حيرتنا وحيرت الوطن العربى بأكمله.. جماعة دعوية إصلاحية تعتنى بالمسلم وترشده للطريق الصحيح والتمسك بتعاليم الإسلام.. أم جماعة سياسية تريد أن تكون تنظيماً سياسياً يسعى بشكل سلمى للوصول إلى السلطة وفق قواعد الديمقراطية.
لو كانت الأولى ما كانت قد دخلت براثن السياسة ودهاليزها ومؤامراتها بل وتحالفاتها التى تنقلب فى أى لحظة، ولو كانت الثانية لما شككت فيمن يريد الانتماء إليها، ولما تعاملت معه بحذر شديد ووضعته تحت المراقبة والاختبار حتى تتأكد من ولاءاته واتجاهاته. ألا يضع ذلك علامات استفهام على جماعة تقول أو تريد أن تكون تياراً شعبياً؟
إذا كانت جماعة الإخوان قد هدمت حصون الأحزاب السياسية وهاجمت الحزب الوطنى فى عقر داره فى كثير من المواقع فأزاحت أكبر (عتاولته) فى الانتخابات الماضية، ومثلت نفسها فى البرلمان بنسبة ليست بالقليلة. فالمفروض أنها بذلك وبعد ثقة الناس فيها يجب أن تلتحم بالناس وتذوب مع الشعب، لتكون لسانه الذى ينطق به وعينه التى يرى بها. تبحث عن مطالبه كى تحققها مهما كانت، وترفع عنه أحزانه وآلامه.
وكيف يكون ذلك ومازالت الجماعة ترى فى نفسها جنساً نقياً صافياً طاهراً يجب ألا يخالط أجناس الشعب المصرى حتى لا يصيب ثوبها الشوائب، فجعلت من نفسها جهازاً مخابراتيا لا يقل شراسة عن أعتى الأجهزة دقة وحرصاً فى مراقبة ومتابعة الأعضاء المنضمين حديثاً.
فهذه المراقبة والمتابعة والتجسس تأتى وكأنها (جهاز لكشف الكذب) لكل من يريد الانضمام للجماعة. هذا الجهاز يؤكد أن الجماعة مازالت عاجزة عن التخلى عن بعض هواجسها، والتى اكتسبتها عبر مراحلها التاريخية خوفاً من الاختراق، كما صنعت حالة من القلق والريبة داخل أوساط عامة المثقفين والمفكرين عن حقيقة مآربها التى تجعلها تضع عراقيل وحواجز أمام انضمام الأعضاء الجدد وعدم قبولهم بسهولة، بل واعتمادها على النشء من أبنائهم الذين يتربون داخل الجماعة منذ نعومة الأظافر، حيث تكون فى تمام التأكد والثقة منهم.
هذا كان سؤالاً وجهناه من قبل للنائب الأول للمرشد العام د. محمد حبيب عن حقيقة العضوية والشروط للانتماء للإخوان بعد أن حققت نجاحات كبيرة، وتؤكد أنها تريد أن تعمل فى النور وتحقق آمال وطموحات الشعب المصرى.
جاء الرد دبلوماسياً عابراً، حيث لم ينف فيه د. حبيب أن الانضمام للإخوان ليس بالأمر السهل واليسير لجموع المصريين، مؤكداً أن هناك بعض الشروط والقواعد لانضمام الأعضاء الجدد، ومنها اجتياز بعض البرامج التثقيفية وغيرها، ويمكن اعتبارها فترة اختبار قد تستغرق أعواما وبعدها يتم قبول العضو داخل الجماعة، وذلك حتى يتسنى التأكد من صدق بعض الدخلاء والمدسوسين، وهذا لأننا فى المقام الأول "غيورون" على فكرنا واستمرار جماعتنا.فالضربات التى تم توجيهها للجماعة سواء فى 1948 و54 و65 كانت كفيلة بالقضاء على أى جماعة أو حتى حزب آخر منظم وقوى.
كلام د. محمد حبيب قد يكون منطقياً نظراً للخوف الشديد من الضربات الأمنية لأعضائها، حيث إنها مازالت محظورة. لكن فى نفس الوقت مراقبة الأعضاء الجدد لسنوات تشكك فى نوايا الجماعة ومدى رغبتها فى الالتحام بالناس دون تحفظات.
ومن هنا كان لضياء رشوان الباحث فى شئون الحركات الإسلامية بالأهرام رأى، حيث أكد على أن نجاحات الإخوان الواسعة وتواجدهم البرلمانى، حول الجماعة التى ظلت لعقود طويلة من الزمن محظورة أو شبه سرية مغلقة على أعضائها الذين تختارهم هى بالطرق المعتمدة بداخلها إلى جماعة سياسية علنية، عليها أن تكون مستعدة للبت فى مثل ذلك الطلب الشخصى للانضمام إليها من كل أو بعض هؤلاء المصريين الذين أعطوا مرشحيها أصواتهم، دون أن يكونوا أعضاء فيها، ويعنى ذلك أن تصويت المصريين الواسع لمرشحى الجماعة يعطى لهم الحق فى معرفة طبيعتها الحالية بصورة علنية، ويكفل لهم حقاً آخر وهو معرفة الأسس التى يمكن لهم الانضمام إليها والشروط الواجب توافرها فيمن يقبل عضواً بها.
وربما كان مقبولاً فى المراحل السابقة من تاريخ الجماعة قبل هذا التفويض الشعبى الواسع بأن تخفى المعايير والشروط التى تجند بها الأعضاء الجدد فيها بحكم طبيعتها كجماعة "نخبوية" تختار هى من تريد، ولكن هذه المرحلة وما بعد نجاحاتها ووصولها للبرلمان، فإن ذلك يفرض على الجماعة أن تعلن بدون مواربة تلك المعايير والشروط التى تقبل بموجبها انضمام أعضاء جدد إليها.
كما أن هناك تساؤلات تنتظر الإجابة من الجماعة، وهى: هل من الضرورى لمن يقبل عضواً بالجماعة أن يتفق مع رؤيتها العامة لمراحل تاريخها منذ قيامها؟ أم أنه يملك الحق فى الاختلاف مع تلك الرؤية التاريخية مع اتفاقه مع رؤيتها الفكرية والسياسية المعاصرة؟ وهل من حق أى مواطن مصرى يرغب فى الانضمام للجماعة أن يختلف مع شعارها الانتخابى "الإسلام هو الحل" مع اتفاقه مع غالبية أفكارها الأخرى وأن يعلن صراحة رغبته فى تعديل هذا الشعار؟
وهل من الضرورى لطالب عضوية الجماعة أن يكون مسلماً أم أن عضويتها مفتوحة لكافة المصريين بغض النظر عن ديانتهم؟ وهل من شروط الانضمام للجماعة توافر سلوكيات معينة فى الشخص مثل أن يكون ممتنعاً عن التدخين والجلوس على المقاهى؟ وهل تقبل الجماعة من المصريين أعضاء فيها ممن يعملون فى مهن بعينها مثل التمثيل والموسيقى والغناء والمسرح والفن التشكيلى والتصوير؟ أم أن عليهم أولاً تغيير هذه المهن؟
فكل تلك التساؤلات تصب فى اتجاه واحد، هو ضرورة أن يعرف المصريون (من هذه الجماعة) بصورة علنية، حيث طبيعة الشروط المتعلقة بالشروط الفكرية والسياسية. وأضاف د. ضياء رشوان أن على الجماعة الآن أن تفتح أبوابها ونوافذها لكى يطل المصريون الذين أعطوها ثقتهم الواسعة على ما يجرى بداخلها، ويدخل من أراد منهم إليها لكى يصبح عضواً بها.
