عماد عمر

هل تبيع مصر رجالها؟

الثلاثاء، 19 أغسطس 2008 12:09 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أحلى ما فى فصل الصيف عودة الطيور المهاجرة فى الإجازات السنوية. وخلال لقاءاتى مع زملاء نزحوا إلى الخليج قبل سنوات يلح علينا دائما السؤال عن مدى إحساس أجهزتنا الرسمية بالفجوة التى تتسع كل عام، بين الطيور المهاجرة ومصر التى يحلمون بالعودة إليها ولا يجدون لذلك سبيلا.

ولا أبالغ إن قلت إن الزملاء الذين سافروا للعمل فى الخليج قبل سنوات بات يجمعهم إحساس حقيقى بالخوف على مصر، بل ومنها أيضا.. الخوف على الوطن قد يكون دافعا لدينا للعمل من أجل الأفضل، لكن لا شك أنه إحساس قاتل أن تشعر بالخوف من وطنك؟ وقد التقيت هذا الصيف بالعديد من زملاء المهنة الذين يعملون فى مؤسسات إعلامية فى عدة دول خليجية. لم يكن هؤلاء الزملاء من أصحاب المهارات المتواضعة أو المتوسطة، بل من أفضل العناصر فى الإعلام المصرى. ولم يسافر كثيرون منهم لمجرد الرغبة فى جمع المال، لكن كان الإحباط وضعف الأمل بل وربما اليأس من التغيير للأفضل فى مؤسساتنا الإعلامية هو الدافع الاساسى لقرارهم بالرحيل. وقد أثبتوا كفاءة بالفعل فى أماكن عملهم بالخليج.

وبصرف النظر عن العائد المادى من تحويلات الطيور المهاجرة إلى مصر، إلا أن قيمتهم الكبرى.. وهذا الكلام على لسانهم.. كانت فى إحساسهم بأنهم واجهة مشرفة لمصر.. هذا الإحساس عوضهم عن الإنكار لكفاءتهم والجحود الذى شعروا به فى أماكن عملهم فى مصر، والذى دفعهم للرحيل. ومن الطبيعى أن تنتظر مثل هذه النماذج المشرفة دعما من الوطن من خلال إطار مؤسسى يتابع مشاكلهم ويعزز صورتهم المشرفة لمصر.. لكن انتظار مثل هذا الدعم من السفارات المصرية مثلا لم يعد مسألة واردة فى حسابات الطيور المهاجرة فى ظل عدم الاكتراث وضعف الاتصال.. هل عدد المصريين العاملين فى الخليج أكبر من طاقة السفارات على المتابعة والتواصل معهم؟ أغلب الظن أن هذا ليس السبب، بدليل عدم تغير الوضع من بلد لآخر مع تغير عدد المصريين بالزيادة أو النقصان. والنتيجة أن كل مصرى أصبح إلى حد كبير يعتمد على نفسه فى حل مشاكله.

وأنظمة الخليج لا تضع فى اعتبارها السماح للعاملين المغتربين بالاندماج فى تلك المجتمعات، بعد أى مدة مهما كان طولها ومهما كان سجلهم ناصعا خاليا من المخالفات، على عكس الوضع فى المجتمعات الغربية. والنتيجة أن كل مصرى لا يرى سبيلا سوى العودة إلى الوطن مهما طال البعاد.. وخاصة مع تقدم الأبناء فى السن. وهنا يأتى الجانب الآخر من المشكلة.. فهذه الطيور المهاجرة التى عجزت مواهبها الصغيرة عن شق طريقها فى الوطن قبل سنوات أصبحت الآن أكثر خبرة وكفاءة، وتقوم على خبراتها ومواهبها مؤسسات إعلامية ذات أسماء كبيرة فى الخليج.. ومن الطبيعى أن تبحث تلك الكفاءات الكبيرة عن فرص بهذا الحجم حين تفكر فى العودة للوطن. لكن طيور الظلام التى طاردت الكفاءات الصغيرة لن تفتح الباب أمامها بعدما كبر حجمها وصقلها الزمان.

ويبقى الحل المتاح مواصلة الاغتراب، إلى أن تغلق أبوابه قسرا لسبب أو آخر.. وعندها يصبح الاختيار بين مجتمع يرفض السماح لتلك الطيور المهاجرة بالاندماج فيه، وبين وطن زادت المسافة بينها وبينه مع مرور السنين. فأى ثمن يجبرنا على بيع بعض من أفضل كفاءاتنا لهذا المصير؟ هل يمكن أن تتحرك أجهزتنا الرسمية لمحو الإحساس بالخوف من الوطن لدى المغتربين؟ أم أن خطورة المسألة لم تصل بعد إلى حد يستدعى تحركا عاجلا؟





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة