جورجيا كبش فداء لحسابات روسية أمريكية

الخميس، 21 أغسطس 2008 11:47 ص
جورجيا كبش فداء لحسابات روسية أمريكية جورجيا تقع بين شقى الرحى
كتب عمر عبد العليم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شهدت الأيام الماضية حرباً شبه خاطفة بين جورجيا وروسيا، بشأن محاولة جورجيا لضم إقليمين أوسيتيا وأبخازيا الانفصاليين, واللذين استقلا عن جورجيا مع بداية تسعينيات القرن المنصرم. وقد خلفت هذه الحملة العسكرية التى تبنتها روسيا ضد جورجيا، "رداً على مثيلتها من قبل جورجيا ضد الإقليمين المذكورين" دماراً ملحوظاً لجورجيا إضافة لكارثة إنسانية كبيرة، إذ لقى حوالى ثلاثة آلاف شخص مصرعهم، خلال الاشتباكات التى دارت، أو الصفعة العسكرية التى تلقتها جورجيا إذا صح التعبير من روسيا.

وانقسمت آراء المجتمع الدولى حول هذا الموضوع وعلى رأسهم القوى الكبرى متمثلة فى الولايات المتحدة الأمريكية، التى تؤيد دعمها المطلق لجورجيا وتأيدها لما قامت به تجاه الإقليمين أوسيتيا وأبخازيا، وروسيا التى وقفت على الصعيد الآخر مناهضة لتلك الرعاية الأمريكية لجورجيا، فيما تزايدت الآراء القائلة إن البلدين الكبيرتين "روسيا والولايات المتحدة الأمريكية" قد أقدمتا على دخول حرب باردة جديدة. إلا أن المؤشرات والأحداث توضح لنا أنهما فى حرب باردة منذ فترة, إذ كانت جورجيا هى كبش الفداء، الذى ضحت به روسيا من أجل استرجاع الكثير مما فقدته من نقاط تثقل كفتها فى موازين القوى الدولية.

وفى محاولة لرصد تلك الأحداث التى أشعلت أزمة حامية الوطيس بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية, نجد بعض النقاط الهامة, مثال:-

الدرع الصاروخية
لقد أثارت قضية عمل نظام الدرع الصاروخية الأمريكية وأنظمة رادارية فى كل من بولندا والتشيك قلقاً كبيراً داخل صفوف الحكومة الروسية. وقد أعلنت إدارة بوش مؤخراً المضى قدماً فى تنفيذ هذا المشروع الذى كان قد أرجئ تنفيذه فى عهد إدارة الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون.
ويعرف هذا المشروع على أنه نظام مضاد للصواريخ، يقصد منه بناء شبكات حماية مكونة من أنظمة صواريخ أرضية، مستندة إلى نقاط تركيز عدة وقادرة على إسقاط أى صاروخ باليستى يستهدف الأراضى الأمريكية.
وقد بررت الولايات المتحدة الأمريكية هذا المشروع بقوله "إن الهدف منه فقط هو الدفاع عن الأراضى الأمريكية ضد أى هجوم", وفى هذا مقصد ضمنى لإيران وإشارة ردع روسيا. إلا أن روسيا رأت فى هذا إخلالا لموازين القوة فى المنطقة وتهديداً لأراضيها, كما يشمل استقطاباً لدولتين كبريين فى المنطقة وهما بولندا والتشيك، مما سيزيد النفوذ الأمريكى فى منطقة شرق أوروبا, كما أن فيه إشارة إلى احتمالات تحرك عسكرى غربى تجاه الحدود الروسية, وأن هذا الأمر يعود بعجلة التاريخ إلى الوراء عندما سقط الجدار الحديدى.

توسيع الناتو
من بين الأوضاع الشائكة الأخرى التى تعوق إرجاع الدفء للعلاقة الروسية الأمريكية موضوع توسيع حلف الناتو ليضم دولاً من شرق أوروبا. وقد ظلت روسيا تعارض التحركات باتجاه توسيع حلف الناتو منذ أول توسيع للحلف فى عام 1999 حين انضمت إلى الحلف بولندا والتشيك والمجر. وعلى الرغم من معارضة روسيا، فقد قام الناتو بتوسيع الحلف عدة مرات ليضم 26 دولة متجاهلاً المعارضة الروسية لهذا التوسيع. وانضمت كرواتيا وألبانيا إلى الحلف فى وقت سابق.

ولكن ما زاد من قلق روسيا هو محاولة الرئيس بوش غير الناجحة لضم أوكرانيا وجورجيا إلى عضوية حلف الناتو خلال القمة الأخيرة. وقد تقرر ترك الباب مفتوحاً أمام جارتى روسيا للانضمام إلى الحلف. فيما علق رئيس الوزراء فلاديمير بوتين فى بوخارست عندما كان رئيساً لروسيا آنذاك, مؤكداً أن الظروف قد تغيرت بشكل كبير منذ إنشاء الحلف. وقال بوتين إن ظهور جبهة عسكرية قوية على حدود بلاده هو خطر مباشر على الأمن القومى الروسى, مضيفاً أنه سمع زعماء الناتو يقولون إن توسيع الحلف ليس موجها ضد روسيا. ولكنه أكد أنه لا يعنيه النيات وإنما تعنيه الإمكانيات. وعلق نجاح التعاون بين روسيا والناتو على أخذ المصالح الروسية فى الاعتبار قائلاً إن هذا هو ما سيحدد نجاح هذا التعاون من عدمه.

الصراع فى القطب الشمالى
هناك ثروات بترولية ومعدنية ثمينة، تقدر حسب التقارير التى أشارت إليها بتسعين مليار برميل. ولاحتكار تلك الموارد النفطية الثمينة، قامت روسيا بوضع علم لها فى أعماق القطب المتجمد، فى إشارة لأحقيتها فى تلك الثروات، الأمر الذى أثار غضب الأمريكيين لاسيما الكنديين. وقد استخدمت البعثة الروسية جهازى الغوص (مير1) و(مير2) لدراسة بنية قاع المحيط المتجمد الشمالى، وتحديد حدود الجرف القارى الروسى الذى يمتد من جزر نوفو سيبيرسك وحتى القطب الشمالى.

الإجهاض الاستراتيجى
تواجد أكثر من 200 ألف جندى فى العراق وآسيا الوسطى لمنع أى تواصل استراتيجى بين الصين وروسيا, إذ ظهر تعاون ملحوظ واتفاق رؤى بين الصين وروسيا فى الآونة الأخيرة حول بعض الموضوعات مثال إمكانية توجيه ضربة عسكرية لإيران, وفرض عقوبات على كوريا الشمالية, انتهاء بمسألة فرض عقوبات على زيمبابوى، الاقتراح الذى قدمته الولايات المتحدة الأمريكية فى مجلس الأمن وتم إيقافه من قبل روسيا والصين بموجب استخدام حق "القيتو"، مما أثار قلق الأمريكيين, حيث يسعون الآن لقطع أى تواصل أو عرقلة أى مظهر من مظاهر التعاون بين البلدين.

لمعلوماتك
لا يبدو أن ما يحدث فى الوقت الحالى بين جورجيا وروسيا وتدخل الولايات المتحدة الأمريكية أمراً غريباً, إذ تعودنا أن نرى الولايات المتحدة الأمريكية كثيراً تتبع منهج "إدارة الأزمة باختلاق أزمة"، بالإضافة إلى سياسية كسب الخلفاء حيث نرى أنها قامت بافتعال أزمات داخلية ومشكلات عدة "طائفية وغيرها" للحيلولة دون الوقوع فى أزمة تلحق بها.
ففى هذا الصدد عملت الولايات المتحدة الأمريكية على زيادة التوتر بين جورجيا وروسيا لما لها من مصالح فى ذلك.

وفيما يخص سياسة كسب الحلفاء ثم الإطاحة بهم "ككبش الفداء"، نذكر قول المتحدث السابق باسم الكونجرس الأمريكى " نيويت جينجريتش" إن النجاح الحقيقى لا يتمثل فى كم من الأعداء أقتل، ولكن كم من الحلفاء أكسب"، وهناك عدة أمثلة تعزز هذا المثل مثال:

الرئيس الراحل صدام حسين: الذى شجعته الولايات المتحدة الأمريكية على غزو الكويت عام 1991, ثم أخذت برأسه تجرها عام 2005.

زعيم صرب البوسنة السابق رادوفان كاراديتش, الذى عقد مع الولايات المتحدة صفقة دبلوماسية، بحيث يتنحى عن منصبه والاختفاء مقابل عدم ملاحقته من المحكمة الجنائية, بينما شهدنا فى الأيام الأخيرة أن الولايات المتحدة كانت تشجع محاكمته بشدة ونفت كل ما قاله بشأن تلك الصفقة.

حركة طالبان وتنظيم القاعدة التى كانت تدعمها الإدارة الأمريكية لتخليصها من القوات الروسية فى أفغانستان آنذاك.

وأخيراً وليس آخر الرئيس الجورجى ميخائيل سكاشفيلى, الذى كانت تشجعه الإدارة الأمريكية لضم الإقليمين الانفصاليين أوستيتا وأبخازيا، كما أعطته الضوء الأخضر للقيام بأى عمل عسكرى ضدهما، ولم يكن هناك خاسر إلا هو وجمهورية جورجيا التى حطمت رأساً على عقب, حيث استغلت روسيا خطأ وتهور سكاشفيلى فى توجيهه رسالة شديدة اللهجة للإدارة الأمريكية التى سمحت لنفسها الدخول فى ما لا يعنيها.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة