فتحى الشوادفى

المسيرى: بساطة الإنسان وعمق المفكر

الإثنين، 07 يوليو 2008 12:12 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يكن الدكتور عبد الوهاب المسيرى مجرد مفكر عربى قدم للمكتبة العربية والإسلامية ما يزيد عن خمسة وأربعين عنوانا، نصفها تقريبا عن اليهود والصهيونية، ولكنه حالة إنسانية تمتعت بخصائص مميزة تفاعلت معاً لإنتاج سلسلة من المواقف والأفكار، التى شكلت سيرة الدكتور المسيرى وحددت مكانته الفكرية والسياسية، وهى مكانة فريدة ومميزة ندعو الله ألا يستمر فراغها كثيراً بعد رحيل الإنسان العظيم عبد الوهاب المسيرى، ويدرك الذين تعاملوا مع الدكتور المسيرى عن قرب وأتيحت لهم فرصة التعرف على الإنسان عبد الوهاب المسيرى أن سمات المسيرى الإنسان هى التى شكلت المسيرى المفكر، وعلى رأس هذه السمات الإنسانية التواضع الشديد والبساطة واحترام الذات واحترام الآخر.

على مستوى شخصى المتواضع، فقد تولد عندى هذا الرأى فى أول حوار أجريته مع الدكتور المسيرى، حيث دعانى إلى منزله فى مدينة نصر وحدد لى الموعد والعنوان، وكان العنوان يتضمن النزول من المترو عند كلية البنات والوصول إلى معرض قاصد كريم ثم شارع كذا، الذى يقطن فيه الدكتور المسيرى. وباعتبارى شرقاوى طيب وعلى نياتى حفظت العنوان والتزمت به حرفيا وركبت المترو ونزلت عند كلية البنات، وسألت عن معرض قاصد كريم ووصلته، وعندما سألت عن شارع كذا لم أعثر عليه، وحاولت أكثر من مرة إعادة ترتيب وتركيب الوصفة، وهى النزول من المترو وكلية البنات والمعرض والشارع، وفى كل مرة يتأكد لى أنى نزلت من المترو عند كلية البنات ووصلت إلى المعرض ولكنى لا أجد الشارع.

وعندما فشلت فى اكتشاف الشارع أو حتى اختراعه وبعد مرور قرابة الساعة على موعدى المحدد، قررت الاتصال بالدكتور المسيرى لاعتذر له وأهلت نفسى للتأنيب وخسارة علاقة صحفى بمصدر من أهم مفكرى العرب والمسلمين، وهى العلاقة التى لم تكن قد بدأت بعد.

ولما اتصلت بالدكتور وشرحت له ما حدث فوجئت به يضحك، وقال لى "هو أنت وقعت فى المطب دا "؟ وهو أن فى مدينة نصر كليتين للبنات - الأزهر وعين شمس - وبجوار كل منهما معرض اسمه قاصد كريم، وطلب منى الدكتور المسيرى الانتظار مكانى وحضر بنفسه بسيارته ليأخذنى لمنزله، وأجريت الحوار بعد إكرام الضيف والترحيب الذى شاركت فيه زوجته السيدة الدكتورة هدى حجازى.

أهمية هذا الموقف أنه كشف لى كما كشف للعديد ممن تعاملوا مع الدكتور المسيرى عن قرب، مدى بساطة الرجل واحترامه للآخرين حتى لو كان صحفيا مبتدئا لن يضيف أى شيء يـُذكر لرجل فى حجم وشهرة ومكانة الدكتورعبد الوهاب المسيرى، وأتصور أن هذه البساطة هى سر تركيبة الدكتور المسيرى بشكل عام، سواء فى حياته الشخصية المفعمة بالإنسانية واحترام الذات والآخر، أو فى حياته العامة كمفكر لا يضاهيه أحد فى مجاله، فالبساطة عند المسيرى منهج حياة ومنهج تفكير أيضا لم تمنعه من التعمق فى الفكرة والتعمق فى الكتابة، وهذا هو سر المسيرى، فالبساطة لا تعنى التسطيح أو الاستسلام للدلالات المصطعنة.

وتلك البساطة عند المسيرى المفكر هى ما جعلته دائما يبدأ بتحديد المصطلح درءاً للالتباس، وأزعم أنه ما من عمل قدمه المسيرى للقارئ العربى خلا من البدء بتحديد المصطلحات بشكل أو آخر، وهو التحديد وربما التبسيط الذى يجعل رحلة البحث عن المسيرى واضحة لا تحتمل التأويل وغير متشعبة أو مضللة للقارئ، كما أنها ميزت المسيرى صاحب المواقف الصلدة والذى اختلف بشدة مع عشرات المفكرين والسياسيين بدون إساءات، وجعلت خصومه يسجلون احترامهم له ويتخذون منه خصما شريفاً .

وهذه البساطة التى جعلت المسيرى عبر رحلة التحولات الفكرية التى مر بها لا تدفعه إلى عداء أو كراهية ما كان عليه، فالإسلامى عبد الوهاب المسيرى لا يجد غضاضة فى التمسك بالمنهج الماركسى الإنسانى، والمسيرى الداعى للتحرر العربى لا يتخذ موقفا عدائيا من الحضارة الغربية، بل يكتفى بأن يكون ناقداً موضوعيا غير منبهر بها ولا عدو لها. رحم الله الدكتور المسيرى الذى رحل فى وقت كنا فى أشد الحاجة لوجوده معنا.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة