صبرى سعيد

لينين الرملى واغتيال فرعون

الثلاثاء، 22 يوليو 2008 05:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بداية، فإن أى إنكار للحقوق فى أى مجتمع يهدد السلام داخل الدولة نفسها، فالحقوق الديمقراطية الأساسية باعتبارها جزءاً من حقوق الإنسان تعتبر ملكاً مشتركاً وتطلعاً مشروعاً لكل مواطن فى أى دولة، وإنكارها يعد سبباً قوياً للقلق بل وللعقاب حينما يقتضى الأمر..

وبعبارة مختصرة فإن خصوصية المواطنة لا يجوز التمسك بها إلا على أساس الاعتراف بانتمائنا جميعاً إلى هذا المجتمع، ولا مجال للانقضاض على ذلك تحت أى دعوة أو مؤامرة، والفيصل فى ذلك هو القانون بكافة آلياته.. ولا يجوز بالتالى افتعال مبدأ "الشدة" من أغلبية تجاه أى أقلية.

فقد تشعر جماعة أن لقضية معينة أهمية شديدة بالنسبة لمجتمعها بحيث لا يمكن مطلقاً أن يعوضها عن عجزها أمام الأغلبية أن تكون بين صفوف الأغلبية.. فهى تمتلك وجهة نظر لقصة معينة، ولذلك لا يجوز للأغلبية أن تحجر عليها وتصادر وجهة نظرها ـ طالما لا تؤذى المجتمع بأية وسيلة ـ ولا يجوز استخدام وضعها المهيمن كأغلبية لتفرض حكمها عليها حتى ولو بالضلال..

فالديمقراطية الحقيقية يمكن فقط استخدامها إذا اتفق المواطنون على مواصلة العيش معاً حتى رغم اختلاف آرائهم ومعتقداتهم سياسة كانت أم غير ذلك.. وهذا يتطلب أن تكون الأغلبيات على استعداد لممارسة قدر من ضبط النفس وألا تستخدم دوماً قاعدة الأغلبية ـ حتى ولو كانت ديماجوجية- للسيطرة على كل شىء لنفسها ولإعمال وجهة نظرها..

فهل يتذكر أحد أن حزب الليكود أول من استعمل مصطلح معاداة السامية الجديدة New Antisemitism، وأصبح بعد ذلك موضوعاً لندوات وحلقات فكرية وحقوقية وتلقفته رابطة مناهضة العنصرية ومعاداة السامية فى فرنسا ورابطة مناهضة التثليم الأمريكية وكافة المراكز المتخصصة فى معاداة السامية فى الغرب.. وأصدروا تقارير عديدة عن مظاهر معاداة السامية فى العالم، وتساوى هذه الإصدارات بين الاعتداء على مقبرة يهودية والهجوم على عالم اجتماع أو مفكر والتشهير بمسئول سياسى رفض استقبال مسئول إسرائيلى..

ورغم فجاجة هذا المصطلح وافتقاره للموضوعية واستخدام دولة إسرائيل له كذريعة لحمايتهم من أى نقد، ورغم معاناة العديد من العرب، سواء مفكرين أو سياسيين من هذا المصطلح الملتبس ومتاجرة إسرائيل به لحرمان أى شخص من نقد بعض السياسات الإسرائيلية، إلا أنه وبنفس المنطق هناك بعض النخب الثقافية العربية ـ والمصرية ـ تتبنى نفس المنطق فى التعامل مع أية اختلافات فكرية أو سياسية وقد نحتوا أيضاً مصطلح "التطبيع".. تلك الكلمة الساحرة التى إذا أرادت مؤسسة أو فئة نخبوية أن تنال من شخص، سواء أكان مفكراً جليلاً أو عالماً عظيماً أو سياسياً رفيعاً فيكفى أن تناله هذه الكلمة الساحرة..

ومثلما يفند أصحاب الدراسات التاريخية التباس مفاهيم معاداة السامية التى احتكرها اليهود لأنفسهم، رغم ثبوت أن كافة العرب ينتمون إلى هذه السامية المزعومة، فإن الأمر كذلك فى مصطلح التطبيع اللعين، ماذا يقصدون به.. هل كان السادات خائناً ومطبعاً عندما استرد كافة الحقوق السيادية لمصر عبر المفاوضات مع دولة إسرائيل بعدما لقنها هزيمة ساحقة..

وهل عالم كأحمد زويل عندما منحته جامعة من إسرائيل ومصنفة ضمن أحسن 100 جامعة فى العالم، جائزة علمية يعد هذا تطبيعاً، وهل إذا تم ترجمة مؤلفات بلغة عبرية لمعرفة ماذا يفكر هؤلاء القوم- التى أسقطنا عليهم العدو الدائم ـ يعد تطبيعاً.. وهل عندما نشاهد فيلماً إسرائيلياً أو مسرحية يعد ذلك تطبيعاً..

الإجابة عند هذا اللوبى هى بالإيجاب.. نعم إن كل هؤلاء خونة.. فيكفى ما حدث لوزير الثقافة من اتهامات ونقد وتجاوزات فى حقه وفى حق وزارته، التى تنتمى لحكومة تربطها وبين إسرائيل اتفاقات، فاتهمته بعض الأقلام بأنه قد باع القضية من أجل اليونسكو.. أى قضية يا ترى؟ فعندما صرح بأنه على استعداد لزيارة إسرائيل.. رغم أنه ليس من حقه الامتناع أو القبول، إلا بموافقة حكومته التى يمثلها.. والتى وإن رغبت فى أن يزور إسرائيل لهدف سياسى فلا مجال له للموافقة أو الاعتراض لأنه يمثل حكومة تربطها اتفاقات مع إسرائيل.. وبالتالى فإن ما صرح به من أنه على استعداد لزيارة إسرائيل.. رغم أنه قالها فى سياق أنه مرشح لليونسكو وليس كوزير ثقافة ـ ناله ما ناله من اتهامات تحت عباءة الكلمة الساحرة "التطبيع"..

وها هو ضحية أخرى من ضحايا هذا اللوبى، مسرحى كبير أسهم بأعماله فى ثراء المسرح المصرى المعاصر.. مسرحى من طراز مختلف، يتمتع بالموهبة والحضور ووضوح الرؤية.. ينال من سهام هذا اللوبى لأنه دعا أحد الإسرائيليين لرؤية عرض مسرحى له.. ويا للخيانة لماذا جرؤت يا لينين الرملى على هذا الفعل الفاضح فى السياق العام السائد.. أفلاً يكفيك ما فعلوه مع من سبقوك.. ولم يكتفى الأمر عن ذلك، بل راحت الأسرة المسرحية بكاملها أو بمعظمها تنال من الرجل حتى وصل الأمر بالتهديد بأنه إذا اشترك فى لجنة تحكيم المهرجان المسرحى الأخير فسيعتذر الآخرون، مما اضطره إلى الاعتذار حتى يمنح لهؤلاء حق معاداة التطبيع..

الغريب فى الأمر أن ذلك يحدث فى الوقت الذى انهالت كافة القوى السياسية على الإيرانيين، الذين انتجوا فيلماً بعنوان اغتيال فرعون متهمين فيه الرئيس الراحل السادات بالخيانة، وأنه كان يستحق ما فعله به شهداء العروبة والإسلام والوطنية من جماعات التكفير والتخوين..

بالطبع لا مجال للمقارنة بين الرئيس السادات وبين أى شخص آخر، ولكن المقارنة هنا من أن لكل شخص رأيا ووجهة نظر لابد من احترامها، طالما أنها لا تندرج تحت الخيانة بمعناها ومدلولها المادى والقانونى.. فإذا كان هناك فنان أو سياسى يعتقد أن المشكلة الفلسطينية يمكن حلها عن طريق التسويات السياسية والمفاوضات فهذا حقه، وإذا كان هناك من يعتقد أنه لن يتم إلا بالسلاح والمقاومة فهذا حقه طالما أنه لا يجور على حق الآخرين فى التعبير عن معتقداتهم السياسية والآليات التى يراها لتنفيذها.. فلا مجال لاحتكار الوطنية، كما أنه لا مجال لاحتكار الدين..

رسالة أخيرة: "الرئيس الراحل حافظ الأسد طوال ثلاثة عقود لم يصافح أى إسرائيلى فكان بطل العروبة والقومية لأنه لم يصافح.. رغم أن الأرض السورية تحت الاحتلال الإسرائيلى قرابة أربعة عقود لم تتحرر لأنه لم يصافح.. فى الوقت الذى صافح فيه الرئيس السادات واستطاع أن يسترد كافة الأراضى المصرية، فكان خائن العروبة والقومية.. يا للمفارقة.. فهل تعلمت الدرس.. لقد انتهى الدرس يا.............."






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة