فى الشهر الماضى، نجح الدبلوماسيون القطريون فى جعل الفرقاء اللبنانيين يتوصلون إلى اتفاق بينهم، وكان من حق هذه الإمارة الصغيرة الواقعة على الخليج العربى أن تحتفل بهذا الأمر.
وخلال العام الماضى فقط، قام وزير الخارجية القطرى حمد بن جاسم بن جابر آل ثان، بجولات فى كثير من الدول العربية من المغرب إلى اليمن مروراً بليبيا، محاولا استخدام كل الوسائل من بينها الأموال لحل بعض القضايا محل النزاع فى هذه الدول. وإن كان هذا العمل لم يجعله يحظى بالامتنان دائماً.
وقد أسس القطريون لأنفسهم سمعة طيبة كوسطاء مستقلين مستعدين للحديث مع أى شخص.. إيران أو إسرائيل أو الانفصاليين الشيشانين، سعياً للتأثير على مائدة المفاوضات.
ويقول الحسن الأنصارى مدير مركز الخليج للدراسات فى قطر: "ليس لدينا أجندة محددة، ولا نحتفظ بالبيض كله فى سلة واحدة".
وتتمتع قطر بعلاقات قوية مع إيران فى الوقت الذى تستضيف على أراضيها واحدة من أكبر القواعد الجوية الأمريكية فى العالم. كما أنها تعد مقراً لكل من المسئولين الإسرائيليين والإسلاميين المتشددين الذين يدعون إلى تدمير أمريكا، وكذلك هى مقر قناة الجزيرة الفضائية المثيرة للجدل، ومقر إقامة أرملة الرئيس العراقى السابق صدام حسين. وإذا كانت السعودية حليفا موثوقا به، فإنها تعادى سوريا التى تسلم رئيسها بشار الأسد طائرة إيرباص كهدية شخصية من أمير قطر هذا العام.
ويرى مصطفى علانى محلل الشئون الأمنية بمركز الخليج للدراسات فى دبى أن القطريين يجمعون كل المتناقضات فى الشرق الأوسط فى صندوق واحد.
ويدعم القطريون دبلوماسيتهم ببعض الاستثمارات الانتقائية. فالكثير من الأمريكيين يعرفون أن أمير قطر قدم 100 مليون دولار لضحايا إعصار كاترينا، لكن قطر تنشأ أيضاً مصفاة للنفط فى زيمبابوى تبلغ تكلفتها 1.5 مليار دولار، ومشروع سياحى ضخم فى سوريا تبلغ تكلفته 350 مليون دولار، إلى جانب بناء مجمع سكنى ضخم فى السودان.
ويرى البعض أن سياسة قطر تتسم بالتشويش. بينما يفضل القطريون أن يروا هذه السياسة على أنها مفيدة. فهذه الدولة التى تتمتع بعائدات كبيرة من النفط والغاز الطبيعى تجاورها العديد من الدول الطموحة، مثل إيران والعراق والسعودية، ومن ثم أصبحت الدبلوماسية طريقة تحمى بها قطر نفسها وثرواتها عن طريق تشكيل التحالفات، ومحاولة إرساء الاستقرار فى المنطقة.
ويشعر المسئولون الأمريكيون بنوع من القلق الصامت حيال مساعدة قطر لكل من إيران وسوريا والتى تتضمن استثمارات مالية رئيسية، وكذلك التصويت ضد فرض عقوبات على إيران خلال تولى قطر رئاسة مجلس الأمن الدولى. كما يشعر الأمريكيون بالغضب إزاء تقديم قطر مساعدات مالية لحركة حماس بعد فوزها فى الانتخابات عام 2006.
ويقول أحد كبار المسئولين بوزارة الخارجية الأمريكية الذى رفض ذكر اسمه إن العلاقات بين واشنطن والدوحة معقدة، مشيراً إلى أن الدعم الذى قدمته قطر لحماس كان مشكلة مفتعلة جداً.
كما أن روسيا بدورها لديها شكاوى من قطر، حيث قدمت الأخيرة ملجأ للزعيم الشيشانى سليم خان ياندربيف، حتى قام اثنان من العملاء الروس باغتياله عام 2004 فى الدوحة. وقد ألقت السلطات القطرية القبض على العميلين فيما بعد، وتم توجيه تهم القتل إليهما، غير أنه تم تسليمها فيما بعد بطلب من موسكو.
وكذلك فإن العديد من الحكومات العربية فقدت صبرها إزاء قطر فى بعض الأحيان، خاصة بسبب قناة الجزيرة التى أسسها الأمير القطرى، والتى توجه انتقادات إليهم. وقد قطعت السعودية علاقتها الدبلوماسية مع قطر بسبب هذه القضية عام 2002، ولم يتم استئناف هذه العلاقات إلا فى عام 2007 عندما وعدت قطر بالسيطرة على تغطية القناة لشئون المملكة.
كما أن هناك حالة من الغضب بين العرب بسبب الترحيب الكبير الذى يحظى به المسئولون الإسرائيليون فى قطر، حيث يوجد مكتب للشئون التجارية الإسرائيلية غير بعيد عن فيلا القيادى بحركة حماس الفلسطينية خالد مشعل.
وتبدو سياسات قطر ناجحة بصفة عامة، على الرغم من بعض المشكلات الدبلوماسية العرضية، وهو ما يدفع الدوحة إلى مستويات جديدة من الاعتراف من جميع أنحاء العالم.
