بيعوا سياراتكم أو سيحولوها خردة، قبل أن تتكوم هياكلها فى شوارع القاهرة، فتسدها وتحيل حياتنا جحيما، بسبب قانون المرور الجديد الذى سيمنع الوقوف فى الصفوف من الثانى إلى الرابع، التى كانت مباعة لسارقى الشوارع فى وضح النهار.
الحمد لله الذى كشف لنا نحن المصريين الحاليين، أننا ضحايا آباء وأجداد سبقونا لعدم الإيمان بالوطن، فبنوا العمائر فى غفلة من الإدارات الهندسية المسئولة عن التخطيط العمرانى، فبدت العشوائية صفة أساسية فى الريف والحضر.
المؤسف أن المواطن الذى بنى بيته (عمارة أو خزانة)، لم يفكر فى المستقبل، كل الذى سيطر على روحه وعقله، الفوز برخصة بناء مخالفة للتنظيم، وتحويل الجراجات إلى محلات، أو مستودعات تجارية، وبالتالى تتحول الشوارع إلى جراجات بديلة، فتتعطل الحركة المرورية مع بلوغ عدد السيارات فى القاهرة حاليا 2.5 مليون سيارة، بعد أن كان 1.1 مليون سيارة فقط عام 2003، علما بأن طاقتها الاستيعابية 450 ألف سيارة فقط.
لست أدرى أين تقف سيارات المصريين بعدما حرمهم القانون الجديد من الوقوف صف ثان، بعد أن كان الصفين الثالث والرابع متاحين أيضا، لحساب البلطجية والمسجلين خطر، الذين باعوا لنا الشوارع، مثلما باعت الحكومة لنا الهواء الربانى.
من يمشى فى شوارع القاهرة خلال الإجازات الرسمية يعشق مصر، ويسعد بأنه مصرى ولو ليوم واحد فقط. فالمسافة من المقطم إلى المهندسين قطعتها يوم 23 يوليو الماضى (عيد ثورة يوليو) فى 20 دقيقة فقط، وكنت أستمتع بمقود سيارة تنطلق بسرعة 90 كيلو مترا/ ساعة على كوبرى أكتوبر، بعد أن كنت أقطع هذه المسافة فى 45 دقيقة فى الأيام العادية، بسرعة لا تزيد أبدا عن 30 كيلو متر/ ساعة.
هذا المشهد الممتع، أهدى إلى ذهنى فكرة مجنونة، تتلخص فى منح نصف موظفى الدولة إجازة يوما، فيما يعمل النصف الثانى فقط، ويحدث التناوب فى العمل والإجازة يوما بعد يوم. أقسم بأن الإنتاجية لن تتأثر، فى ظل علم الجميع بأن الموظف المصرى لا ينتج بأكثر من 50% من طاقته، فى ظل ما يحدث له فى الشارع يوميا بسبب المواصلات، فيصل منهكا جسديا ونفسيا، ليضع روحه تحت قدمه فى محيط عمله، لأن كرامته تكون قد أهدرت فى الطريق من بيته إلى عمله.
هذه الفكرة ولادة، حيث يترتب عليها توفير فى البنزين، وفى عمر السيارات، وفى الوقت المهدر فى التنقل، كما يوفر فى الأعصاب المحترقة والصحة المعرضة للانهيار بسبب الضغط العصبى والسكر، وغيرها من أمراض الزحام، كما يوفر فى استهلاك الطرق، ولن يؤثر ذلك فى العمل على الإطلاق.
تضاعف عدد السيارات خلال خمسة أعوام فى القاهرة، يعنى أن عدد سياراتها سيصل إلى عشرة ملايين سيارة عام 2013، فى الوقت الذى لم تشهد فيه القاهرة سوى الخطة الذكية من الحكومة الأذكى لتحسين طريق مصر - الإسكندرية الصحراوى، وتحسين محور 26 يوليو الذى ينقل رئيس الحكومة من مكتبه إلى بيته والعكس.
لم تشعر الحكومة وهى تسارع لتمرير قانون المرور الجديد، بما يشعر به المواطن، حين لم يعثر فى محيط كيلو متر من عمله على موقف لسيارته، وذلك فى ظل سماح "رجالة الشوارع" ببيع الصفوف من الثانى إلى الرابع فى الشوارع الفرعية والرئيسية، "على عينك يا تاجر"، لنتخيل ماذا سيكون الوضع حين يدخل هؤلاء الجحور، وتلغى مواقفهم ليعودوا إلى أعمالهم السابقة "التى لا يعلم عنها أحد إلا الله".
أعوذ بالله من شر من أفسدوا علينا الهواء، حين أصروا على ترك مبانى الهيئات الحكومية والوزارات والهيئات البحثية فى قلب القاهرة، حتى غدت العاصمة كمعدة مكتظة بنوعيات مختلفة من أطعمة غير متجانسة، فأصابتها بالتلبك، ليجد حكماؤها أن الحل فى تنظيم المرور بالغرامات ومنع استخدام السيارات الخاصة، وهدم الجراجات العمومية، مثلما حدث فى هدم جراج رمسيس متعدد الطوابق.
المثير للدهشة أن عدد السيارات فى لندن أو طوكيو، سجل نحو 20 مليون سيارة حاليا، ولم تحدث فيها تلك المهازل المرورية الموجودة فى القاهرة. غاية ما تمخضت عنه الحكومة المصرية الجميلة، هو الجرى لخطف ما فى جيوب المصريين فى هيئة غرامات بموجب قانون المرور الجديد، الذى لم يقدم للمواطن حق التعرف على خدماته التى سينالها مقابل ما يدفعه.