د.عصام عبد الله يكتب: عبادة الكلمات

السبت، 23 أغسطس 2008 08:51 م
د.عصام عبد الله يكتب: عبادة الكلمات د.عصام عبد الله

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تتدافع على المسرح الجيوسياسى منذ 11 سبتمبر 2001، طائفة من المفاهيم التى لا نملك حيالها، من فرط جاذبيتها وتماسك منطقها، ترف الرفض أو القبول، ولا يصلح الالتفاف حولها عبر حيل البلاغة العربية، أو حتى غض الطرف بشأنها، فى عصر يهمل ولا يمهل، من لا يتعامل بجدية مع مفرداته.

من هذه المفاهيم: المصالحة والتسامح والاعتراف والاعتذار والإصلاح والتعددية وحقوق الإنسان والديموقراطية ... إلى آخر هذه المنظومة من الكلمات المفاتيح التى باتت تشكل اللغة الكونية للأخلاق والسياسة والقانون فى عالمنا المعولم، مثلما باتت هى الخلفية غير المنظورة التى تنتصب عليها مشاهد العنف والإرهاب والمظاهرات والاحتجاجات فى مناطق كثيرة من العالم.

المشكلة بالقطع ليست فى هذه المفردات أو المفاهيم الجديدة القديمة التى تنتمى إلى التقليد الدينى السياسى للإنسانية، ولا حتى فى فهمنا لدلالتها المتجددة ومدى صحة ذلك أو خطأه، وإنما فى أسلوب تعاملنا معها بالأساس.

فقد حلت مجموعة من الثورات المعرفية والمنهجية، طالت مجمل العلوم الإنسانية بشكل عام والفلسفة بصفة خاصة، التى تمثل التيار الجوفى للسياسة فى عالم اليوم، كما أصبحت الفلسفة تنغمس أكثر فأكثر فى رطوبة الواقع ولزوجته، وتتجه للبحث فى اليومى والمبتذل والمعتاد، وتعيد النظر فى هوامشها المهملة ومعانيها المنسية، علها تجد مخرجاً جديداً لهذه الأزمة المركبة.

وفى كتابه "ما الفلسفة" عرف الفيلسوف الفرنسى المعاصر "جيل دولوز" الفلسفة بأنها (صداقة المفهوم)، ناقضاً بذلك التعريف التقليدى للفلسفة وهو "حب الحكمة" أو محبة الحكمة، فاللفظة الإغريقية تعنى الحب والصداقة معاً، لكن الفارق بين المعنيين كبير.

الصداقة تسمح بمسافة مناسبة، تمكننا من رؤية الأمور على حقيقتها، ونقدها وتقويمها. بينما الحب لا تسمح مرآته إلا برؤية الحسنات والمزايا، وتتغاضى فى الغالب عن أمور كثيرة، هذه النقلة من الحب إلى الصداقة هى جوهر كل فعل نقدى اليوم.

فقد انتفت صفة القداسة عن الكلمات والمفاهيم اليوم، ولا يوجد مفهوم مطروحاً للتداول والجدل والنقاش لا يطاله النقد، أو غير قابل للنقد، وحتى المفردات التى نسر كثيراً ونطرب لسماعها، كالتعددية والتنوع والاختلاف، أصبحت خاضعة للنقد، لأن المشكلة ــ كما أبان رسل جاكوبى فى كتابه نهاية اليوتوبيا ــ ليست فى هذه الكلمات ذاتها، وإنما فى "عبادتها"، فلم يسأل أو يسائل أحد منا: ما قدر التعدد والاختلاف داخل هذه التعددية وفى هذا التنوع؟ ماذا تعنى كلمات مثل "تعدد" و"تنوع" و"اختلاف" أساساً؟

على عكس ما هو شائع، فإن الأمور تمضى ودون توقف نحو التماثل والتشابه، لا التعدد والاختلاف، وهنا مكمن المفارقة وإن شئت المراوغة فى عصر العولمة، فهى تقر وتعترف بالتعدد والاختلاف والتنوع، ولكن من أجل إلغائه ودمجه فى "وحدة" هى "وحدة معنى" أو "هوية مبنى".

قال الغريب فى محاورة السفسطائى لأفلاطون: "لما كان الذئب يشبه الكلب، وأكثر الحيوانات وحشية يشبه أكثرها أهلية، وجب علينا، إن أردنا ألا نخطئ، أن نحذر الشبه قبل كل شىء، فالشبه مذلة".

Dressamabdalla@yahoo.com





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة