رحيل المخرج الكبير يوسف شاهين ألقى بظلال كثيفة من الحزن وجذوة من العرفان بالجميل لكل من أحبو هذا الرجل. نجوم ونجمات عرفتهم السينما المصرية اعترفوا أنهم صنيعة هذا الرجل، ومخرجون أكدوا أنهم تذوقوا فن الإخراج على يديه..التقى اليوم السابع ببعض هؤلاء النجوم الذين تحدثوا والدموع تزرف من أعينهم.
فأكدت يسرا التى بدأت علاقتها مع شاهين فى فيلم ''حدوتة مصرية'، أنه حين أرسل إليها السيناريو وقرأته 11 مرة لم تفهم منه شيئاً فاعتذرت، ففاجأها شاهين مقتحما غرفتها عند خالتها ليسألها عن سبب اعتذارها، وعندما أخبرته أنها لم تفهم السيناريو، أسند إليها دورا آخر فى الفيلم، ونصحها بألا تعتذر عن أى عمل يطلبها فيه.
قالت يسرا إنها لم تصدق أنه سقط مغشيا عليه إلا عندما توجهت إلى المستشفى، وعندما رأته تأثرت وبكت بشدة، لأنه على حد قولها أسطورة لن تتكرر فى السينما العربية والعالمية، ولن توفيه حقه فى هذا المجال.
ويسرا عملت مع شاهين فى خمسة أفلام، أولها "حدوته مصرية" عام 1982 مرورا بـ"المهاجر"، وانتهاء بـ"إسكندرية نيويورك". أشادت بطريقته الأبوية مع العاملين معه من فنانين ومساعدين، والتى تدل على حرصه الدائم على بث العلاقات العائلية بين العاملين معه وخلق أجواء الأسرة الواحدة داخل العمل.
أما حنان ترك فتقول سميت ابنى الكبير يوسف اعتزازاً بالرجل الذى وقف بجانبى على المستوى الفنى والإنسانى وتعبيراً عن حبى الكبير له، فهو أول من قدمنى فى فيلم "المهاجر".
وأضافت حنان صداقتى به تعمقت منذ وفاة والدى، ولن أنسى أبداً وقوفه بجوارى فى هذه الفترة. ولن أنسى عندما ذهبت إليه فى مكتبه بعد علمى بأنى حامل للمرة الأولى لأعتذر عن دورى فى فيلم "المصير"، أبدى وقتها اهتماماً شديداً بصحتى وقال لى: "فيلم مع يوسف شاهين ممكن يتعوض بعد سنة ولا اثنين، أما الإبن فلا يمكن تعويضه"، وجاء فعلاً التعويض عام 1999 فى فيلم "الآخر" وقدمت فيه دورا من أكثر الأدوار المحببة لدى، والأقرب إلى قلبى مع شاهين.
أيضاً هالة صدقى التى تعاونت معه فى فيلمى "إسكندرية نيويورك" و"هى فوضى" تعمدت الغياب عن حضور عيد ميلاده الأخير على غير عادتها، واكتفت بالاتصال به وإرسال باقة من الورود لتشير إلى أنها لم تتعود أن تظهر حبها له على الملأ.
تقول هالة أنا وشاهين تعودنا أن نفهم بعضنا بالعين فقط ، وهو دائما يعلم أننى أحبه دون أن أخبره، وكثيراً ما قال لى "إنتى الوحيدة اللى فهمانى" بالرغم من أننى لم أعمل معه سوى فيلمين.
وتضيف "أول مرة أعمل مع شاهين كنت على دراية بأنه يحب الالتزام فى المواعيد، وأنا أكره الاستيقاظ مبكرا، وفى ليلة حلمت بأننى تأخرت على التصوير مما أثار غضب شاهين، وبناء عليه استيقظت مبكراً وذهبت للاستوديو ووجدته مغلقا، وكان بصحبتى الماكيير والكوافير، وبعد ساعات جاءت "منال الصيفى" مساعدة المخرج فى الفيلم وقتها تبحث عنى لتخبرنى بغضب شاهين بسبب تأخرى، وهى لا تعلم أننى أقف منذ الصباح على غير عادتى أمام الاستوديو، ولكن لم أكن أعلم أننى أقف أمام البلاتوه الخطأ، ولحرصى على عدم تأخير فريق العمل أكثر من اللازم، قمت بالتصوير فى أحد المشاهد دون أن أستكمل مكياجى، وعندما علم شاهين بالأمر سامحنى بشرط عدم تكرار هذا الموقف".
ويحكى سيف عبدالرحمن عن علاقته بجو فيقول قابلت شاهين من 44 عاماً عندما كان يحضر لفيلم "فجر يوم جديد"، وكان يجرى اختبارات للوجوه الجديدة ولم يكن راضيا عنهم، وكنت أحد الراقصين فى إحدى الفرق الشعبية، ودعانى بعد العرض للعشاء وعرض على الدور الذى كان رائعاً واستمرت علاقتى به، وحدثت بيننا كيميا خاصة جعلتنى ارتبط به بشدة حتى الآن.
ويقول المخرج داود عبد السيد، شاهين سيظل "حدوتة مصرية" ولغزاً من ألغاز السينما العالمية، وأحد أهم المخرجين، موضحا أن السينما فقدت أستاذها الذى نختلف معه فى أمور كثيرة ولكنه دائما يبقى الأستاذ. ويشير داود إلى أن شاهين كان أستاذاً فى الإخراج والإنتاج أيضاً، حيث إن المخرج الوحيد الذى استطاع أن يحافظ على علاقته بشركات الإنتاج فى أوروبا.
المقرب لقلب شاهين وتلميذه النجيب خالد يوسف قال معترفا بالجميل "لم تكن لدى أية أحلام أو طموحات أن أصبح سينمائيا إلى أن قابلت الأستاذ أثناء دراستى بكلية الهندسة، حيث استمرت العلاقة بيننا، علاقة مخرج كبير بطالب مهتم بالسينما، والجميع يعرفون أنه صاحب الفضل الأول والأخير على، وعلى الكثير من المخرجين، وشاهين بالنسبة لى، شخصية مقاتلة لا يكل ولا يمل، ولا يستسلم ولا يرفع الراية البيضاء أبداً، رغم تعرضه لصدمات قوية فى بداية حياته، ويكفى أن أفلامه التى باتت من كلاسيكيات السينما المصرية حالياً، تعرضت للقصف بالحجارة عندما قدمها فى البداية، ورغم ذلك لم يتوقف أبداً عن العمل.
محمد خان أكد أيضاً أن شاهين كنز لا يعوض ورحيله أفقد السينما المصرية أحد أعمدتها، وقال عزاؤنا أنه باقى بأعماله التى نشأ وتربى عليها أجيال كاملة وعن نفسى أشعر بفداحة الخسارة، لأن شاهين حالة نادرة بين مخرجى السينما العربية ويكفى أنه لأخر لحظه فى حياته لم يفكر سوى فى فنه.
أما المخرج على بدر خان فقال "شاهين عاش أستاذا طوال عمره الفنى، وعلمنا الكثير وجعلنا نتذوق طعم الفن الحقيقى الأصيل".
المخرجة منال الصيفى إحدى تلميذاته تقول إنه علمها كيف تقدس وتحب عملها كمخرجة وتحافظ عليه وتحترمه، وأشارت إلى أنه من أكثر المخرجين احتراما للفنانين داخل بلاتوه العمل، وأكثرهم احتراما للمواعيد، بالإضافة إلى أنها تعلمت منه أن تهتم بكل التفاصيل التى تخص العمل، وتؤكد أن شاهين شكل أوسع مدرسة فى السينما المصرية استفاد منها كل الذين عملوا معه كمساعدين ثم كمخرجين.
المخرجة الشابة ساندرا نشأت ترى أن شاهين مخرج كبير سواء اتفقنا أو اختلفنا على أعماله، فهو مدرسة إخراجية عظيمة لها تاريخها الفنى الملئ بالإنجازات، وتخرج فى هذه المدرسة أجيال كثيرة، تسير على نفس نهج يوسف شاهين العبقرى، الذى رسم بيده تاريخاً خاصاً به فى صناعة السينما، وعزاؤنا الوحيد لفقدانه هو أن أعماله التى تركها تتكلم وتتنفس شاهين.
وأكد أيضا الناقد طارق الشناوى أن يوسف شاهين يعد أهم عنوان فى السينما المصرية والعربية، ومشاريعه السينمائية تعد أكثر المشاريع التى أخلص فيها المبدع لفنه، جامعا فيها بين العقل وعاطفة القلب، بدليل أنه استمر خلف الكاميرات طوال هذه المدة، حيث اختفى العديد من المخرجين ولم يستطيعوا الصمود والاستمرار، وكان لآخر لحظة قبل دخوله الغيبوبة يفكر فى مشروعه السينمائى المقبل.
الشناوى أضاف أن السينما المصرية ستفتقد فنه وإبداعه،حيث كان يشكل جزءاً مهماً من السينما المصرية وحالة خاصة جداً، ولا يوجد أى مخرج يستطيع أن يكمل مسيرته، حتى تلميذه خالد يوسف، لأن أسلوبه السينمائى مختلف عن أستاذه.
موضوعات متعلقة..
◄فيلموجرافيا أفلام يوسف شاهين
◄الملف الطبى ليوسف شاهين
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة