أعلن الملك عبدالله بن عبد العزيز فى أوائل إبريل هذا العام، عن مبادرة للحوار بين الأديان والثقافات والفلسفات رداً على نظرية صراع الحضارات.
وبطبيعة الحال فإن نظرية صراع الحضارات هى افتراض علمى تحولت إلى رغبة سياسية فى الغرب، أو إن شئنا الدقة فإن هذه النظرية تقدم الإطار النظرى لاستهداف الإسلام فى الغرب، وربما تعاقبت الأعمال الإرهابية بعد هذه النظرية التى ظهرت بعد انتهاء الحرب الباردة مباشرة عام 1992.
ويقابل هذه النظرية رغبة سياسية من العالم الإسلامى، تمثلت فيما أعلنته القمة الإسلامية فى طهران عام 2000 والتى أسفرت عن إعلان 2001 عام الحوار بين الحضارات وهى مصادفة غريبة، حيث وقعت فى الربع الأخير منه أحداث 11 سبتمبر.
وقد أنشأت الأمم المتحدة لجنة الحوار بين الحضارات يرأسها أحد رجال الدين اليهودى. فما الفرق بين المبادرة السعودية وبين هذا التراكم فى مجال الحوار؟. هناك فروق أساسية، أولها أن المبادرة تصدر عن السعودية بكل الصور السلبية التى روجها الغرب لها، وأبرزها الانغلاق ومساهمة بعض مواطنيها فى أحداث 11 سبتمبر وتزمتها الدينى.
والفارق الثانى هو أن هذه الدعوة هى مشروع عالمى تدفع به المملكة إلى الإطار الدولى بكل قوتها. والفارق الثالث هو أن الحوار يشمل كل الأديان والثقافات والحضارات، وهذه دعوة أشمل من سابقاتها وفى الأسبوع الأول من يونيه، انعقد المؤتمر الدولى للحوار فى مكة المكرمة ووضع الإطار النظرى الشامل لهذا الحوار.
ولذلك فإن مؤتمر مدريد الذى انعقد فى المدة من 16ـ 18 يوليو الجارى هو المحطة الثانية بعد مؤتمر مكة المكرمة فى مسيرة تنفيذ مبادرة خادم الحرمين الشريفين، لإطلاق الحوار بين الأديان والثقافات والفلسفات والمعتقدات للعمل معاً لإنقاذ البشرية.
وقد أحيط مؤتمر مدريد وسابقه فى مكة برعاية فائقين من خادم الحرمين الشريفين، وكل المعنيين فى المملكة، حيث شارك فيه الديوان الملكى والمراسم الملكية والسفارة السعودية فى مدريد وفى كل أنحاء العالم ورابطة العالم الإسلامى، كما اشتملت الكلمة الافتتاحية للملك عبد الله على أن العالم الإسلامى لا يعمل وحده ولا يخاطب أجزاءه لأن البشرية والكرة الأرضية أو ما يسمى بالتهديدات الكونية للكوكب هى مسئولية كل سكانه.
ولذلك وقع الاختيار على ممثلى الأديان السماوية الثلاثة والفلسفات والعقائد الإنسانية الآسيوية، حتى يدشنوا معاً أسس الحوار. وقد حددت رابطة العالم الإسلامى منذ البداية على ما شدد عليه خادم الحرمين الشريفين من أن الحوار بين الأديان يهدف فقط إلى التأكيد على الرسالة الأخلاقية الهادفة إلى سعادة الإنسان فى دنياه وآخرته، ولا يجوز أن يتفرع الحوار إلى تصفية حسابات تاريخية أو فكرية عقائدية أو الدخول فى التفاصيل، وإنما يكفى أن يعلن اتباع كل دين ومذهب وعقيدة أن سعادة الإنسان هى غاية الجميع ودفع مخاطر الاعتداء على الإنسان وبيئته هى الهم المشترك للجميع، وأن للأديان والعقائد سحرها فى تجنيد الرأى العام والشعوب التى بدت بحاجة ماسة إلى تكريس قيم السماء والفلسفات البشرية.
أما المحظور الآخر فهو البعد عن استغلال المؤتمر وقضية الحوار لأهداف سياسية. ولكن التحدى الأكبر هو تداخل السياسة مع جوانب الحياة واستحالة تحييد السياسة عن الحوارات العالمية، مهما كان موضوعها فإذا أعلن الجميع نبذهم للإرهاب، ظل فى ضمير كل فريق من هو الإرهابى، وإذا أجمع الكل على أن أزمة الغذاء تهدد البشرية كلها، أشار البعض خفية إلى غيرهم بأنهم السبب فى هذا الأزمة وهكذا.
ولا شك أن الحوار بين المسلمين والمسيحين فى الغرب ومع مسيحيى الشرق أبناء الحضارة الإسلامية لا يثير إشكالاً رغم أهميته البالغة فى ظل ما تطرحه مشاكل الحياة المتجددة من توترات، تؤثر على التسامح الدينى والاجتماعى الذى يعانيه الشرق الإسلامى.
وقد ركز إعلان مدريد على المبادئ الأساسية وهى التعايش السلمى بين الأديان والثقافات وحظر الإساءة إلى الأديان والمعتقدات والثقافات المختلفة أو الاعتداء على مقدساتها ورموزها، والدعوة إلى إشاعة ثقافة الحوار فى الإعلام والتعليم والثقافة عبر الندوات واللقاءات والمؤتمرات والمطبوعات وغيرها.
وأخيراً أوصى مؤتمر مدريد بالعمل على استصدار بيان للتعايش والتسامح ونبذ العنف والإرهاب والتطرف ودعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة، لوضع تشريع دولى ملزم فى هذا الشأن.
ونحن نرى أن هدف هذا المشروع هدف نبيل، وأن نجاحه يحتاج إلى صبر ومثابرة، رغم أن رجال الدين اليهودى أكدوا صراحة الالتزام بالمشروع الصهيونى وصرح أحدهم فى جريدة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، بأن العرب قد بدأوا الانفتاح والاعتراف بالحقائق ويجب تشجيعهم حتى لا تتقرر مأساة الهولوكوست التى كان أحد الحاضرين أحد ضحاياها. وشعورى أنه ما لم يحل الصراع العربى الإسرائيلى، فإن مشروع الحوار سوف يواجه التحديات بسبب هذه الحقيقة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة