لما نشرت مقالى السابق المعنون بـ"النجاح المؤلم" عاجلنى صديقى بتليفون وسألنى متعجباً، هل مقالك هذا كامل؟! فأجبت نعم هو كامل لم يحذف لى أحد منه شيئاً. فزاد عجب صديقى، وقال إذن كيف لم تشر لما كنت أتوقع أن تشير إليه، فور فهمى لمضمون مقالك هذا، فسألته وماذا كنت تتوقع! فقال كنت أظنك ستشير إلى ثورة يوليو كنجاح مؤلم فرجالها نجحوا فيما كانوا يهدفون وفرح الشعب بنجاحهم، ولكن سرعان ما استحال النجاح إلى نجاح مؤلم لبعض منهم وللشعب.
فصمت للحظة لأتأمل كلامه، فعاجلنى أليس هذا رأيك أنت الآخر وطالما كتبت عن الثورة وأفعالها وناصر و... فقاطعته وقلت له نعم لا أنكر، لكننى لم أكن أكتب مقالى وأعنى به ثورة يوليو على الإطلاق، ولم تكن بخاطرى ولأننا ليس لدينا ثقافة الحوار الهادئ ونفضل التراشق بالألفاظ حينما نختلف حول ناصر بالذات آثرت تغيير الموضوع وعاجلته بسؤال وكان، أتعرف ما هى مشكلتنا يا صديقى فأجاب مشكلتنا فين؟! قلت فى مصر قال لا.
قلت إن مشكلتنا هى أننا لا نهتم بالماضى القادم فاندهش صديقى جداً وكررها الماضى القادم متعجباً، وقال أخالك تقصد المستقبل القادم إذ كيف لماضى أن يقدم علينا؟!
فقلت له يا عزيزى إننا نحن المصريين نفتخر بأمجاد الأجداد من هرم ومعابد وتماثيل وحضارة وغزوات وتجارة خارجية واكتشافات علمية وتحنيط وبأمجاد آبائنا من سد عالى وتحرير أرض وعبور للقناة صح؟ فأجاب صحيح، ولكن أين هو الماضى القادم فى كل ما قلت؟! قلت له إن الحاضر الذى نعيشه الآن هو الماضى القادم لأبنائنا وأحفادنا، فبماذا سيفتخرون فى ماضيهم القادم، ماذا نعمل لهم فى حاضرنا ليكون ماضيهم القادم ماضيا يبعث على الفخار كماضينا الذى سطره لنا من قبلنا؟ فسكت صديقى للحظة وقال لا أعرف، فقلت سنترك لهم قانون احتكار مشلول وأسرع الطرق المؤدية للموت وهى الطرق السريعة، وسيبك من شنطة الإسعاف التى حتى إن وُجِدت لن تجد من يحسن استخدامها، وسنترك لهم مساحة شاسعة من الصحراء مليئة بالرمال ومساحة صغيرة كانت أراضى زراعية خضراء صارت أراضى زراعية، ولكن صفراء بلون البيوت التى زُرِعت فيها بدل المحاصيل..
سنترك لهم ديونا عظيمة ليُذلّوا لطوب الأرض.. سنترك لهم فسادا يضرب بجذوره فى الأعماق وفجوة شاسعة بين طبقتين طبقة العظماء والصفوة، وسيكونون على أيامهم يعدون على أصابع اليد الواحدة، وهم سيمثلون طبقة الرعاع وهم عدد لن يحصى آنذاك ليس فقط لكثرته، ولكن لعدم وجود من يهتم بهم.. سنُخلف لهم أرث مثقل من التواكل والتراخى والإحباط يثقل كواهلهم، فشردت وشرد صديقى وقلت له أتعرف يا عزيزى ما هو الحل؟ فانتفض وكأنه أفاق من كابوس على خبر مفرح أن هناك حلا وقال: إلحقنى وقل حلك، فقلت له إن الحل يكمن فى أن نعمل بجد على أن نضع نصب أعيننا أبناءنا، نعمل لأجلهم لنترك لهم ما يفخرون به فرددنا معاً ودون ترتيب مسبق قائلين: نعم يجب أن نسطر ماضيا قادما يفخر به أبناؤنا يكون قاعدة ممتازة ينطلقون منها نحو آفاق المستقبل الرحبة، حينها سيكون ماضيهم عظيما، وحاضرهم يرتكز عليه بشكل مستقر، ومستقبلهم محددا من خلال طريقهم الذى نكون قد شققناه، هيا نسطر ماضى أحفادنا القادم.