لأنه عادل إمام، فالحوار معه دائماً يكون متشعبا، تسأله عن "حسن ومرقص" فيتجه بك إلى هموم المجتمع، وتحدثه عن عالمية عمر الشريف فيقول لك إنه "اسكندرانى جدع وابن بلد"، وتحاول أن تكتشف علاقته بالنقد، فيخبرك أنه دائماً معرض للنقد من أقرب الناس إليه، "زوجته وأحفاده"، وتسأله عن حال السينما فيقول بلغة الكبار والواثقين :"زى الفل وفيها شباب زى الورد"، ثم يجذبك إلى ضفة أحلامه التى تتسع لطموحات لا حدود لها وأشياء أخرى كثيرة تحدثنا فيها مع الزعيم عادل إمام فى الحوار التالى....
ما الذى شجعك عل خوض تجربة "حسن ومرقص"؟
"حسن ومرقص" فيلم جيد ويناقش قضية مهمة فى المجتمع، وهى الوحدة الوطنية والعلاقة بين المسلم والمسيحى، وأعجبتنى طريقة يوسف معاطى فى كتابة السيناريو وتجسيد القضية فى صورة كوميدية وبسيطة، يسهل وصولها إلى المشاهد البسيط بلا أية تعقيدات، فأنا لدى قناعة خاصة أن الفن له دور مهم فى القضايا الاجتماعية لابد أن يؤديه، وهو دور أسعى إلى تفعيله فى مجمل أعمالى، و اشتبكت خلالها مع قضايا كثيرة وخطيرة فى المجتمع من نقد الانفتاح وفضح الفساد إلى مواجهة التطرف الدينى والإرهاب.
أى أفلامك حقق رسالتك الاجتماعية هذه؟
دعنى أقل لك، فيلم "عمارة يعقوبيان" مثلا، تناول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى المجتمع المصرى، وفيلم "الإرهابى" تناول قضية الإرهاب والتطرف، وفيلم "الإنس والجن" تناول قضية الإيمان وكثرة الحديث عن الجن، وحتى أفلامى الكوميدية كان فيها هذا الملمح النقدى لقضايا المجتمع الشائكة، مثل فيلم "السفارة فى العمارة" الذى كان يطرح الرفض الشعبى فى مصر للتطبيع مع إسرائيل أو إقامة أى نوع من العلاقات أو التعاون معها. ومن هذا المنطلق تحمست كثيراً لفيلم "حسن ومرقص" لأنه أيضاً يناقش قضية مهمة فى المجتمع، والحمد لله أننى وفقت فيه، فهو فيلم جميل يحترم قناعاتى كما يحترم فنى وجمهورى.
ولماذا اخترت موضوع الوحدة الوطنية فى هذا الوقت بالذات؟
لأنها قضية مهمة ومثارة فى السنوات الأخيرة كثيراً على المستوى الشعبى، حتى أنها صارت واحدة من الهموم الوطنية التى تشغلنى، فقررت ترجمتها إلى فن يخدم مجتمعى.
هل نستطيع فى هذا الإطار أن نعتبر "حسن ومرقص" خطوة جديدة فى مشروع أفلامك لمحاربة التطرُّف الدينى؟
"حسن ومرقص" فيلم مختلف عن أفلامى السابقة، لأنه هنا لا يناقش تطرف الجماعات الإرهابية والعنف والقتل الذى تتخذه كوسيلة لها، ولكنه يناقش قضية الوحدة الوطنية فى بلدنا، وهى قضية شديدة الحساسية، نطرح من خلالها نبذ العنف والتطرف الدينى عموماً من خلال طرح رسالة واضحة، تتعلق بضرورة التعايش بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، بعيداً عن مثيرى الفتنة من الطرفين، الذين يسعون إلى الإيقاع بين الجانبين لتستفيد جهات أخرى خارجية.
هل يمكن اعتباره فيلما عن الفتنة الطائفية؟
تناولنا الفتنة الطائفية فى الفيلم بموضوعية، من خلال الصداقة التى نشأت بين حسن ومرقص، المسلم والمسيحى, وركزنا على الوحدة الوطنية وهى من مقومات الحياة فى مصر، وفى رأيى أن الفيلم استطاع أن يجسد هذه الرسالة ببساطة شديدة وربما أيضاً جرأة لم تشهدها السينما من قبل, وهذا يجعلنى متفائلا لأننا استطعنا أن نقول كلمة مفيدة تجاه بلدنا ونقرب بين الناس والأديان، وهو ما شعرت به منذ العرض الأول، حيث بكى الحضور سواء من المسلمين أو المسيحيين، متأثرين بأجواء الفيلم التى تخللتها مشاعر من الود والحب والشجن والحزن لما وصلت إليه الحال، يحاول فيه المسلم المصرى مع المسيحى أن يتشبثا بأيدى بعضهما فى مواجهة أى عنف يهدد وحدتهما، يجب أن يتحديا الأخطار ويظلا معاً فى وطن يجمعهما، وطن لهما كما كان وسيكون دائماً، لأن "الدين لله والوطن للجميع".
هل نستطيع أن نقول إن جزءا من تفاؤلك كان رهانك على الإيرادات العالية التى سيحققها؟
هذا تخمين غير صحيح، فكل ما يهمنى كان هو أن تصل رسالة الفيلم بوضوح إلى الجمهور، أما مسألة الإيرادات فلا أعتبرها مقياساً وليست مهمة بالنسبة لى، ومع ذلك أعتقد أنه سيحقق ذلك لأنه يتناول قضية مهمة وحساسة مثلما ذكرت، وبالطبع وجود النجم العالمى عمر الشريف الذى عاد أكثر تألقاً وإبداعاً، بالإضافة إلى سيناريو رائع للكاتب يوسف معاطى, هذا كله سيسهم فى تحقيق الإيرادات العالية, وأتمنى ذلك.
وما هو شعورك بالعمل مع النجم العالمى عمر الشريف؟
لم أتوقع أن يجمعنى عمل واحد مع النجم العالمى عمر الشريف، كانت مشاركتى البطولة معه حلم بالنسبة لى، لأنه رمز من رموز السينما وأنا سعدت جداً بالعمل معه.. وخاصة أنه أثناء التصوير والتحضير للفيلم وجدت نفسى أمام فنان يحترم فنه وعمله، ويتعامل مع زملائه وكل العاملين معه بود وحب يدلان أيضاً على أنه إنسان رائع ابن بلد إسكندرانى جدع، هو ليس خواجة كما يتصور البعض، بالعكس هو مصرى جداً ويحب مصر بجنون، وهو أيضاً كريم يحب أن يدعو الناس للعشاء ولايحب أن يدفع ثمن الطعام أحداً غيره، وهو صريح لأبعد الحدود ولا يخجل أبداً من صراحته، هو باختصار شخصية ممتعة للغاية، صحبته جميلة ولديه نزعة كوميدية فظيعة كانت واضحة فى آدائه.
ومن هو صاحب فكرة ترشيح عمر الشريف؟
ابنى محمد هو صاحب الفكرة، فعندما كنا فى مرحلة التحضير الأولى وحائرين فى الفنان الذى سيجسد الشخصية الأخرى، فوجئت بمحمد ابنى يقول "أيه رأيك فى عمر الشريف؟" بصراحة فاجأنى الترشيح ولكنى تمنيته، وكنا فى البداية نخشى عدم موافقته, إلا أننا فوجئنا بالموافقة حتى قبل أن يقرأ السيناريو, ووجوده فى الفيلم كان إضافة مهمة وخاصة أنه فنان ملتزم ومتعاون جداً، وكان دائم الحضور أثناء التصوير حتى فى الأيام التى لم يكن له فيها عمل وكنا نتناقش ونتشارك الآراء، وكنت أنا وهو وفريق العمل فعلاً فريقا واحدا نحاول كلنا أن نخدم الفيلم وفكرته بالشكل اللائق، وأتمنى أن يجمعنا لقاء آخر قريباً لأننى استمتعت جداً بالعمل معه.
وماذا عن آداء أبنائك رامى ومحمد.. هل أشعرك بالرضا؟
رامى مخرج متميز له بصمته الواضحة، أدركت ذلك منذ أن شاهدت للمرة الأولى مسرحيته "جزيرة القرع" التى أخرجها فى مسرح الهناجر، وأعجبت بجو الحماس والحب والإخلاص بينه وبين زملائه فى العمل، وهو ما شجعنى للاستعانة بهذه المجموعة فى أعمالى السينمائية والمسرحية، لإضافة جيل جديد صاعد، كما أن رامى نفسه قدم أعمالاً كثيرة بعد ذلك تؤكد موهبته وحبه للسينما لذلك صار مخرجاً جيداً، وحققت أفلامه أعلى الإيرادات، ومحمد ممثل موهوب واجتهد كثيراً فى هذا الفيلم كما اجتهد فى فيلم "عمارة يعقوبيان" ومسلسل "كناريا" فهو يتعب على عمله ويسعى لتطوير نفسه. وأنا لا أقول ذلك لأنهم أولادى، بالعكس لأنهم مجتهدون وأخاف أن يظلموا لأنهم أبناء عادل إمام، ولهذا فهم شديدو الحساسية فى العمل معى ويرفضونه حتى لا يقال إننى أفرضهم على أفلامى, خاصةً ابنى محمد، فقد أخذت وقتاً طويلاً فى إقناعه كما أن وجود رامى شجعه كثيراً، أما عن رامى فنحن نتفق ونختلف ونعمل كأى ممثل ومخرج، وبعد الصورة التى ظهر عليها العمل اتضح مجهودنا وتعبنا.
هذا يجعلنا نسألك هل تقبل بالنقد بعد كل هذة النجومية؟
بالتأكيد وأتقبله بصدر رحب، فمن حق كل إنسان أن يعبر عن وجهة نظره، وفيلمى الأخير صنع حالة من الجدل بين آراء رحبت به وآراء لم تتقبله جيداً، وهذا لا يزعجنى فأنا فنان أخلص لعملى وأتوقع نتائج كثيرة.. وبالمناسبة زوجتى وأحفادى هم أول من ينتقدونى.
وما هو السر وراء حفاظك على نجوميتك كل هذة الفترة؟
لا يوجد سر، أنا أتقن عملى فقط ولا أنظر إلى الوراء وعلى مدار تاريخى كنت أحاول أن ألتزم فى عملى، وأعبر فى أعمالى عن البسطاء لأننى واحد منهم والحمد لله أننى حافظت على ذلك جيداً.
إذن فأنت راضٍ عن مشوارك الفنى حتى الآن؟
الحمد لله فما أنجزته لم يأت بمحض الصدفة، عشت أياماً صعبة للغاية اختلطت فيها الدموع بالضحك والسعادة بالحزن، ولا أنكر أننى بعد أن حققت كل هذا النجاح عشت أياماً سعيدة مليئة بالشهرة والنجومية والمال أيضاً، وحصلت على كثير من التكريمات محلياً وعربياً، ومن رؤساء وملوك وشعرت فى النهاية بأننى حققت أكثر مما كنت أحلم به.
وهل انتهت أحلامك إلى هذا الحد؟
بالعكس، أى فنان مهما حقق من شهرة ومجد، يظل يحلم إلى آخر لحظة فى حياته، وما زلت أمتلك كثيراً من الأحلام لم تتحقق بعد، وهناك الكثير من الشخصيات لم أجسدها، وأتمنى أن أتم رسالتى فى الفن.
ما رأيك فى حال السينما المصرية حالياً؟
أرى السينما الآن فى حال جيدة بعد ظهور مخرجين مميزين وشباب متحمس، وظهور أفلام جديدة متميزة عن الفترات الماضية، ولكن نريد أن نشجعهم ونقف وراءهم حتى يستمروا على هذا المستوى.
عادل إمام فى مواجهة التطرف الدينى والإرهاب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة