تصريحات باراك أوباما، مرشح الحزب الديمقراطى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، حول إسرائيل وأمنها صدمت ملايين العرب والمسلمين، الذين يُعَوِّلون عليه كثيرا فى "إنقاذهم"، وتخليص بلادهم من الاحتلال فى العراق وفلسطين وأفغانستان، ولعل المرء يعجب أن أوباما يحظى بتعاطُفٍ كبير من قِبَلِ الشارع العربى والإسلامى، لا لشىء، سوى أنه صاحب بشرة سوداء ومن أصول أفريقية لأب مسلم!
ولا ندرى سببًا لهذه الصدمة وهذا الغضب من مغازلة أوباما لليهود والكيان الصهيونى؛ فاليهود فى أمريكا قوة انتخابية تملك النفوذ والمال، ويرسمون السياسة الأمريكية، فكيف لمرشح للرئاسة أن يتجاهل ذلك كله؟!
لذلك كان من الطبيعى جدًّا أن يزور أوباما العديد من الكنائس والمعابد اليهودية فى أنحاء الولايات المتحدة، فى الوقت الذى لم يَزُرْ فيه مسجدا واحدا، كما اجتمع أوباما مع العديد من الجماعات اليهودية والمسيحية، متجاهلاً دعوات لمنظمات أمريكية عربية، ومؤسسات إسلامية لعقد اجتماعات معه، كل ذلك يبدو طبيعيًّا ومُتَّسِقًا مع نفيه الدائم أنه مسلم.
هذه المواقف لا تثير أى غرابة على الإطلاق، فهو مثله مثل أى مرشح أمريكى يطمح للرئاسة، ومثل أى سياسى أمريكى، لا يجرؤ على تحدى اللوبى اليهودى فى أمريكا، ولا يستطيع أن يوجه أى انتقادات إلى إسرائيل وسياساتها؛ فتأثير نفوذ إسرائيل واللوبى اليهودى على السياسة الأمريكية، وعلى الانتخابات التى تحمل صاحبها إلى الظفر بمقعده فى البيت الأبيض، أمر معروف ليس بحاجة إلى مزيد توضيح .
لكن الشىء الذى يستحق الدراسة والنقاش هو ضعف التأثير العربى فى مسار الانتخابات الأمريكية، سواء للعرب والمسلمين المقيمين فى أمريكا، أو الدول العربية التى ليس لها أى نفوذ أو تأثير على المستوى الدولى أو الإقليمى، حتى أضحت علاقة أى مرشح للرئاسة الأمريكية بالعرب أو المسلمين سبة وعارًا.
ولذلك يسعى أوباما فى كل محفل أو تجمع انتخابى لإثبات براءته من العرب والمسلمين، ولا ننسى بالطبع أن الإعلام الأمريكى قد ساعد كثيرا بعد 11 سبتمبر فى تشويه صورة العرب والمسلمين، لكن يبقى أن العرب ليس لهم ثقل أو تأثير أو نفوذ فى أمريكا، ولذلك كان من المستحيل أن يتبنى مرشح للرئاسة الأمريكية قضاياهم أو يتعاطف معهم.
والغريب أن العرب حكومات وشعوبًا لا يسعون أن يكون لهم تأثير أو نفوذ داخل أمريكا أو خارجها، فهم يعيشون على هامش الأحداث وحافة التاريخ(!) لا يأملون أن يكون لهم أى دور فى الحياة؛ فهم يحلمون-فقط- وأحلامهم تأتى بعيدة عن الواقع، محصورة فى فكرة الْمُخَلِّص الذى يأتى على أجنحة الخيال لينقذهم ويخلصهم من هذا الواقع المتردى، فيصنعون فى عالم الخيال أبطالاً خارقين لتغيير هذا الواقع، دون بذل سبب، أو إقامة نهضة فاعلة، أو تعب مثمر فى ميدان الواقع..!
مازالوا ينتظرون صلاح الدين ليحرر الأقصى ويستعيد فلسطين، ويحلمون بخالد بن الوليد ليدحر الاحتلال عن العراق، بل يعلقون آمالهم لحل مشكلاتهم وأزماتهم على هبة تسقط عليهم من السماء، تنتشلهم من الضعف والهوان، الذى يعيشون فيه، وتمتد أحلامهم الدافئة بالرفاهية والنصر على جميع الأمم، وهم جالسون على الكراسى، مستلقون على الأَسِرّة، انتظارًا للبطل والزعيم المنقذ!
وهى عقدة نفسية لدى العرب، بانتظار التغيير الخارجى، دون ذاك الذى ينبع من دواخل النفوس ومن أعماق الضمائر، مع أن تغيير النفوس مرتبطٌ ارتباطا وثيقا بتغيير الواقع "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". فمتى يقول العرب: بيدى لا بيد عمرٍو.. ساعتها يكون التغيير، ويكون النصر..وبسوى ذلك فالهزيمة الحضارية ستكون وصمةً محصورةً فينا، وسمةً دالةً علينا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة