محمد بركة يكتب: آسف على الخوف من المغامرة

السبت، 23 أغسطس 2008 09:07 م
محمد بركة يكتب: آسف على الخوف من المغامرة آسف على الإزعاج فكرة جريئة لم تكتمل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء



فنان مختلف نضج على نار هادئة وقصة تتمرد على الوصفة الجاهزة لكوميديا الصيف، ونجم مخضرم استوعب تحولات الزمن فلم يستنكف أن يأتى مسانداً لبطل العمل، لكن الخوف من التجريب والحرص الساذج على النهاية السعيدة بهدف إرضاء كل الأذواق، جعلا من فيلم "آسف على الإزعاج" فكرة جريئة لم تكتمل ومغامرة فنية سرعان ما تم التراجع عنها لأن صناع العمل "عين فى الجنة وعين فى النار"، عين على الموضوع الجرئ والمختلف، وعين على شباك التذاكر والذوق الاستهلاكى لمتفرج كسول!

يبدأ الفيلم بداية لافتة إلى حد كبير من خلال رسالة يبعث بها "حسن" أحمد حلمى إلى رئيس الجمهورية يشكو فيها من اضطهاد كل من حوله، اضطهاداً يصل إلى حد الشتيمة المجانية، والتحرش اللفظى دون سبب واحد، رغم أنه شخص مسالم و"فى حاله"، سريعاً تنتقل الكاميرا إلى مقر عمل حسن، فهو مهندس صيانة مختص بمحركات الطائرات، وهنا أيضاً يطارده شبح الاضطهاد والتعسف من قبل رئيسه الذى لا يتوانى فى نهاية الأمر عن إيقافه عن العمل!

يتعرف البطل على "فريدة" منة شلبى يتعلق بها منذ اللحظة الأولى التى يراها فى أحد الكافيهات، تتعدد لقاءاتهما، ويأتى وقوعه فى غرامها على طريقة "البطل لازم يحب البطلة" رغم محاولة السيناريو بناء ظلال نفسية لهذه العلاقة والتركيز على احتياج حسن لها كوسيلة لمساعدته على تجاوز عزلته الاجتماعية وبناء جسور تواصل مع المحيطين به.

فى خط مواز، تبدو علاقة "حسن" بوالديه أكثر مناطق الفيلم عمقاً وثراء، فالأم دلال عبدالعزيز شديدة التعلق والخوف على ابنها الوحيد، فى حين أن والده "كابتن طيار" يعامل ابنه وكأنه أحد أصدقائه المقربين، يحتويه ويشاركه أحلامه ونزواته "ركوب الموتوسيكل الجديد فى جولة مجنونة ليلاً".

وأخيراً نصل إلى النقطة المفصلية فى بناء السيناريو أو ما يسمى فى بناء القصة الأدبية القصيرة "لحظة التنوير"، فإذا بحسن مصاب بمرض الفصام "الشيزوفرينا" ويعانى من تهيؤات تجعله يتصور أن والده الذى توفى منذ زمن لازال حياً يرزق، كما أن كل لقاءاته بفريدة كانت تتم فقط فى خياله، والدليل "المادى" على ذلك أنه حين يسترجع الصور التى التقطها لهما وهما فى العين السخنة، لا تظهر الكاميرا سوى صوره وحيداً يحتضن الفراغ ويلهو بمفرده على الشاطئ، وتبلغ دراما الفيلم ذروتها فى مشهد المواجهة بين حسن وأمه التى تريده أن يفيق من أوهامه ويكف عن الحديث إلى والده الذى رحل عن عالمنا! يستدير حسن فجأة إلى الأب يستنجد به، فإذا بالفراغ يصدمه كما يصدم المتفرج!

هذه هى التيمة الفاتنة التى لم يمسك بها السيناريو حتى آخر الفيلم فتنازل عن حداثة الفكرة وجدتها على السينما المصرية ودخل فى تفريعات تقليدية، فالبطل يدخل مصحة نفسية فجأة ويتعافى بكل سهولة وبشكل فورى وكأنه دخل ليعالج من الأنفلونزا، والمشروع الغامض الذى يحلم به ولا يشعر المتفرج به يتلقى عرضاً بشأن تسويقه خارج مصر من "رجل أعمال وسمسار أفكار" وإذا بفريدة لها ظل فى الواقع هى "مريم" التى يتزوجها وينجب منها فى نهاية سعيدة تم حشرها، ولم تأت كنتيجة درامية منطقية لمقدمات عايشناها جيداً.

ولم تكن النهاية المظهر الوحيد لهذا "الجبن الفنى" لصناع فيلم وضعوا أيديهم على خيط مبتكر وفكرة مدهشة ـ ولا يعيبهم أن تكون السينما الأمريكية كان لها السبق فى تقديم موضوعات شبيهة ـ لكن يعيبهم بالتأكيد الغرق فى الاستسهال والبحث عن نهاية مريحة ترضى مشاهداً لا يريد أن يتعب نفسه فى التأمل أو التفكير أبعد من الحدوتة البسيطة المسلية!

بالطبع عزفت السينما الأمريكية كثيراً على وتر مرض الفصام، والمثال الأشهر الذى يلح على ذهن كثيرين هو ذلك الفيلم البديع beautiful mind أو "عقل جميل" لراسل كرو وجينفير كونولى، حيث عالم الرياضيات العبقرى يتصور أن ضابط مخابرات من CIA يزوره ويجنده فى زمن الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتى، وكثيرون ينسون أن هناك فيلماً تالياً لعقل جميل هو secret window أو "النافذة السرية" لجونى ديب يجسد نفس المشكلة بشكل أوضح من خلال مؤلف سيناريست يتوهم أن شخصاً غريب الأطوار يطارده ويرتكب هذا السيناريست جرائم قتل بسبب مرض الفصام، وباعتقادى أنه ليس من الذكاء أن ينفق مؤلف العمل أيمن بهجت قمر الكثير من طاقته لينفى تأثره بفيلم "عقل جميل"، بل ويقسم أنه استوحى الفكرة من تجربة شخصية عاشها بعد رحيل والده، فالتأثر فى حد ذاته ليس عيباً، والمهم فى النهاية شكل المعالجة، لكن على أية حال يحسب فى النهاية لأصحاب تجربة "آسف على الإزعاج" طرح موضوع غير مألوف فى السينما المصرية، وفى موسم الصيف، حيث الصراع محتدم فى حلبة الكوميديا الفجة بين "بوشكاش" محمد سعد، و"بوند" هانى رمزى، فضلاً عن عادل إمام وعمر الشريف فى "حسن ومرقص".

بذكاء نجح أحمد حلمى فى تغيير جلده، والانتقال السلس التدريجى من الكوميديا والضحك إلى الدراما والتراجيديا، والعبور من الشخصية البسيطة ذات البعد الواحد إلى الشخصية المركبة، متعددة الأبعاد وجاء أداء محمود حميدة مغلفاً بالنضج والسلاسة فى الإمساك بمفاتيح شخصية الأب / الوهم، ورغم أن دلال عبدالعزيز كانت مقنعة فى تجسيد شخصية مديرة البنك إلا أن أداءها خلا من التوهج والإبداع وجاء عادياً بسبب عدم غوصها فى أعماق الشخصية واكتفاءها بالوقوف على السطح.

ورغم كل التقدير لشيرين عبدالوهاب كمطربة معجونة بموهبة مصرية خالصة، إلا أن الأغنية التى ساهمت بها فى الفيلم لم تضف شيئاً يذكر للفيلم، وجاءت كتحصيل حاصل، ولم يتفاعل معها الجمهور، ولم تأت كتعليق غنائى يفيض بالعذوبة على أحداث مثقلة بالمأساوية كما كان يُفترض، وإنما أتت كمحاولة جذب جماهيرى، وبدت خارجة عن النسيج العام للدراما.
تراوح المونتاج بين القطع الباتر بين المشاهد وبين المزج الناعم السلس، وجاءت الموسيقى مرتبكة حائرة بين تقليد هوليوود فى الموسيقى الصاخبة المصاحبة للمشاهد الأولى لظهور البطل، وهو يزهو بنفسه فى لقطات بالتصوير البطىء، وبين التعبير الهادئ الحساس عن أزمة شاب مريض نفسياً.

وأخيراً يحسب للمخرج خالد مرعى نجاحه فى تقديم نجمين من جيلين مختلفين فى تجربة جديدة تماماً عليهما من خلال فيلم متماسك وإيقاع بصرى، بعيداً عن الترهل حيث استطاع خالد الإمساك جيداً بأدواته الفنية ولم يخش اقتحام منطقة psycho-drama أو الدراما النفسية فى عز معمعة أفلاك الشباك.
Barakawi@hotmail.com


موضوعات متعلقة..

◄محمد بركة يكتب.. تامر وشوقية ينافسان أبو تريكة
◄الصحافة المصرية ليست فى "فى إيد أمينة"
◄أحمد رزق فى "هيمه" .. الكوميديان التائه!
◄يسرا "فى إيد أمينة" ليست شيطاناً وإنما ملاكاً
◄لعنة داليا البحيرى فى "بنت من الزمن ده"
◄محمد بركة يكتب .. أسمهان تكسب!
◄الدالى ضحية نجاحه
◄وفاء عامر .. دراما غنية من العرى إلى الإبداع
◄حكاية الفتاة التى تزوجها محمود درويش سراً!
◄محمد بركة يكتب:مثقفون للبيع وأشياء أخرى(2من 3)
◄محمد بركة يكتب عن أمراض المثقفين (1 من 3)






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة