محمد الجالى

رسالة من"البدو" للأقباط

السبت، 05 يوليو 2008 12:10 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذه الرسالة وصلتنى عبر البريد الإليكترونى من الصديق أيمن شويقى، الناشط الحقوقى وعضو مجلس محلى مركز مطروح، معبرا عن أصوات البدو الثائرة،ومحذرا من عواقب إشعال الفتن بين البدو والأقباط، على خلفية أحداث "دير أبوفانا" الأخيرة بالمنيا. الرسالة أنشرها كما هى، دون تعليق، وسأرجئ الرد عليها إلى مقال لاحق بإذن الله.

الصديق الأستاذ...
عقب أحداث دير "أبو فانا" الشهيرة، بمحافظة المنيا، انطلق الإخوة الأقباط فى حملة شبه منظمة للتأليب والتحريض ضد كل من ينطبق عليهم وصف "البدو" أو "الأعراب" أو "العربان" وتصويرهم وكأنهم كائنات مجهولة أو غريبة أو دخيلة على هذا الوطن، أو كأنهم نبت شيطانى يجب استئصاله وأنه قد آن الآوان لتأديبهم وإدخالهم بيت الطاعة ذليلين صاغرين، بسبب فعلتهم هذه وهو ما آثار استياء واسعاً فى أوساط المجتمعات البدوية المنتشرة فى معظم محافظات مصر، خاصة الحدودية منها, ومما آثار الدهشة أنه وفى نفس الوقت الذى يشكو فيه الإخوة الأقباط من كونهم أقلية مهمشة، ولا يكفون عن إظهار أنفسهم فى مظهر الضحية على طول الخط، أن يقوموا بلعبة (تبادل للأدوار) وأن يحاولوا أن يقوموا بإعادة إنتاج نفس الممارسات التمييزية، التى يعانون منها وتوجيهها نحو البدو,

فرغم أن الجميع يعلم أن هذه الأزمة ناتجة عن نزاع عادى، حول قطعة أرض- يحدث مثله فى كل يوم وفى كل مكان وحتى فيما بين أفراد الأسرة الواحدة وينتج عنه آثار أكبر من ذلك، إلا أن قيادات الكنيسة تصر على تصوير هذا النزاع على أنه طائفى، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ خطيرة, ورغم أن أهالى المنطقة من البدو، هم الذين سقط منهم قتيل برىء على أيدى الإخوة الأقباط- لم يجف دمه بعد- تاركاً وراءه ثلاث بنات لا بواكى لهن، أكبرهن لم تكمل عامها الرابع بعد؛ إلا أن من يرى المشهد وسط هذا الضجيج والصخب وسحب الدخان، يظن للوهلة الأولى أن الإخوة الأقباط يتعرضون لاضطهاد منظم على أيدى هؤلاء البدو الذين يجرى وضعهم فى صورة الخارجين على القانون، ومن ثم مطالبة الدولة -بطريقة استفزازية- بعدم السكوت عليهم، واستخدام إمكانياتها المختلفة لوضع حد لممارساتهم، ولا مانع من استدعاء واستخدام مفردات من نوعية (الضرب بيد من حديد وما شابه..)

ورغم العديد من محاولات التهدئة وضبط النفس، التى بذلتها القيادات السياسية والاجتماعية للبدو فى المنطقة؛ إلا أن تهمة "التواطؤ مع الأمن" مازالت موجهة إليهم. ونحن نوجه نداء للعقلاء من قيادات الأقباط بأن يتعاملوا مع مثل هذه الأزمات بموضوعية وعقلانية تتطلبها مثل هذه المواقف الصعبة، وألا يحاولوا معالجة الأزمة بخلق أزمة جديدة نحن فى غنى عنها تماماً، وألا يحاولوا صناعة المزيد من الأعداء لهم وأن يتخلوا عن نغمة التلويح بالاستقواء بالخارج أو بالداخل، والتى لا يتقبلها أحد، ولا نريد أن نخوض فى تفاصيل مثل هذه الأساليب، التى وصلت إلى حد تهديد البدو البسطاء فى منطقة الدير بقرب الانتقام منهم، خاصة بعد الغزو الأمريكى للعراق, فلا يليق أبداً بمن ينادى بحقوق المواطنة أن يمارس مثل هذه الأساليب مع شركاء له فى هذا الوطن,

فرغم أن المجتمعات البدوية فى العديد من محافظات مصر، قد ينطبق عليهم وصف "أقلية" طبقاً للتعريفات الدولية لهذا المصطلح؛ إلا أن هذه الكلمة البغيضة لم تستهويهم قط، ولم تجد لها مكاناً فى قاموس حياتهم، مهما كان حجم ما يتعرضون له من ضيم، ولا يوجد فى ثقافتهم أى عقد مرتبطة بهذه الكلمة المشبوهة. وحتى عندما تعرض البدو فى سيناء- تلك البقعة الغالية من الوطن- للعديد من التجاوزات غير المقبولة فى المجتمعات البدوية، ورغم خروج بعض الأصوات المغرضة، التى وصل بها الشطط إلى محاولة التشكيك فى وطنيتهم، فإن البدو فى جميع أنحاء مصر، رغم شعورهم بالقلق تجاه هذه الأحداث المؤسفة، علاقتهم بالوطن لم تهتز قيد أنملة، فعلاقة البدو بالوطن هى علاقة قوية ترتبط بكرامتهم وحياتهم وعقيدتهم،

وتستحق الكثير من التضحيات الغالية، وأكبر من التوقف عند صغائر الأمور, فالبدو ما زالوا من الفئات القليلة التى أعطت لهذا الوطن أكثر مما أخذت، فمازالوا هم المرابطين على ثغوره والأمناء على تخومه، وهم بمثابة البشرة الخارجية التى تحمى الوطن وتنوب عنه فى تحمل الخطر، وهم الذين يشهد لهم التاريخ بمواقفهم الحقيقية المشرفة فى أوقات الشدة، والتى لا يحبون أن يتغنوا بها فى الوقت الذى يتغنى فيه الكثير ممن لن ينال منهم الوطن خيراً. ودعوتنا فى النهاية لجميع الغيورين على هذا الوطن بأن يتحملوا مسئوليتهم الكاملة فى الحفاظ على سلامة بلدنا العزيز مصر، وألا ننساق وراء الدعاوى المغرضة وألا ننزلق وراء أحداث صغيرة لا تذكر بمعايير التاريخ والجغرافيا، حتى لا نسهم- دون قصد- فى تفتيت صخرة الوطن الصلبة وتحويلها إلى كومة تراب، خصوصا فى هذه المرحلة الخطيرة التى يعيشها العالم من حولنا، وفى ظل عودة ظهور شبح الاستعمار مرة أخرى، والذى أصبح يطل علينا بمشاريعه التقسيمية العلنية عبر جميع أقطار وطننا العربى الكبير.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة