توقعت مثلما توقع غيرى، أن تظهر فلوس البلد فى ليلة احترق فيها عقل مصر، على طريقة "نقوط" الكبار فى أفراح أبناء الذوات، وبدا أن نقوط محمد فريد خميس رئيس لجنة الصناعة فى مجلس الشورى، وأحد كبار رجال الأعمال العصاميين فى مصر، يفتح الباب على مصراعيه، ليس للنقوط، بل لحرج الكثيرين ممن جرفوا البلد فى ليلة أنس، وتخلواعنها فى ليلة حريق.
شخصيا، تخيلت أن يفتح باب "النقطة" المهندس أحمد عز، لبناء البرلمان المحترق، فاتصلت به فعلا لأسأله ، لكن الرجل المتمرس فى ألاعيب الصحفيين وأد محاولتى فى الخروج بتصريح منه على هامش زفة مبنى "الشورى"، الذى تساقط تحت الأرجل بعد 200 عاما من الهيبة، فى ظل عدم وجود طفاية حريق، أو نظام إطفاء مثل الذى يتم تركيبه فى أتعس مطعم سياحى كشرط للترخيص.
رفض المهندس عز فى اتصال هاتفى معه الأربعاء، أن يؤكدها أو ينفيها، لأن ما نقلته له كان بمثابة افتراض شائعة حاولت بناء قصة صحفية على دعائمها، لكنه وأدها كما ذكرت.
ربما رفض الرجل التعليق على المبلغ، وليس على التبرع بعينه، لأنه هو نفسه الذى يعرف أن المبلغ محل الشائعة لا يتناسب أبدا مع حسبة المصريين عن مكاسبه اليومية من تجارة أهم سلعة استراتيجية فى حياة الشعوب، "الحديد".
شخصيا، أقول إنه ربما يكون أحمد عز قد رأى فى المنام مبنى شركاته مقاما فوق موقع القبة التشريعية، وربما سرح بخياله فوق مقعده فى لجنة الموازنة وتخيل كرسيه مؤبدا فى هذا الموقع، وجاء الحريق ليحقق له الحلم "الله أعلم"، لكننى أؤكد أنه أذكى من المشاركة فى مزاد التبرع العلنى لبناء مخزن أسرار مصر، ومركز التخطيط المستقبلى للبلاد.
"نقوط" رجل مثل أحمد عز، يجب أن يكون متماشيا مع حجمه المالى والسياسى، أى أننى أتوقع أن يتبرع بكل جرام حديد وكل حفنة أسمنت، وكل بلاطة سيراميك، تدخل فى بناء مبنى جديد للشورى فى منطقة خارج زحمة "وسط البلد"، شرط ألا تستبدل عطاياه بأرض المبنى المحترق، ليبنى عليها مقرا فاخرا لشركته فى هذا الموقع الاستراتيجى لأنه يملك مصانع لإنتاج هذه المواد الخام أديت له من الدولة.
الرجل الذى رفض التعليق فى محادثتى الأربعاء على موضوع التبرع، فضل عدم التعليق لأنه تأكد من شيئين: الأول، عدم التعرض للشائعة بالنشر، وبالتالى عدم إثارتها، ولا غبار، والثانى: التورط فى الحديث عنها بفعل الفضول، لأقع فى فخ تمرير الشائعة موثقا بذلك مساواته بمحمد فريد خميس مثلا، بدلا من "تدبيسه" فى بناء كيان شهد بذوغ نجمه "الديناصورى".
الغريب فى أمر مبنى الشورى المحترق، أنه سيدخل أبناء مصر فى اختبار محرج، هل يقبلون مزاد التبرع ممن جرفوا البلد للنهوض بالقبة من تحت الأقدام، أم ستطلع الدولة بقرار يجنبها الشحاتة من مخابز الناهبين؟
تلك الفطيرة ما لها ريق ولا طعم
تلك العطايا حشوها عطب
إن القتيل إذا تراق دماؤه
لم يفده كفن ولا ذهب
تلك الأبيات الشعرية السابقة، لم تكن سوى قطرة من قصيدة نواح مكثفة تفلق صدرى نيابة عن كل مصرى، تابع الحادث التاريخى، الذى يدفع العالم لقراءته سياسيا، وفنيا، واجتماعيا، واقتصاديا، كل بطريقته.
وأخيرا .. فى اتصال تليفونى، قال لى أحدهم، إنها مسرحية لإزالة هذا المبنى دون الحاجة لإصدار قرار إزالة رسمى من جهة تتحمل مسئوليته، كى تتحول هذه المنطقة إلى أرض خربة تطرح فى مزاد أمام هواة شراء تاريخ مصر، فى حين أشار آخر إلى أنها إعادة لرسم الخريطة الجغرافية لمنطقة وسط القاهرة بالحرائق، لأنها – أى النيران - الوحيدة التى تكفلت بنقل الأوبرا المصرية من ميدان الجيش "العتبة" إلى ضفة النهر الخالد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة