كردستان العراق.. مواطن جائع يناطح الجبال

الأحد، 17 أغسطس 2008 07:11 م
كردستان العراق.. مواطن جائع يناطح الجبال جبال تحوى كنوزاً غير أن أبناءها يعيشون فى فقر شديد
كتب رائد العزاوى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كشف مصدر طبى فى محافظة أربيل شمال العراق، الأحد، أن مستشفى خليفان الواقع ناحية خليفان شمال شرقى المحافظة، استقبل أربعة جرحى وجثة لمتظاهرين احتجوا على نقص الخدمات الصحية ونقص الوقود فى أربيل.

وكان المئات من سكان قرية سريشمة التابعة لناحية خليفان (90 كم شمال شرقى أربيل) نظموا، الأحد، مظاهرة احتجاجية على نقص الخدمات، تطورت فيما بعد إلى اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين، ما أدى إلى سقوط عدد من الضحايا. وتقع ناحية خليفان على بعد 90 كم شمال شرقى أربيل، التى يبعد مركزها مسافة 349 كم شمال شرق بغداد.

هذا الخبر يفجر تساؤلا: كيف يمكن أن تكون هناك مظاهرات واحتجاجات فى وقت يتحدث فيه المسؤولون فى الحزبين المسيطرين على تلك المحافظات، عن ازدهار كبير تشهده المنطقة منذ نحو 18 عاما، أى منذ انسحاب قوات الحكومة العراقية إبان حكم الرئيس الراحل صدام حسين عام 1990. إن حالة التكتم الإعلامى على الأوضاع الاقتصادية والصحية فى المحافظات الشمالية العراقية، والتى انتهجها المسئولون الأكراد (الاتحاد الوطنى بزعامة جلال طالبانى والحزب الديمقراطى بزعامة مسعود برزانى)، والأخير نصب نفسه زعيما للإقليم، أضحت اليوم تشكل العديد من الأسئلة التى طالما لم يجد لها المراقبون إجابات شافية.

فى ربيع عام 2006، قام وفد إعلامى بزيارة أربيل، عاملتهم السلطات على أنهم غرباء، على الرغم من وجود عراقيين بينهم، وتطلب الأمر احتياج تصريح إقامة فى فندق "كليلان" فى أربيل، غير أن إجادة بعضهم للغة الكردية التى أتقنوها فى المدرسة الثانوية (كانت منهجا دراسيا مقررا من قبل حكومة صدام حسين فى المدارس العراقية) سهلت لهم الحركة والتنقل وتسجيل ملاحظاتهم، وكتابة تقاريرهم عن الأوضاع الإنسانية التى يعيشها أبناء هذه المنطقة. سجل الوفد الإعلامى فى تلك الزيارة كثيرا من انتهاكات حقوق الإنسان فى هذا الجزء من العراق، وجاء على لسان الكاتب والشاعر الكردى الدكتور فرهاد بيربال، المتهم بالتشهير بالأمن فى إقليم كردستان، أنه تعرض للاعتقال أكثر من مرة بسبب انتقاده حكومة برزانى.

وأضاف بيربال أن شكوى دائرة الأمن جاءت على خلفية نشره قصيدة فى الجريدة الأسبوعية "جماور"، واتهامه بالإساءة إلى الأمن من خلال محتوى القصيدة، مؤكداً على استمراره رغم التهديدات الكثيرة التى تعرض لها من قبل الأمن العام الكردى (الأسايش).

وقال أحد المعتقلين فى سجن دهوك المركزى (540 كم شمال بغداد)، إنه كان يعلق من ساقيه لساعات طويلة فى السقف، وكان يصعق بالكهرباء فى مناطق حساسة من جسده، لأنه جلس يتحدث مع صديق له عن عدم قدرته على دفع فاتورة مولد الكهرباء الذى يغذى بيته، مما دفع صاحب المولد، وهو أحد أقارب "حاكم سالم" مدير أمن دهوك، إلى قطع التيار عن بيته، ولذا وجه انتقادات لحزب برزانى، ليجد نفسه معتقلا بعدها بساعات قليلة، واستمر اعتقاله شهرين، إلى جانب مئات من المعتقلين الذين شاهدهم فى سجن يعرف باسم "سجن القعلة".

وبعد صدور قرار العفو العام فى البرلمان العراقى فى أبريل الماضى، والذى كان مقرراً أن يشمل جميع المحافظات العراقية، بالإضافة إلى إقليم كردستان، أكد شيروان الحيدرى العضو فى البرلمان الكردستانى أنهم لن يلتزموا بذلك القرار، لذا يصعب على المسافر الذى يحط رحاله فى مطار أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، أن يصدق أنه فى العراق فعلاً.
فاللافتة المنصوبة فى بهو المطار تقول "مرحباً بكم فى كردستان"، والأعلام المرفوعة فى المطار هى الإعلام الكردية فقط، إذ لا أثر للعلم العراقى مطلقاً. كما يسهم الأمان ومظاهر الثراء فى إشاعة شعور بأن كردستان مختلفة اختلافا كبيرا عن بقية مناطق العراق، فأربيل تشهد نهضة عمرانية، حيث تمتلئ سماؤها بالرافعات والمبانى الشاهقة.

وهناك العديد من مراكز التسوق والفيلات الفاخرة وقاعات المؤتمرات والمقرات الفخمة العائدة للحزبين الكرديين الرئيسيين، اللذين يتقاسمان الحكم فى الإقليم حاليا، وتسعى حكومة الإقليم إلى تسويق كردستان باعتبارها منطقة واعدة وتقدمية وديمقراطية ، ولكن تحت هذه الواجهة، يناضل المواطن الكردى العراقى فى سبيل البقاء، بينما تسرق الأموال العامة وتجد طريقها إلى جيوب قلة متنفذة. من جانبها، تعاقب السلطة الكردية بشدة كل من تسول له نفسه الخروج عن خطها، حيث يقول تقرير للأمم المتحدة لم يجد طريقه للإعلام، إن السلطات الكردية تعتقل الآلاف من المواطنين شهريا، معظمهم لأسباب سياسية، ويحتجز معظم هؤلاء دون محاكمة ويحرم عليهم الاتصال بمحامين.

من جهتهم، يخشى رجال الأعمال الأكراد التحدث بحرية عن الفساد الذى يواجهونه. لكن "بسمان الجاف"، وهو مقاتل سابق فى ميليشيا البشمركة الكردية، قال: "إذا كنت قريباً لأحد الزعماء السياسيين، بإمكانك الحصول على وظيفة فى الحكومة مع ميزانية أو عقد قد تبلغ قيمته مليونين أو ثلاثة ملايين من الدولارات لتعبيد طريق على سبيل المثال"، مضيفا أنه ليس مهما أن يكون هذا القريب يعرف أى شئ عن تعبيد الطرق أساسا، "فالعقد سوف يباع مرات عديدة حتى يصل إلى أيدى شركة إنشاء حقيقية، ولكن عند ذاك ستكون قيمته نصف القيمة الأصلية".

إنسانياً، وصفت سيدة كردية الخوف الذى كان ينتابها عندما عصف الوباء بالمنطقة فى شهر سبتمبر 2005، بـ "القهر"، حيث كانت تعلم أن المياه التى تشربها أسرتها ملوثة، ورغم ذلك لم تكن تستطيع غليها بسبب انقطاع التيار الكهربائى. والحقيقة أن ميزانية إقليم كردستان كبيرة فعلا، حيث تجاوزت 6 مليارات دولار فى العام الماضى، جلها من حصة الإقليم من صادرات النفط العراقى، لكن هناك فجوة تتسع باستمرار بين المواطنين العاديين والصفوة الحاكمة.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة