الرزق على الله.. "إن كان قانون المرور سيحرمنا من لقمة عيشنا، فالله موجود". هكذا كان رأى على ومحمد وحامد وعزت، وغيرهم من أفراد كتيبة "السايسية" الذين استولوا على شوارع القاهرة الكبرى، بأمر مجهول النسب.
وإذا كان الهدف الظاهر من تطبيق قانون المرور الجديد بحذافيره، اعتبارا من صباح الجمعة 1/8/2008، ظاهره الرحمة بالشوارع، وتسهيل الحركة المرورية، وكبح فرامل وضمائر سائقى سيارات الميكروباص والنقل السريع، فلا يخفى بعض الناس أن هذا القانون باطنه الجباية والتعسف فى التعامل مع المواطن.
وفى وقت الذى يشدد فيه وزير الداخلية على الحزم فى تنفيذ القانون، دون تمييز، يرى عدد غفير من أصحاب الرأى فى هذه القضية، أن الجزاءات ستكون من نصيب أبناء العوام من الناس فقط، فيما تستثنى بعض من يضعون "الريشة" على زجاج سياراتهم، (رجال النيابة، والصحفيون، وضباط الشرطة، ورجال الأعمال، وأصحاب الحظوة).
ضباط الشرطة الذين التقاهم اليوم السابع فى عدة شوارع من القاهرة والجيزة، أكدوا أن تطبيق قانون المرور، اعتبارا من صباح الجمعة، لن يكون فيه تراخ البتة، ولا تمييز، مؤكدين أنهم لن يدخروا قسوة أو غلظة فى تطبيق نص القانون، من باب "اذبح لها القطة"، أى من أول السطر، حتى لا يفسر التهاون على أنه تراخ، وبالتالى "يفشل المشروع".
وعودة إلى أفراد كتيبة مواقف الشوارع، يقول على (سايس ـ 38 عاما) إنه وزملاؤه بدأوا العد التنازلى لتوقيت تشريدهم من جديد بحثا عن رزق عائلاتهم، منذ أن سمعوا بهذا القانون الذى سيلغى تماما دورهم فى حراسة السيارات الخاصة فى الصف الثانى، وربما الرابع فى بعض الشوارع، التى كانت الدولة قد تركتها لهم كمواقف خصوصية يعود ريعها صافيا إليهم، دون منازعة.
أما ضابط الشرطة الذى كان يقف على ناصية شارع شامبليون، ورفض ذكر اسمه، على الرغم من أنه تداخل فى الحوار بين اليوم السابع، وفريق إدارة المواقف، فقال إنها ساعات معدودة ويطلع نهار الأول من أغسطس، ليعود هؤلاء إلى جحورهم، مؤكداً أنه لن يكون باستطاعتهم اعتباراً من طلوع شمس الجمعة، أن يحرسوا سيارة تقف فى الصف الثانى فى الشارع الذى أغلق بأمرهم عدة سنوات.
وأشار الضابط (برتبة عميد) إلى أن هؤلاء كانوا يفرضون الإتاوة على أصحاب السيارات لمجرد اضطرارهم لدخول بنك "الأهلى سوسيتيه"، وذلك لامتلاء الساحة المجاورة للبنك.
وهنا يتساءل أصحاب سيارات أعجبهم الحوار المفتوح على رأس المشهد، حيث سأل البعض عن الحل فى هذه المشكلة، فيما طرح البعض الآخر حلولا هزلية على سبيل التنكيت، مؤكدين أنه لا سبيل لتطبيق هذا القانون إلا ببيع السيارات، واللجوء إلى المواصلات العامة.
ويرد المهندس حمودة عبد العال الخبير فى مجال النقل والمواصلات، مؤكداً أن الدولة لم تعد العدة لتوابع هذا القرار، مشيراً إلى أن العديد من المصريين يفضلون ترك سياراتهم الخاصة واستخدام المواصلات العامة، شرط أن تكون هذه المواصلات آمنة، وترقى إلى مستوى احترام الآدميين.
ويضيف المهندس حمودة أن الترام والمترو والأوتوبيسات العامة، المتوافرة حاليا، تعانى الازدحام الشديد قبل تطبيق قانون المرور الجديد، وقبل الارتفاع الهائل فى أسعار الوقود والزيوت، "فما بالك بحالتها بعد اضطرار العديد من أصحاب السيارات الخاصة لاستخدام المواصلات العامة"؟
ولا يخلو الأمر من مخاوف اقتصادية واجتماعية لتنفيذ بنود القانون الجديد، الذى يصفه بعض الخبراء بأنه قانون لا يهدف إلى تنظيم حركة المرور فى مصر، بقدر ما يهدف إلى الجباية لتعويض خزينة الدولة مما تفقده جراء الفساد المالى والإدارى.
يقول باحث فى المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن تطبيق القانون الجديد سيرفع مؤشر الجريمة ارتفاعاً حاداً ومفاجئاً، بسبب ارتفاع معدل البطالة، حيث تعود كتيبة رجال مواقف الصف الثانى إلى ارتكاب الجرائم، وتجارة الممنوعات، حيث من المعروف أن معظم هؤلاء كانوا من المسجلين خطر، والخارجين من السجون بعد تنفيذ أحكامهم.
ويقول باحث اجتماعى آخر إن المواطن المصرى سيوجه ضربة قاسية للحكومة، تتمثل فى إفشال هذا القانون، الذى سيثير الفوضى فى الشارع المصرى، وسيؤدى إلى اختناقات مرورية أكثر من الحالة المعروفة قبل تنفيذ بنود القانون، وذلك بسبب التخبط أثناء البحث عن مواقف، حيث سيزداد معدل اللف والدوران بالسيارات فى أماكن محددة (أماكن العمل)، وبالتالى يزداد الزحام.
يذكر أن التعديلات الجديدة فى قانون المرور، تشمل: التشدد فى مواجهة السرعات على الطرق، والسير عكس الاتجاه، ومعاقبة سيارات النقل المخالفة للسير على يمين الطريق.
وتتضمن العقوبات: السجن، الغرامة المالية، وسحب الرخص نهائيا فى حالة تكرار المخالفة، كما سيتعرض مرتكب مخالفة السير عكس الاتجاه، فى حالة ضبطه، للحبس بتهمة ارتكابه مخالفة تعرض حياة الناس للخطر.
وأكد اللواء شريف جمعة مساعد وزير الداخلية فى تصريحات صحفية سابقة، أن عقوبة الحبس ستواجه مالكى السيارات الذين يتركون مركباتهم للقاصرين (من هم دون الثامنة عشرة من العمر)، أو لمن لا يحملون رخص قيادة.
وأشار جمعة إلى أن القانون الجديد يلزم جميع الجهات والهيئات والبنوك وغيرها، بالحصول على موافقة المرور عند إنشاء المبانى الجديدة، "وتشترط الموافقة على توفير جراجات للمترددين على هذه المنشأة، وألا تكون مبانى الشركات والهيئات سبباً فى زيادة الكثافة المرورية فى الشوارع".
مطلوب فوراً العودة إلى المواصلات العامة
قانون المرور .. تحرير شوارع القاهرة من البلطجية
الجمعة، 01 أغسطس 2008 11:03 ص