د. خميس الهلباوى

أمريكا ومستقبل العولمة فى العالم

الإثنين، 18 أغسطس 2008 12:22 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
العولمة نظام جديد مبنى على حرية التجارة العابرة للحدود، لاستفادة الدول مجتمعة من النظريات الاقتصادية للميزة النسبية التى بدأها آدم سميث وطورها ريكارد، ومن بعده مفكرون كثيرون، وهى تتلخص ببساطة فى أن حرية التجارة بين الدول ترفع فائدة كل دولة من ميزاتها النسبية، والعولمة أيضا هى وسيلة من شأنها تحقيق انسياب الثروات بين الشعوب والأمم، وبالتالى زيادة فرص العمل والاستفادة من تلاقى الأفكار فى أنحاء العالم، مستخدمة وسائل التقارب الفكرى بالانتقال أو عبر وسائل الاتصال الحديثة.

ولابد من تحقق أهداف العولمة فى ظل ظروف من الشفافية، التى تؤدى إلى زيادة العوائد لجميع الدول من ميزاتها النسبية من خيرات حباها بها الله من قوى عاملة، وموارد طبيعية، وتعمل على تحقيق الرفاهية لجميع الشعوب، ولكن يبدو أن طمع الإنسان فى أخيه الإنسان سرعان ما يطوق ثمار هذا النظام عن طريق قوى لها أهدافها، فيحول النظرية النبيلة إلى وسيلة لإدارة واستعباد البشر والسيطرة عليهم وامتصاص دمائهم ومحاولة سلب ثرواتهم.

والذين يتخوفون من العولمة يتوقعون أن بعض الدول القوية قد يستغلون هذا النظام للسيطرة على العالم كله، فبالرغم من أن العولمة تشترط حرية التجارة بين الدول، وإلغاء القيود الحدودية بين الدول لانسياب القوى العاملة والبضائع بين الدول، إلا أن الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا رفضت بشكل قاطع حرية حركة الأفراد كعنصر من عناصر العولمة، وذلك بسبب أن تلك الدول تستطيع من خلال شركاتها العابرة للقارات أن تحول الاقتصاد لصالحها، عن طريق استغلال رخص الأيدى العاملة فى البلاد الفقيرة، فتقل تكلفة إنتاجها على حساب فقر العمالة فى الدول الأكثر فقراً، لكنها فى حالة انتقال الأفراد لن تنجح فكرة الأيدى العاملة الرخيصة، وسوف تكون الكفة راجحة لأبناء العالم الثالث الذين يمكن أن يغزوا العالم الغربى، الذى يعيش وفرة اقتصادية عالمية فى مقابل فقر مدقع على الجانب الآخر، وبالتالى فإن تطبيق عنصر حرية انتقال العمال والأفراد، يمكن أن يضر بالدول الغربية، وهو سبب شعور أبناء العالم الثالث بأن العولمة ستسبب تحقيق مزيد من الفقر والتبعية لهم، ومزيد من السيطرة والغنى للغرب الذى يمثل فقط نسبة 20% من أبناء العالم، وفقاً للدراسات الإحصائية.

وقد ثبت ذلك، فى الولايات المتحدة التى تقرر أن نشر الديمقراطية هى أول مبادئ تحقيق العولمة، بغرض أن يصبح العالم كله ليبراليا تنتشر فيه أفكار وقيم متقاربة، فإذا جاءت الديمقراطية فى الدول الفقيرة، ضد مصالح الولايات المتحدة قوبلت بالرفض، فمثلاً نجد أن بعض الدول غير المقتنعة بالعولمة مثل الدول التى بها جماعات إسلامية مسيطرة أو بها مجاهدين إسلاميين يناوئون علنا الولايات المتحدة الأمريكية، ويصادقونها ويتبعونها سرا فى مصالحها ضد الشعوب التى يعيش بينها الجماعات الإسلامية، مثل حماس فى فلسطين والإخوان المسلمين فى مصر، والقاعدة فى أفغانستان، كل هذه القوى تصرح علناً بأنها لا تؤمن بالعولمة.

ولكن حقيقة نظام العولمة أن الدول جميعاً يجب أن تتساوى حقوقها فى حرية تبادل المصالح، وبحيث تستطيع أن تقوم بالتبادل التجارى وانتقال العمالة، والأفراد بحرية كاملة ولا تقوم دولة بسياسة الإغراق لسلعها فى حالة تصديرها لدولة أخرى، ولكن ما حدث فعلاً هو أن قامت مشاكل بين فرنسا وأمريكا بسبب دعم كل منهما للمنتجات الزراعية، ورفضهما دفع إعانات لتلك المنتجات، وأكثر من ذلك طلب أمريكا من الدول النامية أن ترفع القيود وتلغى الجمارك على استيراد السلع الزراعية والخدمات منها ومنع حرية انتقال العمالة والأفراد بينها وبين الدول المتقدمة، وذلك فى مؤتمر الدوحة لمنظمة التجارة العالمية، واستطاعت مصر ومعها حوالى 20 دولة من دول العالم الثالث، عدم الاستجابة للضغوط الأمريكية والفرنسية وفشلت المفاوضات بين الجانبين لتمسك كل منهما بموقفه.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة