مفارقة جديدة من مفارقات القدر التى عودنا عليها دائما، حيث رحل المخرج يوسف شاهين فى اليوم نفسه الذى نحتفل فيه بذكرى رحيل رشدى أباظة، وملك الترسو فريد شوقى، وكأن يوم 27 يوليو يأتى ليأخذ من الفن المصرى أهم 3 فنانين كل فى منطقة مختلفة، ففى الوقت الذى يعد فيه يوسف شاهين أهم مخرج مصرى فى الخمسين عاما الماضية، يتفق الجميع على أن فريد شوقى "ملك الترسو" أفضل من قدم أدوار البطل الشعبى ويضرب به المثل فى الشجاعة و"الجدعنة" وقوة البطش، وأيضا يتفق الجميع على أن رشدى أباظة أفضل من قدم دور "الجان" فى السينما المصرية، ومازال حتى الآن فتى أحلام الكثير من الفتيات باختلاف مراحلهن العمرية.
يوم 27 يوليو سيتذكره جميع الوسط الفنى من كل عام، لأن الـثلاثة لن يستطيع الوسط الفنى تعويضهم، حيث لا يوجد بديل لهم، كما اشترك الثلاثة فى حلم الوصول للعالمية، فشاهين كان دائم الشغف بالمشاركة فى المهرجانات الدولية وخاصة مهرجان "كان" السينمائى، حتى حصل على "السعفة الذهبية" من مهرجان كان. وكانت أمام رشدى أباظة فرصتان للانطلاق إلى السينما العالمية، عندما قام بدور البديل لـ روبرت تايلور فى فيلم "وادى الملوك" وجمعته وقتها علاقة صداقة بالممثلة إليانور باركر، لدرجة أنها نصحته بضرورة السفر إلى هوليوود لتعرضه بنفسها على المخرجين هناك، كما جاءته فرصة أخرى للوصول إلى العالمية عندما جاء المخرج ديفيد لين إلى القاهرة، لاختيار أبطال فيلم "لورانس العرب"، ولكن أباظة رفض الخضوع لاختبار كاميرا أمام المخرج، قائلاً "إذا أراد اختبار تمثيلى، فليذهب إلى السينما ويشاهد فيلمى"، ولذلك أخذ الفرصة عمر الشريف وانطلق إلى العالمية.
وتمثل حلم العالمية لفريد شوقى فى تجسيده لشخصية "عطيل" فى فيلم ألمانى، كما شارك فى فيلم عالمى بعنوان "كريم ابن الشيخ"، كما استعان فى فيلم "الجاسوس" المصرى بالممثلة الفرنسية آن سيمرنر، وأعاد تقديم بعض الأعمال العالمية وحولها لأفلام سينمائية مثل فيلم "أنا الدكتور" المقتبس عن مسرحية "د.كنوك" للكاتب الفرنسى جيل رومان، و فيلم "عيون لا تنام" المقتبس عن مسرحية "رغبة تحت شجرة الدردار" للكاتب الأمريكى يوجين أونيل.
كما اتبع فريد شوقى مبدأ تحقيق الشهرة العالمية من خلال المحلية، حيث قدم العديد من الأفلام التى تناقش أهم القضايا فى المجتمع مثل فيلم "حميدو"، الذى أوضح فيه خطورة المخدرات وفيلم "رصيف نمرة 5"، الذى مثله ليعبر عن إعجابه وتأييده للقانون الجديد حينئذ الذى يمنع الرشوة، والأهم هو مساهمة فيلمه "جعلونى مجرماً" فى إصدار قانون الإعفاء من السابقة الأولى، وذلك لإتاحة الفرصة أمام الذين دفعتهم الظروف الصعبة للانحراف، وذلك بعد مشاهدته لهذا الفيلم، لذلك استحق فريد عن جدارة لقب "ملك الترسو" و"وحش الشاشة" وغيرهما من الألقاب، حيث إنه كان لسان حال هؤلاء البسطاء الذين كانوا يشاهدون واقعهم فى أفلامه.
ونلاحظ أن الثلاثة جمعت بينهم صداقات ثنائية على مدار مشوارهم الفنى، حيث جمعت بين رشدى وفريد صداقة كبيرة جداً داخل الفن وخارجه ومرا معا بالعديد من المواقف الطريفة، منها أنهم قاموا بتأسيس شركة للإنتاج الفنى بمشاركة نادية لطفى، لإنتاج فيلم يجمع ثلاثتهم وقاموا بتوقيع عقود الشركة وبلغ رأسمالها 12 ألف جنيه مصرى، ولكن فشلت الشركة لإنفاقهم نصف رأس المال، ولكن استمرت الصداقة بينهم.
كما جمعت صداقة قوية بين رشدى أباظة ويوسف شاهين، بالرغم من عدم اجتماعهما فى الفن، ولم يقدموا دويتو فنيا، لكن جمعت بينهم الصداقة على المستوى الشخصى .
والثلاثة ظهر الهم السياسى فى أفلامهم، حيث لم يكن الفن بالنسبة لهم وسيلة للترفيه فقط، بل دوره كان أعظم وأعمق من ذلك، ومن أفلام يوسف شاهين السياسية، "حدوتة مصرية" و"عصفور الشرق" و"هى فوضى؟"، بينما طرح فريد شوقى رؤيته السياسية من خلال بطولته لأفلام "الكرنك" و"بور سعيد" و "شياطين الليل"، ونجد الطرح السياسى فى أفلام رشدى أباظة ومنها "غروب وشروق" و"فى بيتنا رجل".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة