فى الجزء الثالث من الحوار مع المفكر القبطى هانى لبيب، يتناول بقدر كبير من الصراحة والشفافية الحوادث الأخيرة بين المسلمين والمسيحيين، محذراً من تفاقم التوتر الطائفى بين الجانبين، ويقترح الحلول العاجلة المتمثلة فى وقف الكتابات المشعلة للفتنة، إذا كانت تنطلق من داخل مصر.
دير أبو فانا.. ما حقيقة المشكلة؟ وما الوضع بعد إلقاء القبض على متهمين جدد؟
أنا أرى أن التوتر الطائفى فى مصر لن ينتهى بل سيزيد، لسببين، هما "تغيير الدين" و"بناء الكنائس الجديدة". مشكلة حرية العقيدة حتى الآن غير محسومة. فالمسيحى حينما يتجه إلى الإسلام، يجد سهولة فى تغيير أوراقة. أما إذا فكر فى أن يعود للمسيحية، فلن يستطيع. لابد من إقرار حرية العقيدة. وكذلك الحال مع مشكلات 4 آلاف بهائى مصرى، ذووهم مسجلون فى الأوراق الرسمية كبهائيين، ولم يسجل الأبناء بالدين الذى ولدوا عليه، بل سجلوا كمسيحيين أو مسلمين. ذلك تزوير من قبل الدولة.
المشكلة الأخرى تعود إلى بناء الكنائس. لابد من وجود قانون عام وشامل ينظم بناء دور العبادة. وبما أن الكنائس لا تستطيع البناء بنفسها، فهى تقوم بالتحايل على القانون. مشكلة دير أبو فانا هى فى الأساس مشكلة نزاع على أرض: الكنيسة تقول إنها ملكها، والعربان يقولون ذلك أيضاً. وبالطبع لابد من سقوط ضحايا. المسلم الذى قتل لم يمت بأيدى الرهبان. فى تقديرى أن ما جرى هو أن الدير لجأ إلى مقاول، جاء بالفعل مع "رجالته" وأسلحتهم وجرى ما جرى. وحتى الآن لم يثبت أن الرهبان حملوا السلاح.
لكن المحامى قال فى برنامج العاشرة مساءً، إنه لا يوجد نزاع على الأرض وأنها مملوكة للدير؟
حتى الآن لا توجد ورقة تثبت ذلك، لأن الدير اشترى من واضع يد وليس من الدولة.
العقود إذاً ليست رسمية؟
نعم، الكنيسة اشترت الأرض من واضعى اليد. دير أبو فانا مشكلة وستمر، وما سيبقى هو الحاجة الملحة لتقنيين بناء الكنائس، ولا يجوز ترك الموضوع على هذا النحو. محافظ المنيا اللواء أحمد ضياء الدين لا يزال يتعامل بمنطق مساعد وزير الداخلية، وله تصريحات حول هذا الشأن "زى الزفت". المحافظ السابق عليه، فؤاد سعد الدين، تعامل فى يناير الماضى مع أزمة سابقة لدير أبو فانا وكانت بخصوص بناء سور، والبعض وقتها قال إن الدير "تعدى" على أرض الغير. عموماً، هذا السور تم هدمه.
فى رأيك، هل سيزداد هذا النوع من الأحداث؟
نعم، هذا مؤكد.
هل تربط ذلك مع الحوادث الأخيرة فى الإسكندرية والزيتون؟
لا، ليس هناك أى رابط بينها. هذه الحوادث غير منظمة.
إذاً ما المشكلة؟
المشكلة هى أن الناس يتعاطفون مع تحويل الدين. إليك هذا المثال: أنت مسلمة وتجدين قبطيا يود الدخول فى الإسلام. تشعرين أنه من واجبك "الدينى" مساعدته، والعكس صحيح، وكثيراً ما نجده بيننا كمصريين. إليك مثلاً ثانياً من شبرا: شخص يدعى "رومانى" معروف أنه نصاب وله مواقف كثيرة تثبت ذلك ومعروف فى منطقته بذلك. لكنه حينما أشهر إسلامه، قام الناس بتجميع نحو 27 ألف جنيه لمساعدته وألبسوه "جلبابا" أبيض، وحملوه على كرسى وطافوا به فى الشارع. وبعدما انتهت أمواله، طلب من أهل منطقته أموالاً أخرى، فقالوا له: "لا". فقال لهم: "أنا راجع الكنيسة...". هذا هو المجتمع المصرى، المواطن يعتقد أن تحويل الآخرين لدينهم يحقق له مكسباً عند الله. قديما حينما كان الشيخ الشعراوى يهاجم المسيحيين فى التليفزيون المصرى، وكان يترجم موضوع زوجات المسيح، لم يرد عليه أحد. لكن تدريجياً، ظهر الأب زكريا بطرس يهاجم الإسلام، ثم ظهر فى المقابل زغلول النجار ومحمد عمارة، وحينما يموت زكريا بطرس سيظهر غيره.. "الكرة فلتت" ولا يستطيع أحد إيقافها.
كيف كان يمكن أن يتوقف هذا التشاحن، فى رأيك؟
بمنع إذاعة حلقات الشعراوى، التى يهاجم فيها المسيحيين فى التليفزيون المصرى من البداية. وأن تقوم جريدتا الأهرام والأخبار بوقف الكتابات المسيئة للمسيحيين لعمارة والنجار.
وفى المقابل هناك زكريا بطرس..
نعم، وأنا ضده. لكن زكريا بطرس يهاجم من خارج مصر، وهو رد الفعل وليس الفعل نفسه.. أما د. عمارة وزغلول النجار وأبو إسلام أحمد عبد الله فهم يكتبون ويهاجمون من داخل مصر.
ود. سليم العوا..د. سليم العوا والمستشار طارق البشرى، تحولا إلى أصحاب مواقف حادة من المسيحية بعد قصة وفاء قسطنطين. واستخدما فى هذا لفظ "الكنيسة تلوى ذراع الدولة" لكنهما لا يزدران بالكنيسة أو المسيحية. أما أبو إسلام أحمد عبد الله فقد أنشأ مركزاً لتعليم الشباب مواجهة التنصير، وموقعه على النت فى غاية السوء. فقد كتب مقالاً قال فيه "لو المسلمون تجمعوا وبصقوا بصقه واحدة على أقباط مصر لأحرقوهم". ذلك الموضوع كان ينبغى أن يتوقف من بدايته.
نريد روشتة للعلاج، خطة عملية يمكن تنفيذها ..
بصراحة الذى كان مكبوتا انفلت. قديما كان المسيحيون لا يردون على هذا النوع من الخطاب، لكن بعد ظهور زكريا بطرس، بدأوا يتشجعون ويردون وشباب الأقباط "تجاوزوا كثيراً" على الإنترنت. أنا وجدت مصريين يشتمان بعضهما بوقاحة على الإنترنت. قال المسلم: "شوف القس بيعمل إيه مع أمك أو أختك حينما ينقطع النور، فرد عليه القبطى: "شوف الرسول اتجوز كام مرة"، لم يعد هناك مجال للاحترام، والحوار المتحضر أصبح غير موجود، والشارع أصبح مناخه طائفياً. وأى شخص يلاحظ ذلك من معاملة السيدات غير المحجبات، خاصة فى مترو الأنفاق. اليوم أصبحنا نجد وعاظاً فى عربة السيدات، وكذلك فى عربات الرجال... والمشكلة الأكبر أن الأعلام لا يتناول هذه الأمور، وبدأنا نعرف تفاصيل الحوادث الطائفية من الإنترنت قبل الصحف. أعود وأقول لك إن د. سليم العوا والمستشار طارق البشرى اختلفا مع الكنيسة، لكنى أحترمهما للغاية، لأن خلافهما هو خلاف فكرى لا ازدراء فيه.
هانى لبيب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة