الشاعر يحيى جابر: أحب الجماهير أثناء نومهم

الخميس، 31 يوليو 2008 10:26 م
الشاعر يحيى جابر: أحب الجماهير أثناء نومهم الشاعر يحيى جابر أثناء الحوار
حاوره كريم عبد السلام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تتوقف الملاحقات القضائية للشاعر اللبنانى يحيى جابر، ليس لأنه يخالف القانون، وإنما لأنه شاعر بدرجة مشاغب، ساخر كبير، ويرى تفاصيل الحياة والعلاقات من حوله بهذه العين الطفولية الساخرة.
توقف الشاعر يحيى جابر عن كتابة الشعر لفترة، فأطلق على نفسه لقب "شاعر سابق"، ثم قرر فجأة أن يصدر مجلة منوعات ونميمة، جلبت عليه العواصف والملاحقات القضائية، حتى أصبح نجما فى المحاكم.
عندما زار القاهرة عام 1994 عمل ملفا أسماه "القاهرة أم الدنيا أم أرملة العواصم" فثارت عليه الدنيا ولم تقعد لدرجة إطلاق شائعة عن منعه من دخول مصر، ويقول عن ذلك: يكفى أن أحضر ندوة أو مهرجانا بهذه العاصمة العربية أو تلك، لأوضع بعدها على القائمة السوداء، وللسبب نفسه أصدر كتابه "عواصم من خطأ"
فاز يحيى جابر بجائزة رياض الريس للشعر عن ديوانه الأول "خذ الكتاب بقوة"، وبعده توالت دواوينه وكتبه: "الزعران، كلمات سيئة السمعة، ابتسم أنت لبنانى، بلادى، للراشدين فقط، كأننى امرأة مطلقة".
اليوم السابع التقى يحيى جابر على هامش مهرجان لوديف الشعرى، وكان الحوار التالى...

يحيى، لماذا توقفت عن الشعر ولماذا عدت إليه؟
ببساطة أنا شخص أحب الكتابة ولا يعنينى لقب شاعر، فأنا الذى أقرر متى وأين وكيف أكتب قصيدتى، ليس تحت إلحاح ناقد أو قارئ أو امرأة، وتوقفى لم يكن عن كتابة الشعر، ولكن عن نشر الشعر بعد أن اكتشفت أننى قد أكرر نفسى.

ما الذى تغير لتعود للشعر؟
أطلقت على نفسى وصف "شاعر سابق" وعدت تحت إلحاح الجماهير (يضحك) والقراء ونزولاً عن رغباتهم، وهؤلاء الجماهير والقراء ليسوا سوى أحاسيسى.

لماذا تهاجم هيفاء وهبى؟ هل تحقد عليها لنجوميتها؟
بالنسبة لى احترم جمال هيفاء وهبى كما أحترم جيفارا، كلا فى ميدانه ولا فرق بين اثنين يريدان تجميل هذا العالم، وأختلف مع هيفاء ومع جيفارا عندما يتحولان إلى سلعة، سلعة ثورية أو سلعة فنية، هيفاء امرأة جميلة فقط لا غير، ليست مطربة وليست فنانة، وجيفارا حالم كاد أن يقتلنى مجاناً، ومسألة النجومية برأيى لا تستحق التوقف عندها، لأن كل فرد فى كل هذا الكوكب هو نجم بين خمس دقائق وعشر دقائق، والمفارقة أن الذين يدخلون التاريخ هما القاتل والضحية معا، يدخل نزار وهتلر التاريخ، كما يدخله سقراط ونيرون وكلهم خالدون.

ولكنك تنحاز دائما لنجمك المفضل؟
أنت تنحاز لمن هو النجم الآن، الطاغية أو الموسيقار، فالنجومية خرافة من الخرافات، وأقول إننى ضد التليفزيون الذى جعل كل الجماهير تتمنى أن يكونوا نجوماً، ونحن اللبنانيين مثل المصريين لنا خبرة فى هذا المضمار، مضمار صناعة النجوم، ومن باب السخرية أنا لست نجماً أنا قمر.

أنت مطالب بالكتابة فى أكثر من مكان، ألذلك تكتب فكرة قصيدة مقالا وتعيد المقال فى قصيدة؟
أحياناً تفلت رؤى شعرية أو مشروع رواية فى مقال صحفى، وعليه بما أننى سيد نفسى، أحياناً أكتب مقالاً تحت رغبة شعرية وأعيد صناعته كقصيدة، وأنا حر فى تحويل كتابتى إلى أى شكل أريد، قد أحول مقالاً إلى قصيدة وهذا حدث معى كثيراً أو العكس، وفى المقال الصحفى تقبض مالا، لكنك تعود وتنفقه على القصيدة، وهذا فى رأيى نوع من الخدمات المتبادلة.

هل تنجح القصائد – المقالات؟
لست عبداً للمقال الصحفى ولست عبداً للقصيدة، عشرات من المقالات الصحفية هى مشاريع قصائد وأنا كالعصفور السينمائى، أحمل على كتفى كاميرا خفية لا يراها أحد سواى، تصور وتسجل ويحق لى أن "أمنتج" ما أريد، وأن أعيد القصائد إلى مقالات أو المقالات إلى مسرحيات وهذا أنا لهواة التنوع، فالحاجة المادية أحيانا، تدفعك إلى هذا الانتقال السريع بين الأنواع المختلفة من الكتابة، خاصة وأنا أعتقد أن الكتابة غير مقدسة.

ما تصورك عن الشعر غير المقدس؟
نعم الشعر غير مقدس، كل الشعراء الذين يعتبرون أنفسهم مقدسين وأنبياء، يبدءون مأساويين، ويتعاملون مع أنفسهم على أنهم خارج الخطأ، والواحد منهم يؤمن أنه يجب أن يُعذر ويُحترم ولا يُجادل، بمعنى آخر أن يكون مقدساً، أما أنا فلا أقدس نفسى ولا شعرى ولا حتى لغتى،وحين أخطئ أعتذر لنفسى أولاً، وأتعامل مع الشعر بطفولة مطلقة فلا صواب ولا خطأ، ولا أومن بالمفهوم الذى يحدد الشعر، كأن يقول أحدهم الشعر هو كذا وكذا، لا يوجد عندى هذا المفهوم، وأنا أكتب ما أريد أينما أريد.

أنت مع القائلين بمبدأ الفن نوع من اللعب؟
تبت يدا الخليل بن أحمد الفراهيدى، حين نظم الشعر وحدد بحوره المعروفة، فالشعر كان ماشيا ولم يخترع أحد من الشعراء وصفة للكتابة، الشعر كان ماشيا يا أخى، فما الذى حدث؟ جاء الفراهيدى وقال أنا أختم البحور، وماذا بعد ختم البحور؟ أتى قتل الاحتمال والخيال، أى واحد يعرف بحرين من البحور الخليلية يكتب عليهما قصيدة أو ديوانا أو عشرين، ويستند إلى أنه ملتزم بختم الخليل، هذا لا علاقة له بالشعر.

ما اعتراضك على أن يلتزم شاعر بعروض الخليل؟
الشاعر يلعب، أى يبتكر ويتخيل ويضيف، لا يعمل حكما، إذا عمل حكما فليخرج من الملعب، أنا من المؤمنين بالملعب ولا أحب الفرجة ولا القيام بدور الحكم، وحتى تصنع شعرا جديدا لابد أن تكون فى الملعب ليس على مقاعد المتفرجين، أو على مقاعد الانتظار.

كيف تكتب، أو كيف تلعب؟
الكتابة تبدو بسيطة، فأنا أكتب بعفوية مطلقة، أكتب صفحات وصفحات وأتخلص من انفعالاتى، ولكنى أعود وأجلس للطاولة وأشذب ما كتبت، وتأخذ منى وقتاً طويلا، فهنا تأتى رحابة ما بعد اللعب وإعادة ترتيب ما خربت.

ماذا تكره فى الكتابة؟
أكره كل شاعر ناضج وكل امرأة ناضجة وأكره كل قصيدة ناضجة، فالنضوج عدوى اللدود، أنا فى منتصف الأربعينيات، وأصر على أن أكون ولداً يلعب ،ولدى ما يكفى من الخجل الداخلى، وخجلى هذا يمنعنى من احترام النجومية أو الأمسية أو المنبر، فأنا لست نخبويا ولست شعبويا أيضاً.

إذن أين تقف؟
أنا الذى تكرهه الجماهير ويكرهه النجوم، خاصة حين يتعاملون معى على أننى شاعر، أمة بأكملها لا تؤمن بالفرح تكره الضحك وإذا ضحكت تقول: الله يسترنا من الضحك، أو اللهم اجعله خيرا.
لكن إذا بحثت عن كلمة دم فى القصيدة العربية سيطلع معك شلالات، وإذا بحثت فيها عن الدمع ستجد فيضانات حتى الورود لا تزهر بقصائد هؤلاء الشعراء.

لكنى أعتقد أنك تخفى قناعا تراجيديا؟
هذا قناعى أتخفى به، ولا يمكن أن تدخل إلى حزن العالم إلا عبر الضحك، لا يمكن أن تفهم سر هذا الحزن العربى إلا عبر الضحك، خصوصاً فى منطقتنا، وفى لبنان لا يوجد عدو واحد أو صديق واحد، أعداء الأمس أصدقاء اليوم وأصدقاء اليوم أعداء الغد، من نكرهه الخميس نعبده نهار الجمعة، فالضحك بالنسبة لى مخرج طوارئ من الحرائق العامة، الضحك هو نجاتى.

ها أنت تعترف بحزنك ...
أنا الشخص الأكثر كآبة وحزناً ولا يمكن أن تقرأ اللغة العربية، وإلا ستقرأ كماً من السخرية فى كل لقطة راقب الغزلان التى تستلقى فى قصائد الحب العربية كلها رغم أن الغزلان لا توجد إلا فى محميات صغيرة عندنا، هناك من يكتبون عن طائر البطريق مثلاُ أو عن اللوتس، أحياناً الصور تكون ساخرة بطبيعتها، وأنا أسخر من الشعر العربى مضموناً وخصوصا من رواده الأبطال، وأسخر من نفسى أولاً.

أنت منحاز لمسرحة القصيدة؟
نتيجة علاقتى بالمسرح والفنون أرى المكان دائما ركنا من أركان القصيدة أو لنقل سينوغرافيا القصيدة، التى يجب أن يعمل عليها الشاعر، بأن يمسك بروح المكان، فلابد له من ملء الفراغ الذى هو القصيدة وعناصرها: المكان ـ الزمان ـ الحكاية، لكن المفارقة أن معظم الشعر لا يحمل حكاية، فالقصائد العربية معظمها عنوان ولا شىء تحته، تجد الشاعر يصرخ ويبكى: تحت عنوان مثل الوجع أو الألم، قائلا: أنا موجوع موجوع، دون أن يقول لنا مما يتوجع، هل يشكو من الصداع أم من السرطان أم ماذا؟ يجب أن يشعرنا بوجعه حتى نتألم معه، ينبغى أن نشم معه الورد الذى يشمه، وأن نتعرف على المرأة التى يتغنى بحبها.
الناس تقول "عطاك عمره" وهذه جملة شعرية بامتياز، ولذلك عندما أكتب أستلهم ما استطاع الناس العاديون تجسيده، فلا أقول عند الخوف ارتعب كأرنب، ولكن أقول: ارتعب كامرأة محجبة فى باريس أو كامرأة سافرة فى طهران.

أنت تلاحظ الناس وتعبيراتهم باعتبارهم مادتك الأساسية فى الكتابة إذن؟
بل أقول إن الشاعر جاسوس إذا لم يكتب تقريرا يوميا ويمرن ذهنه وحواسه سيفشل فى قراءة تعبيرات الآخرين، الشاعر جاسوس على نفسه أولا ويجب أن يكون جاسوسا مدربا ماهرا.

أنت ضد التجريب فى القصيدة؟
الذى لا يدفع الثمن لقاء موهبته لا يحق له أن يقول أنا هنا، أسهل شىء أن تكتب ما كتب سابقا، أو أن تكتب خواطر التجريب والغموض، لكن الصعب أن تكتب تجربتك، أن تراها أصلا، وهناك ريموت كنترول بين يدى القارئ ويدى الناقد فى الشعر عليه أن يقرر ويختار بين قنوات الشعراء، لكن ليس عليه أن يقرر قناة واحدة للشعر أو شاعرا واحدا.

ما شعورك عندما تمنع لك مقالات وكتب وتمنع أنت شخصيا من العبور إلى هذه الدولة أو تلك؟
لا أشك فى الكتاب الممنوع فى العالم العربى، بل فى الكتاب المسموح بطباعته، وأى عالم اجتماع سيعمل مقارنة بين المثقفين العرب سيجد أن المثقف النجم والزعيم النجم متشابهان سلوكا وخطابا ولغة، والصراع على الجماهير بين الاثنين.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة