانت عالية، بمعنى أنه تم تقديمه سينمائيا بحرفة جيدة، وإخلاص من قبل صناعه فى استخدام أدواتهم الفنية فى التعبير، أما المضمون فهى قضية أخرى خاضعة لاختلاف الرؤى من شخص لآخر.

لكن الأمر قد يختلف قليلا إذا ما كان التعامل مع فيلم"حسن ومرقص"، الذى يناقش قضية بخطورة الأزمة الطائفية فى مصر، فلا يمكننا التغاضى عن تسطيحه لمثل هذه القضية وتأكيده على الخطاب الرسمى الذى يدين العنف المتصاعد بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، نافيا مسئولية الحكومات المتعاقبة منذ العام 1952 وحتى اليوم عن ذلك. عموما إذا كنا نحسب للفيلم أنه الأول فى فتح الباب أمام مناقشة القضايا الجادة فى المجتمع، فإننا لا نغفر له تبسيطه للأمر لحد الإخلال به. ورغم كل هذا فالفيلم حقق ولايزال يحقق إيرادات عالية بلغت حتى الأسبوع الماضى 17 مليونا. ربما لأن الفيلم لم يتنازل عن الحد الأدنى فى طريقة تناوله سينمائيا.

وهذا الحد الادنى الذى افتقده فيلم مثل ليلة البيبى دول، هو ما دفع به لهاوية الفشل الذريع والمبكر من المنافسة فى هذا الموسم، رغم الدعاية المكثفة، وتقديمه على أنه الفيلم الذى يناقش قضايا الأمة العربية، ويوضح حقيقتها أمام الرأى العام العالمى..فالفيلم الذى بلغت تكلفته الإنتاجية أكثر من 40 مليونا لم يحقق سوى سبعة ملايين جنيه من الإيرادات خلال الموسم الصيفى.

المدهش حقا هو الاثنى عشر مليونا التى حققها فيلم تامر حسنى "كابتن هيما"، الذى لا أجد تفسيرا لنجاحه سوى أن بطله تامر حسنى قدم خلاله أغنيات لطيفة ومضحكة حتى بدلالتها البذيئة نوعا ما. لأنه من الصعب اعتبار ما شاهدته فى السينما فيلما بأى معيار من المعايير..
أما فيلم "إتش دبور" للنجم الصاعد بقوة الصاروخ أحمد مكى فيمكننا الجزم بأن عرضه فى نهاية الموسم قد ظلم ما يستطيع تحقيقه من الإيرادات، فالفيلم رغم هزاله الفنى يمتلك وصفة شبابية جديدة للنجاح الجماهيرى، ربما لن يتاح لها فيما بعد إذا ما تم تكرارها.

وعلى هامش هذا الموسم الساخن هناك أفلام أخرى لا تستحق عناء الكتابة عنها، لأنها استنساخ لأفكار وتيمات مستهلكة للغاية مثل "نمس بوند" و"مفيش فايدة".. لكن الإشارة لها مهمة، لأنها تثبت قدرة جمهور الموسم الصيفى على الانتقاء والاختيار، ومن ثم رفض المستهلك والمكرر.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة