تحول الصراع السياسى بين جورجيا وروسيا، إلى صراع عسكرى باتساع نطاق الصراع جغرافياً وربما عالمياً.
ويشير تسلسل الأحداث إلى أن جورجيا هى التى قررت الهجوم على أوسيتيا الجنوبية التى تقع فى جورجيا، وتعتبر امتداداً للأراضى الروسية داخل أراضى جورجيا.
المشكلة فى الأساس هى أن الاتحاد السوفيتى الذى ضم 15 جمهورية من بينها جورجيا قد تفكك لأسباب عديدة، من بينها المخطط الغربى الدءوب لتفجير النظام من الداخل، وأدى اختفاء الاتحاد السوفيتى كقوة عظمى إلى انتهاء الحرب الباردة التى لم يبق من أطرافها سوى الولايات المتحدة.
داخل الاتحاد السوفيتى السابق، حدث توارث داخلى فانفجرت الصراعات بين الجمهوريات وبين بعضها وبين روسيا وداخل هذه الجمهوريات ومن بينها جورجيا، والسبب أن الوجود الروسى كان جزءاً أساسياً فى تركيب الجسد السوفيتى الأكبر.
فى داخل جورجيا حدث صراع بين أوسيتيا الجنوبية وهى الشق الجنوبى من أوسيتيا، بينما الشق الشمالى يقع فى أراضى الاتحاد الروسى وبين جورجيا، بسبب الاختلاف العرقى وانتهى الأمر بتوسط روسيا وإرسال عدد محدود من قواتها لحفظ السلام بين جورجيا وأوسيتيا.
لكن الغرب يحرض الجمهورية السوفيتية السابقة ويحاول أن يقضى على الجوار الروسى المساند، والذى كان جزءاً من الجسد السوفيتى وتمكنت واشنطن من تأليب خمس من هذه الجمهوريات من بينها جورجيا.
ولما أصر الغرب على استقلال كوسوفو رغماً عن جمهورية الصرب، رأت روسيا فى ذلك تحدياً مباشراً لها، ولكن روسيا نجحت فى تجميد الاعتراف الدولى بكوسوفو، وفى نفس الوقت ردت على هذه الخطوة بإعلان استقلال أوسيتيا الجنوبية التى لا يزيد عددها على 70 ألف نسمة، وذلك رداً على استقواء جورجيا بالغرب.
بدأت الأحداث الأخيرة فى إطار عدد من الضغوط الغربية على روسيا، ومن بين هذه الضغوط إغواء جورجيا للانضمام إلى حلف الأطلسى وإصرار الحلف على نشر صواريخ موجهة أساساً لروسيا وادعى أنها موجهة لإيران.
بطبيعة الحال أسباب تعقب الغرب لروسيا ترجع إلى رغبة أمريكية مخالفة لتوجه أوروبى، وهو اقتلاع روسيا كدولة من الدول الكبرى والقضاء على مصادر قوتها، ولذلك فتح الغرب عدداً من الملفات الحساسة ضد روسيا منها الموقف الغامض من الشيشان، ومنها مساندة روسيا لإيران ودعمها لتحدى الغرب فى مسألة الملف النووى.
بدأت جورجيا عملية تهدف إلى إعادة السيطرة على أوسيتيا الجنوبية وإخضاعها لسلطتها بتحريض من واشنطن وبعض الدول الأوروبية، واختارت جورجيا انشغال العالم بافتتاح دورة الألعاب الأولمبية فى الصين، فتصدت قوات حفظ السلام الروسية لقوات جورجيا وقتل بعض أفرادها، ورأت روسيا فى عمل جورجيا تحريضاً غربياً خطيراً وتجرؤاً غير مقبول على مواجهة روسيا، وربما ظنت أنها تستطيع بعملية خاطفة أن تسوى الموقف فى أوسيتيا الجنوبية.
وربما فوجئت واشنطن برد الفعل الروسى، ومع ذلك أعلنت واشنطن دعمها لجورجيا، مما يعنى أن الصراع أصبح بين روسيا وواشنطن التى تنوب عنها جورجيا. ولما كان تدخل واشنطن عسكرياً أمراً غير متصور، فلا نظن أن الأمور سوف تتجاوز إعادة الأمور إلى وضعها قبل بدء العمليات، ولكن سوف تستمر أعمال الانتقام الروسية مما يشير إلى غلبة عامل الجغرافيا على الحسابات الأخرى.
وقد أبرزت هذه الأزمة عدداً من القضايا. أول هذه القضايا أن إسرائيل كانت تساند جورجيا وتسهم فى تسليحها، وكانت بذلك ترضى جورجيا وواشنطن، وتشعر واشنطن أنها تعمل نيابة عنها فى أى منطقة فى العالم، لأنها حليف لا يمكن الاستغناء عنه، فلما أدركت إسرائيل إصرار روسيا على قمع جورجيا مهما كان الثمن، أعلنت وزارة الخارجية أنها نصحت الكينيست أن يمنع السلاح عن جورجيا.
القضية الثانية، هى أن نفس الاعتبارات التى تسوقها روسيا لتبرير استقلال أوسيتيا الجنوبية تقف ضدها فى قضية الشيشان وغيرها من المناطق الإسلامية الراغبة فى الانفصال، كما تعزز وجهة النظر الغربية فى قضية كوسوفو، وسوف تتفاعل هذه العوامل فى المستقبل، وسوف تساعد واشنطن على محاولة تفكيك الاتحاد الروسى حتى لا تقوم لروسيا قائمة فى المنطقة، وهو الهدف النهائى لواشنطن فى حسابات القوة الدولية.
القضية الثالثة، تتعلق بموقف العالم العربى من الأحداث، فهل يصمت أم يؤيد وقف إطلاق النار أم يتحدث فى صلب المسائل الخلافية؟ وهل يهمه أن تساند إسرائيل جورجيا حتى يساند هو روسيا، أم أن إسرائيل تساند الجميع لكى تحصد ثماراً تخطط لها فى كل حالة، أم أن العالم العربى لم يعد سوى وصف جغرافى فقد كيانه السياسى وموقفه الموحد؟ وما مصير الانشقاق الألمانى المؤيد لروسيا ضد جورجيا على التحالف الغربى؟
الثابت أن الصراع فى جورجيا هو حلقة من حلقات، وأن الإصرار الأمريكى على زرع الألغام لروسيا بمساعدة إسرائيل، يجب أن يقدم درساً لروسيا وهو أن إسرائيل تتمتع بأعلى درجة من الانتهازية، وأنها لا تستحق كل هذه المساندة الروسية، فهل تعيد روسيا حساباتها مع إسرائيل؟
د.عبدالله الأشعل يكتب: إسرائيل وأبعاد الصراع الروسى الجورجى
الإثنين، 11 أغسطس 2008 07:53 ص