تواصل أجهزة الأمن بشمال سيناء جهودها، لضبط الجناة الذين قتلوا الشهيد الضابط محمد القرشى على الحدود، وهى الجريمة التاسعة من جرائم قتل الجنود المصريين على الحدود، سواء بيد إسرائيل أم بيد المهربين.
فى هذا التقرير، ترصد اليوم السابع، أهم الحوادث وجرائم القتل الحدودية التى ارتكبها المهربون أو التى ارتكبتها إسرائيل خلال السنوات الماضية، والتى تبلغ 9 جرائم قتل و20 إصابة.
ففى صباح الخميس 18 سبتمبر 2004، أطلقت دبابة إسرائيلية قذيفة، أصابت منطقة تل السلطان برفح على الحدود المصرية وأعقبها، إطلاق نار عشوائى من الجنود الإسرائيليين تجاه مكان الانفجار الذى أحدثته القذيفة، فأصاب ثلاثة جنود مصريين، لقى اثنان منهم مصرعهما فى الحال، وتوفى الثالث متأثراً بجراحه بعد وصوله إلى مستشفى مبارك العسكرى بالعريش.
وكان 6 من أفراد جنود الأمن المركزى المصرى، يقومون بنوبة حراسة فى المنطقة وقت وقوع الحادث، فى الساعة الثانية صباحاً تقريباً. وقالت مصادر أمنية مصرية إن القوات المصرية المتمركزة بالمنطقة لم ترد واكتفت بنقل المصابين من منطقة الحادث عند العلامة الدولية رقم 3 جنوب رفح.
وأوضحت التقارير الأمنية أن القتلى هم على صبحى النجار (21 سنة) ومحمد عبد الفتاح (22 سنة) وعامر أبو بكر عامر (22 سنة). من جنود الأمن المركزى وأكدت المصادر أن الشهيد الأول قد أصيب بعدة طلقات نافذة فى الصدر والرقبة ووصلت جثته للمستشفى مشوهة تماماً، وأن الثانى قد أصيب بعدة طلقات نارية أسفل الصدر والبطن والظهر واليد اليسرى، فيما أصيب الثالث الذى لقى حتفه بعد نقله إلى المستشفى متأثراً بجراحه، بطلقات نارية فى الفخذ الأيسر واشتباه بنزيف داخلى.
الحادث الذى ناقشه مجلس الشعب المصرى، انتهى على لا شىء، لا تعويضات ولا قصاص للجنود، فيما أعربت إسرائيل عن أسفها وكذلك الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة.
وقال بيان رسمى للجيش الإسرائيلى إنه "خلال الليل رصدت قوة إسرائيلية مجموعة من الرجال المسلحين تقترب من الحدود الاسرائيلية ـــ المصرية قرب رفح، بغية زرع عبوات ناسفة فى منطقة تجرى فيها القوات الإسرائيلية دوريات قرب الحدود".
وأضاف أن "القوات الإسرائيلية فتحت النار ولم تعرف من أصيب، من ثم تلقى الجيش الإسرائيلى معلومات، مفادها أن ثلاثة عناصر من الشرطة المصرية قد أصيبوا".
ووصف البيان الحادث بأنه "خطأ مهنى قد ارتكب، وهو عائد إلى تحديد خاطئ لهوية الأشخاص الثلاثة".
وأقر بأن رجال الشرطة المصريين الثلاثة قتلوا عندما كانوا داخل الأراضى المصرية.
وأضاف البيان أن "الجيش عبر عن أسفه للمصريين. وفتح تحقيقاً معمقاً لمعرفة الملابسات المحددة لهذا الحادث".
ومن جهته، قال نائب وزير الدفاع آنذاك زئيف بويم، إن الأمر يتعلق "بحادث مؤسف نتائجه خطرة". وأضاف "يجب الإشارة إلى أن المنطقة الحدودية التى وقع فيها الحادث تشهد توتراً كبيراً. فعلينا أن نشن فيها عمليات حربية ضد فلسطينيين يقومون بتهريب أسلحة".
وأوضح بويم "ما يحدث يظهر ضرورة تعزيز التعاون مع الجيش المصرى الذى ينشط أيضاً فى هذه المنطقة. وقد مارسنا ضغوطاً وعزز المصريون جهودهم لوضع حد لعمليات التهريب من جانبهم. لكن يجب إيجاد الوسائل التى تجعل الجيشين (الإسرائيلى والمصرى)، يتحركان معاً للتوصل إلى الهدف ذاته".
وكان بويم يشير بذلك إلى العمليات الكثيرة، التى قام بها الجيش الإسرائيلى فى مدينة رفح ومخيم اللاجئين فيها قرب الحدود لهدم أنفاق، يقول الإسرائيليون إنها تستخدم فى تهريب الأسلحة من مصر.
وقد توقع وزير القضاء الإسرائيلى طومى لبيد، أن الحكومة المصرية سوف تتفهم دوافع التصرف الإسرائيلى.
وقتها، أعلن وزير الخارجية المصرى أحمد أبو الغيط، أن مصر "تدين وتحتج بشدة" على مقتل مجنديها برصاص القوات الإسرائيلية على الحدود. وقال فى بيان رسمى إن القاهرة "تطالب رسمياً بتفسير لهذا الحادث". وأضاف البيان أن مصر تطالب كذلك "بتحقيق فورى وشامل".
وأكد وزير الخارجية أنه طلب من سفارة مصر فى تل أبيب تقديم احتجاج للخارجية الإسرائيلية والمطالبة بتفسير للحادث.
كما أكد على أن مثل هذه الأعمال من الخطورة بشكل، يتطلب من الحكومة الإسرائيلية التصرف بدرجة عالية من المسئولية لتجنبها وعدم تكرارها.
ومن ناحيته، أعرب الاتحاد الأوروبى عن أسفه العميق لمقتل الجنود المصريين الثلاثة. وقالت كرستينا جاياك المتحدثة باسم الممثل السامى للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة "إن الاتحاد الأوروبى الذى يأسف لوقوع هذا الحادث يقر بالدور الهام والرئيسى الذى تلعبه مصر لدفع عجلة السلام والتنمية فى منطقة الشرق الأوسط بأكملها سواء بالنسبة لمشكلة الشرق الأوسط أو العراق أو السودان أو غيرها من المشاكل والأزمات الملحة الأخرى". وأكدت مساندة الاتحاد الأوروبى للجهود الكبيرة التى تقوم بها مصر لإنجاح خطة الانسحاب الإسرائيلى من قطاع غزة فى إطار تنفيذ خريطة الطريق للمجموعة الرباعية الدولية. وأشارت جاياك إلى أن الاتحاد فى هذه الظروف الصعبة، يقدم تعازيه إلى مصر شعباً وحكومة، وكذلك التأكيد على تعاطفه مع عائلات الضحايا الثلاثة الأبرياء. وأوضحت المتحدثة الأوروبية أن الاتحاد ينتظر نتائج التحقيقات التى تجريها السلطات الإسرائيلية للتعرف على ملابسات هذا الحادث المأساوى. التى لم تسفر عن شىء حتى تاريخه، فى حين أجرت إسرائيل تحقيقات صورية كنوع من إرضاء مصر.
ويظهر من التحقيقات الأولية التى أجراها الجيش الإسرائيلى فى حادث مقتل الجنود المصريين الثلاثة بنيران دبابة إسرائيلية، بأن قائد كتيبة لم يتسلم المسئولية عن المنطقة التى وقع فيها الحادث، هو المسئول عن وقوع الخطأ القاتل. وقالت مصادر عسكرية لها صلة بالتحقيق لـيدعوت أحارنوت، إن قائد "الكتيبة 13" التابعة لوحدة "جولانى" وهو ضابط يحمل رتبة مقدم، صادق على إطلاق النار دون التأكد من أن الهدف الذى صوبت الدبابة فوهتها نحوه هو الهدف المطلوب (ثلاثة مسلحين فلسطينيين تم رصد تحركاتهم فى المنطقة).
واعترف قائد الكتيبة خلال استجوابات جرت فى الساعات التى تلت وقوع الحادث، بأنه لم ينفذ الإجراءات التى تتخذ عادة خلال حوادث مشابهة. فلم يتأكد على سبيل المثال من وجود الملاءمة بين الهدف الذى شاهده جنود الدبابة وبين ما رصدته أجهزة أخرى فى المنطقة. وأضافت المصادر أن طاقم الدبابة لم يخفق فى تنفيذ المهمة، وأن المسئولية عن حدوث الخطأ تقع على قائد الكتيبة.
قال قائد المنطقة الجنوبية فى الجيش الإسرائيلى، اللواء دان هارئيل، فى مؤتمر صحفى عقده فى تل أبيب على خلفية حادث مقتل الجنود المصريين بنيران الدبابة الإسرائيلية، إن "الحادث مؤسف وخطير"، وأعرب عن أسفه العميق باسم الجيش الإسرائيلى.
وحاول اللواء هارئيل أن يشرح ما حدث مشيرًا إلى أن الجيش الإسرائيلى يمارس قتالاً فعلياً فى المنطقة التى شهدت الحادث بشكل يومى. وتابع هارئيل "لقد وقعت فى آخر شهرين تقريباً عدة حوادث على طول محور فيلادلفى وتم تفجير عشر عبوات تجاه قواتنا، وأطلقت عليها أكثر من 10 صواريخ مضادة للدبابات. لقد دمرنا وكشفنا عن عدة أنفاق على طول المحور". أما بخصوص الحادث نفسه فقد شرح هارئيل تسلسل الأحداث كما يلى: "بدأ الحادث بتشخيص خلية مسلحين حاولوا الوصول إلى المحور الحدودى. لقد تحرك أفراد الخلية قادمين من تل سلطان وبدأوا يزرعون عبوات على طول المحور من أجل التعرض لجنودنا. قائد الكتيبة أعطى أوامره لطاقم الدبابة بالتحرك وتوجيه أسلحتهم نحو الموقع الذى شخص فيه المسلحون. لقد جرى حوار طويل مع المسئول عن نقطة الاستطلاع، والذى يقوم بتوجيه طاقم الدبابة نحو الموقع المستهدف. لقد استمر الحوار 40 دقيقة والهدف منه التأكد من أن نيران قواتنا لا تصيب المصريين. هذه النقطة الحساسة موجودة دائماً مع الجانب المصرى. حتى الليلة الماضية نجحنا فى الامتناع عن المساس بهم".
وتابع هارئيل يقول: "قام طاقم الدبابة بعد ذلك بإطلاق النار، لقد شخص الجنود أنهم لم يصيبوا الهدف وتم إيقاف إطلاق النار، ثم صدر إعلان المصريين عن إصابة جنودهم. لقد تحدثنا مع المصريين طيلة الليلة. لقد فرت الخلية إلى رفح واختفى أفرادها". وقدم اللواء هارئيل التعازى لعائلات الضحايا، وتعهد بأن يكون التحقيق فى الحادث طويل وشامل.
من جانبه، أعرب الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، عن انزعاجه الشديد لقتل الجنود المصريين. وأكد أن هذا الحادث يشكل عنصراً جديداً إضافياً يسهم فى تعقيد الأوضاع بالمنطقة. وقال فى تصريح صحفى إنه يكتفى بهذا التعليق فى ظل ما هو متوافر حالياً من معلومات حول هذا الحادث. على المستوى الشعبى، تقدم 6 نواب بمجلس الشعب من الحزب الحاكم والمعارضة والمستقلين بطلب عاجل لعقد اجتماع طارئ للجنتى الشئون العربية والعلاقات الخارجية لبحث الحادث. وأكد النواب أن هذا الحادث يحمل مدلولات وأبعاد خطيرة فى هذا التوقيت وأن هناك تعمداً وسوء نية من الجانب الإسرائيلى لارتكاب هذا الحادث الذى يعد انتهاكاً ومخالفة خطيرة لمعاهدة السلام وملاحقها وطالبوا أيضاً بتوفير الحماية الكافية للجنود المصريين على منطقة الحدود لمنع تكرار هذا الحادث مرة أخرى. تعد الحادثة التى قتلت فيها دبابة إسرائيلية ثلاثة جنود مصريين على الجانب المصرى من الحدود مع قطاع غزة المحتل، هى الأخطر منذ توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل فى مارس 1979 كما أدى مصرع الجنود الثلاثة فى قصف إسرائيلى على الحدود بين مصر وقطاع غزة إلى إحياء دعوات المعارضة المصرية، إلى ضرورة إعادة بحث اتفاقية كامب دافيد للسلام بين مصر وإسرائيل، والتى ترى المعارضة المصرية أن بها شروطاً مجحفة خاصة فى الترتيبات الأمنية على الحدود. ويقول نواب معارضون فى مجلس الشعب إن الاتفاقية تقلل من السيادة المصرية الحقيقية على المنطقة "سى" الحدودية، حيث تنص الاتفاقية على وجود قوات للأمم المتحدة والشرطة، وينص البند الثانى من الملحق الخاص بالمنطقة "سى" على أن تسليح الشرطة المصرية يقتصر فقط على الأسلحة الخفيفة والقيام بمهام الشرطة العادية.
ويرى المطالبون بتعديل اتفاقية كامب ديفيدن أن هذا النص يحتاج إلى مراجعة، خاصة أنه يضع الشرطة المصرية على الجانب المصرى فى مواجهة قوات الجيش الإسرائيلى على الجانب الآخر. ويرى النواب الذين طالبوا بعقد اجتماع عاجل للبرلمان بضرورة أعمال نصوص القانون الدولى واتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، بما فى ذلك دفع تعويضات مناسبة وإجراء تحقيق رسمى وتقديم المسئولين عن الحادث إلى المحاكمة، يذكر أن الاتفاق ينص فى البند الحادى عشر من المادة الرابعة على أنه يجوز بناء على طلب أحد الطرفين إعادة النظر فى ترتيبات الأمن المتفق عليها وتعديلها باتفاق الطرفين. ولم يحدث شىء.
نواب مجلسى الشعب الشورى بسيناء، طالبوا أكثر من مرة بتوفير الحماية الكافية لجنودنا على الحدود واتخاذ خطوات جادة ضد إسرائيل، خاصة عندما قتلت الموظف المدنى حميدان أبو جراد وابنة أخيه سماح مطلع هذا العام.
* اقرأ تاريخ شهدائنا على الحدود
استمرار البحث عن قتلة الشهيد المصرى على الحدود بسيناء
الأربعاء، 09 يوليو 2008 03:55 م