العصا والجزرة .."خريطة طريق" أوباما للشرق الأوسط

السبت، 26 يوليو 2008 01:55 م
العصا والجزرة .."خريطة طريق" أوباما للشرق الأوسط السيناتور باراك أوباما المرشح الديمقراطى للرئاسة الأمريكية - AFP
كتب أحمد عليبه

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
السيناتور باراك أوباما المرشح الديمقراطى للرئاسة الأمريكية، قام بأول زيارة خارجية له، قاصداً الشرق الأوسط وأوروبا، جولة حملت فى طياتها الكثير من مفاتيح الخطوط الرئيسية للرجل، الذى بدأ جولته من إحدى القواعد العسكرية فى أفغانستان، مروراً بالعراق والأردن وإسرائيل، وانتقل إلى ساحة عمود النصر فى برلين، ومن المنتظر أن تنهتى بزيارتين للندن وباريس.

وتأتى هذه الجولة، فى وقت تشير فيه استطلاعات الرأى الأمريكية، إلى أنه الأوفر حظاً حتى الآن للوصول للبيت الأبيض. فأوباما الذى يدرج على أجندته السياسية حال فوزه، تدشين دبلوماسية الحوار الدولى بديلاً لقرع طبول الحرب، كان بحاجة إلى أن يسمع الأمريكيون صدى هذا الصوت قادماً من الخارج، فكانت رحلة باراك إلى حلبة صراع السياسية الأمريكية فى الخارج "الشرق الأوسط"، الذى أصبح بحاجة هو الآخر إلى إعادة صياغة الدور الأمريكى فيه، وإن لم يضف أوباما إلى خطابه جديداً، فكان أكثر إنصاتاً منه متحدثاً، لذا تعد الجولة استكشافية فى المقام الأول.

وفى مطلع ربيع العام الجارى، كان المنافس الجمهورى ماكين يقوم بجولة مماثلة لجولة أوباما، لكنها لم تحظ بحالة الحبور التى عرضتها وسائل الإعلام والصحف فى جميع أنحاء العالم، فكان ماكين يقف فى ظل الرئيس جورج بوش، مستلهماً من سياساته المصابة بحالة من الحنق فى الجزء العربى من الشرق الأوسط، كان أوباما يحمل رسائل التحول عن تلك السياسات، ويحاول كسب مشاعر الجميع من الجنوب الأسيوى وحتى الشمال والغرب الأوربى، ويبعث برسائل أكثر دفئاً إلى قطاع كبير فى الداخل الأمريكى فى وقت أضحت فيه واشنطن أكثر طلبا لتحسين صورتها الباهتة، فى تلك البقعة المتوترة من العالم. ووفق هذا التصور، استطاع باراك حسين أوباما، تسجيل هدف جديد فى مرمى صندوق الانتخابات المنتظرة مطلع العام المقبل.

فى تفاصيل جولة أوباما، ربما تختلف تلك الصورة إلى حد ما، فالرجل لم يخرج بانطباع فى أفغانستان التى التقى قادتها (صنيعة الحرب الأمريكية على الإرهاب)، فهو لم يخرج برؤية أكثر إشراقاً من رؤية الجمهوريين من صقور الإدارة الأمريكية، فالضيف خرج مقتنعاً بجدوى التواجد العسكرى الأمريكى فى منطقة لم تستقر بعد، بل تزال بحاجة إلى إضافات عسكرية أخرى، وهو ما أكده فى محطته التالية فى العراق.

فى المنطقة الخضراء ببغداد، كانت الأزمة، فأوباما فعلياً استطاع استمالة فريق الحكم العراقى نحو رؤية لم يتم الإفصاح عنها، قد تكون أفضل للطرفين الأمريكى والعراقى، غير أن اللحظة لم تكن مواتية على الجانب الرسمى الأمريكى، فهى لحظة إبرام الاتفاقية الأمنية مع العراق، والتى بموجبها سيكون للولايات المتحدة قواعد ثابتة ودائمة فى العراق لعقود من الزمن، بما يتجاوز خط أوباما الذى يريد انسحاباً تدريجياً لقوات بلاده من العراق فى غضون 16 شهراً.

زاد الأزمة تعقيداً حوار المضيف نورى المالكى رئيس الوزراء العراقى، إلى مجلة دير شبيجل الألمانية، التى تلخصت تحت محور "خطة أفضل لدى أوباما" فالمالكى الذى اعتبر قبيل أيام أن البقاء الأمريكى فى العراق احتلال، استهوته صفقة أوباما بسحب القوات وفق جدول زمنى، وتسلم القوات العراقية الراية فى البلاد. وكان نشر تلك التصريحات سببا فى قض مضجع الإدارة الأمريكية، التى أخذت تلف وتدور حولها على مدار 48 ساعة، معتبرة أن المالكى أساء فهم تصريحاته على أطروحة رجل عينه على المكتب البيضاوى، الذى قالت المتحدثة باسمه دانا برينو: يمكننى أن أؤكد لكم أن الرئيس بوش، القائد الأعلى، لا يسمح لأى شىء بتشتيت انتباهه عن مهمته المتمثلة فى التأكد من إحرازنا النصر فى العراق.

وكانت تلك الرسائل أسرع إلى المالكى، ليرد الناطق باسمه أن رئيس الوزراء أساء فهم تصريحاته بشأن الخطة الأمنية وبقاء القوات فى العراق. وهنا يبقى تساؤل تبقى الإجابة عليه رهن المستقبل القريب، فمن المنتظر أن تنتهى مهلة التفويض الممنوح من الأمم المتحدة للقوات الأمريكية فى العراق وفق الفصل السابع من قانون الأمم المتحدة، فمن يكون أسرع فى تطبيق خطته هل إدراة جمهورية تستعد للرحيل، أم يقفز أوباما بجدوله الزمنى للخروج من العراق؟ أو بالأحرى ماذا سيكون الموقف لو تم توقيع الاتفاقية الأمنية نهائياً فى غضون شهور قليلة، ثم تصل إدارة ديمقراطية لديها تحفظات على تلك الخطة؟

فى العاصمة الأردنية عمان، حل أوباما ضيفاً لساعات على مائدة الملك عبدالله، مائدة لم تتحمل أكثر من الحديث حول العراق وسلام الشرق الأوسط، فأوباما كان أكثر دبلوماسية لدى اعترافه بتحسن الأوضاع الأمنية فى الشارع العراقى، دون الاعتراف بنجاح الخطط الأمنية الأمريكية فى إصابة أهدافها المرجوة أو على حد قوله "النجاح يتوقف على مدى النظر إليه".

تل أبيب كانت محطة أوباما التالية بعد عمان، التقى خلالها رئيس الوزارء الإسرائيلى إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية تسيبى ليفنى ووزير الدفاع إيهود باراك والرئيس شيمون بيريس وزعيم المعارضة بنيامين نتنياهو. وقال بعد هبوطه فى مطار بن جوريون "سأعرض بعض أفكارى، وأهم فكرة بالنسبة لى هى التأكيد على العلاقة التاريخية الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل والتى لا يمكن خرقها، جئت إلى هنا للتأكيد على العلاقات المتينة بين إسرائيل والولايات المتحدة، والتزامى الراسخ بأمن دولة إسرائيل، وكلى أمل أن أعمل بشكل فاعل، سواء انتخبت رئيساً، أم بقيت نائباً فى الكونجرس، على إحلال السلام فى المنطقة".

وعلى خلاف ما ظهر فى جولته التى خيمت عليها حالة الإنصات لمرشح يريد لنفسه إلماماً أكثر واقعية بشئون سياسة بلاده الخارجية، كان أكثر حديثاً وهو يدعم تقديم اعتماد أوراقه لإسرائيل، كونها الطرف الأكثر صدى وتأثيراً فى صناديق الانتخابات الأمريكية، فتأشيرة عبوره إلى هذا المنال تقتضى الاعتراف بأمن اسرائيل كأولوية أساسية، وهو ما ظهر عليه من تأثر، وهو على مقربة من بلدة سديروت جنوبى إسرائيل، مرمى صواريخ حماس والقسام.

وكان أوباما مهتماً بإزالة هواجس ما يدور بخلد اليهود حول اعتقادات الرجل الذى لايزال يتوسط اسمه اسماً عربياًُ إسلامياً هو "حسين"، فأدى الصلاة على مقربة سنتيمرات من حائط المبكى اليهودى فى لحظة تبتل، أضفت عليها القلنصوة اليهودية ووجود الحاخام إشمايل رابينوفيتش، نوعاً من التأكيد على ما أراده الجانب اليهودى من أن رئيساً لأمريكا، من المهم أن يكون أكثر قرباً من عقيدة التوراة ومشاعرها، حتى ولو كان إنجلياً، فلا ضير.

سياساً، أرضى أوباما تل أبيب، وأغلق الباب أمام أى هواجس، غير أنه يرى أن القضايا المدرجة على جدول الأعمال الإسرائيلى للرئيس الأمريكى المنتظر، تحتل أولوياتها قضية إيران النووية، فقد استبقته الصحف الإسرائيلية حاملة تباشير خاصة بالبرنامج النووى الإيرانى بحلول عامين، تباشير لا ترضى إسرائيل، لكن أوباما أراد لنفسه سياسة خاصة، منهجها جزرة الحلول الدبلوماسية، وأوانها على قارعة الحقبة الرئاسية المقبلة، وإن لم تكن الجزرة نافعة، فعصا الحل العسكرى لن تظل فى غمدها، حال استنفاد طاقات الدبلوماسين.

أوباما فى رام الله بعد القدس، محطة لم تحظ باهتمام الزائر الأمريكى المنافس جون ماكين، وتأكيد من أوباما على أهمية الاطلاع على كل الأبعاد الخاصة بالقضية، وتأكيد على منهج الحوار مع كل الأطراف وإرضاء الجميع. فالقدس ستكون مجالاًَ للحوار، والحدود بين الدولتين ونقل السفارة من تل أبيب إلى القدس كذلك. فعلى حد قوله للقيادات الفلسطينية وعلى رأسها أبو مازن، "سأبذل قصارى جهدى - ليس فقط من أجل بلوغ الحل السلمى بين إسرائيل وفلسطين، بل فى سبيل تحسين الوضعين الاقتصادى والإنسانى فى الأراضى الفلسطينية"، مضيفاً أنه سينهض بهذه المهمة على الفور فى حال فوزه بانتخابات الرئاسة، وليس "حتى لو بقيت نائباً"، كما ذكر فى تل أبيب التى انبهر بها ورأى فيها "معجزة الشرق الأوسط".

من المؤكد أن مسافة 1200ميل قطعها أوباما على خريطة الشرق الوسط، كانت كفيلة بوضع تصور واقعى لمرشح طالما اتهم بقلة خبرته فى الشئون الخارجية لدولة تضع الأجندة السياسية للعالم، وإن لم ينتخب بسبب سياسته الخارجية، لكنه قد يخسر بالتأكيد بسببها على حد قول المستشار الديمقراطى دوج شون، فجولته فى النهاية ستكون محط رسم سياسة جديدة لضيف استقبله الشرق الأوسط بأكاليل الغار، فهو حتى أيام قليلة كان مجهولاً لهم وهو أكثر جهلاً بهم من منافس زار المنطقة أكثر من ثمانى مرات متعاقبة.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة