دخل التاريخ من أوسع أبوابه، وأوصد الأبواب خلفه بالمزلاج، السباح الأمريكى المعجزة مايكل فيليبس بطل دورة بكين الأوليمبية الذى جمع 11 ميدالية ذهبية فى دورتين أوليمبيتين، وحطم رقم العداء الفنلندى الأسطورى بافو نورمى، وهو 9 ذهبيات والمسجل فى دورة أمستردام الأوليمبية عام 1928.
وعلى مدى ثمانين عاماً, حاول أبطال كثيرون تحطيم رقم نورمى وفشلوا، باستثناء أربعة أبطال نجحوا فى معادلة إنجازه، وحازوا على تسع ميداليات ذهبية فى الدورات التى شاركوا فيها.
فبعد 36 عاماً وفى دورة طوكيو الأوليمبية عام 1964، نجحت لاعبة الجمباز الروسية لاريسات لاتيا، فى معادلة الرقم وجمعت 9 ذهبيات من 18 ميدالية حازت عليها فى ثلاث دورات "ملبورن عام 56، وروما عام 60، وطوكيو عام 64"، ثم جاء السباح العالمى المعجزة مارك سبتز ليفوز بسبع ميداليات ذهبية فى دورة بيونج الأوليمبية عام 72، فضلاً عن ميداليتين أخريين فى دورة مونتريال ليعادل ذات الرقم.
فى دورة سيئول كلل بطل ألعاب القوى الأمريكى كارل لويس، نجاحاته وجمع 9 ذهبيات فى ثلاث دورات وتوقف إنجازه عند هذا الرقم، وقد جمع ميدالياته فى سباقات السرعة 100 و200 والتتابع والترتيب الطويل.
حتى جاء مايكل فيلبس بعد 20 عاماً ليطيح بجميع الأبطال، وينفرد بدخول التاريخ من بوابة المجد العظيم، ويتوج كأعظم سباح مسافات قصيرة فى التاريخ، كما توج بانو نورس من قبل كأعظم عداء فى التاريخ.
لكن تاريخ الألعاب الأوليمبية يتوقف أمام لحظات لا تنسى لأبطال آخرين مثل تلك اللحظة التى عجزت فيها اللوحة الإلكترونية فى الصالة المغطاة لمسابقات الجمباز لفردى السيدات بدورة مونتريال الأوليمبية عام 1976، حين حققت البطلة الرومانية ناريا كومانشى إعجازاً لا يتكرر فوق جهاز العارضتين مختلفتى الارتفاع ووصلت لدرجة الكمال التى لا يصل إليها بطل فى الجمباز وحازت على الدرجة النهائية 10/10، ثم عادت بعد قليل لتصويب الرقم وتزيح العلامة العشرية وتسجل 10.
ومن الإنجازات التى لا تنسى، ذلك الرقم الذى سجله لاعب القوى الأمريكى الطائر بوب بيمون فى دورة مكسيكو الأوليمبية عام1968 حيث قفز لمسافة 8.90 م، محطماً الرقم العالمى بفارق أكثر من نصف المسطرة 55سم وكان 8.45، وحين هبط بيمون على الأرض فرك الحكام أعينهم غير مصدقين الرقم، ووصف الإنجاز بأنه قفزة إلى القرن المقبل، وتعادل هبوط أول إنسان على سطح القمر.
وقد استمر هذا الرقم الإعجازى 32 عاماً، قبل أن يتحطم عام 1992 فى دورة برشلونة الأوليمبية.
ومن اللحظات التى لا تنسى فى تاريخ الألعاب الأولمبية، لحظة عزف السلام الأمريكى، بينما يقف العداءان الزنجيان تونى سميث وجون كارلوس فوق منصة التتويج، وقد فاز الأول بميدالية ذهبية والثانى بميدالية فضية فى دورة مكسيكو الأولمبية عام 1968، (فخلال رفع العلم وعزف السلام الوطنى الأمريكى نكس البطلان رأسيهما إلى أسفل، ورفعا قبضتيهما وقد ارتديا قفازات سوداء، فى احتجاج صادق وصارخ على سياسة التمييز العنصرى ضد السود فى الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تحولت منصة التتويج إلى منصة احتجاج سياسى على إهدار حقوق المواطنة للمواطنين الزنوج فى أمريكا، وكان هذا الاحتجاج متزامناً مع ثورة الطلبة فى الجامعات الأمريكية، التى اندلعت للمطالبة بالحقوق المدنية.
والتى امتدت بعد ذلك من أمريكا إلى أوروبا، وكانت أعظم تجلياته فى فرنسا وأدت إلى عزل الجنرال ديجول بطل تحرير فرنسا فى الحرب العالمية الثانية.
ومن اللحظات التى لا تنسى فى تاريخ الألعاب الأوليمبية، لحظة وصول البطل الأثيوبى أبيى بكيلا إلى خط النهاية لسباق المارثون، محرزاً المركز الأول بفارق أكثر من متر على الفائز الثانى.
هذا الفارق لم يكن غريباً، لكن الأغرب أن بكيلا جرى مسافة السباق كلها 42 كيلو متراً وهو حافى القدمين وبدون حذاء! فكان أول بطل أفريقى يفوز بسباق المارثون فى دورة روما الأوليمبية عام 1960، وكرر إنجازه مرة أخرى بعدها بأربع سنوات فى دورة طوكيو لكن بحذاء تدرب شهوراً طويلة على ارتدائه! لكن الأغرب من هذا كله هو استقباله رسمياً وشعبياً كبطل أسطورى ين عودته لبلاده كأنه الإسكندر الأكبر أو هانيبال!
فقد عاد بطائرة عسكرية خاصة، واصطف الجيش الأثيوبى وقوامه مائة ألف جندى وضابط على جانبى الطريق من المطار إلى قصر الرئاسة، حيث كان الإمبراطور هيلا لاس يقف ببوابة القصر فى انتظار الموكب الأسطورى، وخرج الشعب كله لتحية البطل الذى وقف داخل سيارة الإمبراطور المكشوفة وراح يحيى الجماهير بيده اليمنى، بينما اليد اليسرى تمسك بسلسلة حديدية فى نهايته أسد يقف إلى جواره وفى خلف السيارة سار موكب لمئات الأفيال، وانتهى الموكب الأسطورى بلقاء الإمبراطور والبطل على بوابة القصر، وكانت لحظة لا تنسى ومشهداً بالغ الدلالات السياسية، فقد استغل الإمبراطور الإنجاز الرياضى وقطف ثماره السياسية لتثبيت أواصر الحكم الاستبدادى.
كانت واحدة من لحظات ركوب المجد الرياضى بواسطة النظم الديكتاتورية، وقد أسهم إنجاز أبيى بكيلا فى إحالة عمر الحكم الاستبدادى لبلاده سنوات كثيرة بعد ذلك وتلك قصة أخرى.
مايكل فيليبس
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة