فتحى الشوادفى

افتكاسات قبطية

الأربعاء، 30 يوليو 2008 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الملفت للانتباه أن الاحتفالات بذكرى ثورة يوليو العظيمة، شهدت هذا العام تراجعا ملحوظاً فى الحملة السنوية لجماعة الإخوان المسلمين ضد الثورة، مقابل تنامى حالة هياج من قبل بعض الأقباط المصريين، وصلت إلى حد وصف الثورة بأنها ثورة وهابية قام بها لصوص سرقوا أقباط مصر، وأنها ثورة قام بها متطرفون إسلاميون ضد المسيحيين، وأن الثورة عملت لحساب الإخوان أو أن الإخوان عملوا لحساب الثورة ضد المسيحيين، وبفضل الله وبفضل الوطن تصدى رجال الكنيسة المصرية الوطنيين لبعض مقولات الإفك المضحكة من نوع شر البلية ما يضحك.

المقولات التى صدرت عن أشخاص وصف أحدهم نفسه بزعيم أقباط مصر- ولا أعلم من أين حصل على اللقب – حولت ثورة يوليو وإنجازاتها إلى العدو الأول للأقباط، وهو نفس الدور الذى قامت به جماعة الإخوان بدعم أمريكى سعودى، حينما حولت ثورة يوليو العظيمة إلى عدو رئيسى للإسلام، وأن الهدف الأساسى من قيام الثورة هو هدم الإسلام تماما، كما اعتبر المفتكسون الجدد أن الثورة عدو رئيسى للمسيحية، وأن هدف قيامها هو القضاء على الدور الوطنى للأقباط وهو ما يدفعنى للظن أن بعض الأقباط بحكم الميلاد، أسند أليهم الدور الذى فشل فيه الإخوان المسلمين.

ولا أحد ينكر التاريخ الوطنى للمسيحيين فى مصر قبل الثورة، ولكن لا أحد يقبل طرحه على أنه حركة وطنية على أسس طائفية قامت بمعزل عن الحركة الوطنية المصرية، حتى تتكالب عليها قوى خارجية لا أعرف ما هو شكلها بتحريك ضباط الجيش للقضاء على الوجود الوطنى للأقباط، ولا يتنبه مفتكسو العهد الأمريكى أنهم بهذا الطرح يسيئون للتاريخ الوطنى للمسيحيين، باعتبارهم جزءا من الاستعمار أو جزءا خارجا عن النسيج الوطنى المصرى، الذى أنجب ثورة يوليو واستفاد من الثورة.

مجموعة الافتكاسات والافتراءات التى حاول بعض الأقباط المعروفين بميولهم، تجاوز حدود وجهة النظر إلى الكوميديا السوداء، خاصة وصفهم لثورة يوليو بالوهابية، فالوهابية اتخذت من ثورة يوليو وقائدها ورمزها عدوا، وأصدرت بحقه عشرات الفتاوى التكفيرية ومازالت تطارد تاريخها وأفكارها، ودارت حروب بين الوهابية والناصرية على أرض اليمن وحروب سياسية فى لبنان والمغرب العربى وداخل مصر، وحينما قرر السادات القضاء على اليسار المصرى وخاصة الناصريين، استعان بمندوبى الوهابية فى مصر، كما كان لعبد الناصر صداماته مع الإخوان، ولم نسمع عن سيد قطب مسيحى أو القبض على تنظيم مسيحى لقلب نظام الحكم.

وبخصوص ذكر الإخوان لا أستطيع منع نفسى من طرح التساؤل، وهو لماذا لم تتعلم حركة الافتكاس الجديدة من أسلوب عمل الجماعة المنحلة؟ ولماذا لم يحاول المفتكسون الجدد تنشيط دور المسيحيين المصريين سياسيا باعتبارهم جزء من النسيج المصرى؟ واقصد بالتحديد بدلا من التباكى على عدد الأعضاء المسيحيين فى مجلس الشعب، لماذا لا يتكرم علينا من يحمل ثورة يوليو وزر إبعاد المسيحيين عن السياسة والبرلمان، بأن يتحمل هو إعادة المسيحيين لوضعهم قبل الثورة، كما يراه هو وعليه أن يخبرنا عما قدمه للمسيحيين المصريين على الأقل فى إطار الخدمات الاجتماعية أو تشجيع بعض الرموز المسيحية بالتقدم للانتخابات، بدلا من أن يتم تعيينهم بموجب قانون أقره عبد الناصر أو دعم قدمه الإخوان لجمال أسعد؟ ولا يعنى اعتراضى على افتكاسات البعض عدم اعترافى بحقوق المصريين جميعا فى الوطن، وسبق لى أن قلت إن مصر وطن وليست مذهبا ولا دينا، ولا يعنى ذلك عدم اعترافى بأن النظام المصرى يتفنن فى اضطهاد المصريين مسلمين ومسيحيين، ولا أمانع فى نقد ثورة يوليو، إما إن يرفع البعض لافتة إعادة أموال وأراضى المسيحيين على وزن إعادة أموال اليهود، أو توصف ثورة يوليو بالوهابية، فى حين أن رافع الشعار وصاحب الاتهام هو نفسه راعى الوهابية قديما وحديثا.

رجال ثورة يوليو ليسوا لصوصا ولا وهابيين، ولكنهم أشرف من أنجبت مصر ولم يسرقوا مصر، بل أعادوها للمصريين من مستعمر أجنبى وإقطاعى أيا كان مذهبها أو دينها، وحينما أعادت الثورة توزيع الثروة، لم تنظر فى بند الديانة، وحينما بنت مصنعا لم تشترط أن يكون عماله من غير المسيحيين، وحينما فتحت أبواب التعليم المجانى أمام الجميع لم تستبعد المسيحيين، أما الأزهر وعلى الرغم من كونه قاصرا على المسلمين، فهذا لأنه فى الأصل مؤسسة دينية خففت الثورة من جرعة الدين لصالح العلوم الأخرى، وباختصار مصر لنا جميعا وليست للإقطاع وعملاء الاستعمار الجديد والقديم، حتى لو رفع بعضهم شعارات مسيحية أول من يتبرأ منها مسيحو مصر.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة