مات يوسف شاهين المخرج المصرى الأشهر عن 82 عاماً، تاركاً وراءه تراثا سينمائياً من 50 فيلما روائيا وتسجيليا، أودعها عشقه لوطنه مصر ومسقط رأسه الإسكندرية، ذلك العشق المغزول بالغضب ونبرة عالية من النقد، وعاش شاهين ستة عقود صنع فيها أفلاماً وأساطير.. وأيضاً أثار الكثير من المتاعب.
كان شاهين الذى لا تعرفه جماهير السينما فى أمريكا هو دوماً نجم المهرجانات السينمائية العالمية، حيث كان يمثل بأعماله قارة بأكملها هى أفريقيا، وديناً عالمياً هو الإسلام، على الرغم من كونه مصريا مسيحيا تعود جذور أسرته إلى لبنان واليونان.. كما عبرت أفلامه عن الصراع العربى الإسرائيلى، الذى بدأ بعد قيام دولة إسرائيل فى 1984 والذى يسميه العرب على النكبة.
جمع شاهين بين النزعتين القومية والعالمية، فقد عشق أفلام هوليود منذ أن كان شاباً صغيراً يدرس التمثيل فى "باسادينا" بلوس أنجلوس، وتعلم من الأفلام الأمريكية تكنيك الحركة والإيقاع السريع، مثلما تعلم النزعة الإنسانية الجسور فى أفلام الواقعية الجديدة فى إيطاليا ودفقات الرومانسية فى الأفلام الهندية فى عهدها الذهبى بعد الحرب العالمية. وفى أفلامه حشد آراء السياسة المختلفة، وكانت لغته السينمائية خليطا بين الأفكار التى اعتنقها والرغبة العارمة لإمتاع المشاهد.
وقد بدأ نجم شاهين فى الصعود أوائل الخمسينيات عندما كانت مصر تنافس الهند كهليوليود الشرق، إلا أن فيلمه "باب الحديد" كان علامة بارزة فى مشواره السينمائى، والذى صور الحياة القاسية التى تدور على هامش محطة السكة الحديدية فى جو يزخر بالمأساة والكوميديا، وكان شاهين هو الذى جسد شخصية بائع الجرائد المحب المقهور.
وبعد هذا الفيلم بعشرين سنة، بدأ شاهين ملحمته السينمائية الشهيرة إسكندرية ليه، ثم حدوتة مصرية (1982) وإسكندرية كما وكمان (1990) وأخيراً إسكندرية- نيويورك (2004) والتى تحكى قصة حياة شاب، هو فى الواقع شاهين نفسه، الذى يعشق شكسبير والأفلام الأمريكية، وتقول إحدى قريباته "هذا الفتى يعرف تماماً ماذا يريد، وسوف ينال ما أراده". إنها الرباعية التى تعد سيرة ذاتية الشاهين.
وأحب شاهين بلده ولكنه كان غير مهادن، وهاجم الأصولية والتعصب فى أفلامه وروج للقومية المصرية بفيلمه الناصر صلاح الدين، غير أنه عاد وصرخ فى وجه معشوقته مصر فى فيلمه العصفور وعودة الابن الضال.
والواقع أن أمريكا تخسر كثيراً بعدم تعرضها لهذا المخرج الذى صور فى أفلامه، وبأسلوب شديد ومتنوع، أحلامه وعبر عن آمال وآلام وثقافة شعبه ووضع أفلاماً برؤية "كوزموبوليتية" وإنسانية، ومع ذلك فهى لا تخلو من متعة المشاهدة.
وفى فيلمه حدوتة مصرية، أغنية جميلة حملت أشعارها مكونة قلب وفكر شاهين إذ تقول:
لا يهمنى اسمك .. لا يهمنى عنوانك ..
لا يهمنى لونك.. أصلك ..
يهمنى الإنسان.. ولو ما لوش عنوان..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة