دفعهم الحب والطمع فى الثواب والقربى من الله عن طريق الأولياء وأعتابهم الطاهرة، إلى الحضور أفواجا وجماعات بالآلاف من قرى ونجوع وكفور مصر لإحياء مولد السيدة زينب، معلنين ولاءهم لأهل البيت، ضاربين بأقوال العلماء التى تحذرهم من البدع و"الشركيات" التى يرتكبونها أمام المقام عرض الحائط، متمايلين مع أنغام الموسيقى والمديح فى صاحبة المقام وآل البيت، ملقين همومهم فى بحر الاحتفالات التى اجتاحت حى السيدة زينب.
تصفحت الوجوه، فوجدت شرائح عمرية مختلفة بدأت من أحمد على سعد ابن 6 سنوات، والذى أكد انه أتى مع والده من أقاصى محافظة قنا لينال البركات من المقام والمشايخ ويلهو مع أبناء عمه ويشتروا الهدايا. كما وجدت حضورا ملحوظا للشباب مثل سعد عطية محمود ابن الـ 20 عاما، والذى أكد أنه من أبناء محافظة أسوان، ويدرس بكلية التجارة، وأتى إلى المولد بدافع المتعة هو وأسرته، مشيرا إلى أنه سليل أسرة صوفية تربت على الالتزام بالصلاة وتعمير الموالد للعارفين بالله.
وعندما سألته عن مدى قناعاته بمثل هذه الموالد، أكد أن ما يقوم به من وقوف فى حلقات الذكر والتمايل على أنغام الموسيقى ومديح آل البيت، يمثل له متعة خاصة وتقربا لله، ولكنه كمتعلم وفاهم لدينه يرفض التمسح بالمقام أو السجود له، لأن ذلك يخالف أمر التوحيد الذى طالب به الإسلام. وعلى النقيض وجدت سيدة طاعنة فى السن حرصت على التمسح والسجود للمقام، وعندما اقتربت منها وحاولت التحدث إليها أعرضت عنى وأطلقت فى وجهى كلمة واحدة (دع الملك للمالك والعبيد للرب).
كما أرسلتنى أقدارى لدرويش يرتدى الملابس والعمة الخضراء يسقى الماء واللبن عند مقام السيدة زينب، وحاولت أن أتحدث معه فرحب بذلك، وأكد لى أن ما يحدث هنا ما هو ألا دليل واضح على تمسك المسلمين بدينهم، وعندما سـألته عن السياسة ورأيه فيما يحدث لنا من غلاء، أجاب: لا تفسد علينا فرحتنا فالسياسة رجس من عمل الشيطان وأمثالنا من أصحاب القلوب الطاهرة تأبى عقولنا أن تخوض فى أوحال السياسة، "وكان الله فى عون من يحكمون أنهم يتحملون أعباء معيشتنا".
أثناء تجولى بمولد السيدة اصطدمت بدرويش آخر مسرع الخطى عارى الجسد، يعلق عشرات السبح على صدره، فسألته لما لا ترتدى ملابس، فقال تغطية القلوب أولى من الجسد، فأطلق أحد المثقفين المارين ضحكات عالية كتعليق عملى على ما قاله الدرويش، فسألته ما تعليقك على ما تشاهده فى المولد، فقال أنا لست مقتنعا بما يحدث، فبادرته: فلم أتيت إلى هنا؟ فقال :لأرى الجهل وماذا يفعل بأهله، فقلت له :ألا ترى أنهم ناس بسطاء لا يعلمون شيئا ويحاولون التقرب لله بما يفعلونه؟ قال هؤلاء لا يحملون إلا الجهل فى عقولهم وما يفعلونه لا يزيد عن فلكلور شعبى لا علاقة له بالدين.
وكانت المفاجأة نزول سيدة تبدو عليها الثراء من سيارتها الفخمة الضخمة وهى تحمل فى يدها حقيبة مليئة بالأطعمة، وقامت بتوزيعها على الدراويش والفقراء، وعندما اقتربت منها وعلمت أنى صحفى قالت لى لا تصورنى واحترمت رغبتها، وأكدت لى أنها تأتى كل عام فى مولد السيدة لتوزع بعض النذور وتوزع الهدايا والأموال على الدراويش والفقراء، وقالت إنها تستشعر السعادة عندما تقوم بهذا العمل، "إنها عادة لن أقطعها مادمت على قيد الحياة"، واختتمت كلماتها بقولها: إن الحياة تجبر الكثير منا على ارتكاب الأخطاء ولعل فعل الخير فى هذه المواسم يكون مكفرات لهذه الذنوب.
وأثناء تجوالى بمولد السيدة زينب أوقعنى حظى فى رجل تظهر عليه الحكمة والوقار، فاقتربت منه وسألته عن شعوره وتقييمه للمولد، فرد على بلغته الصعيدية قائلا: المصريون ضاعت منهم الفرحة فى طابور العيش وارتفاع الأسعار وغرق العبارة ورحلات العذاب مع المواصلات، وفى الموالد فرصة أن يلقوا بهمومهم فى احتفالاتها وبهجتها، ويستشعرون أن قربهم من الله سيخلف عليهم سعادة الآخرة بعد أن فقدوها فى هذه الدنيا. وعندما سألته عما إذا كان يعمل بالسياسة أو ينتمى لأحزاب؟ قال الصوفى "الحق يترك مثل هذه الأشياء التى تلوث نفسه بالدنيا"!
احتفال مولد السيدة هذا العام كان من الضخامة بمكان، وشارك فى إحياء الليلة الكبيرة أكثر من 50 ألف شخص، حرصوا جميعهم على المشاركة فى حلقات الذكر والتمايل على أنغام المديح.. وأترككم مع مجموعة من الصور التى تجسد ضخامة هذا الاحتفال.
تصوير عمرو دياب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة