وأنت تسير فى شارع المعز أو بالقرب منه ستبهرك أسبلة العطشى وستوقفك عبارات محفورة على جدرانها تخبرك أن من شيدتها نساء عظيمات كان لهن السبق فى عمل الخير، ذكرت أسماؤهن بشكل مباشر وبدون أى انتساب لآبائهن أو أزوجهن أو أولادهن من الذكور على منشآتهن العامرة. هذا يبين لنا أهمية ما وصلت إليه المرأة المصرية فى مجتمعنا الشرقى فى العصر العثمانى، رغم الانغلاق الشديد الذى يغلفه، وهو دورها الفعال جنباً إلى جنب مع الرجل.
"أيها الوارد إلى هذا السبيل اشرب ماءً زلالاً به يشفى العليل..
الله تعالى يرحم من كان على اسمها هذا السبيل" ..
كلمات تصدرت سبيل نفيسة البيضا خلف باب زويلة بالقاهرة القديمة، يرجع سبيل نفيسة البيضا زوجة مراد بك الكبير إلى عام1797، وهو أحد المكونات المعمارية لمجموعة خيرية أنشأتها السيدة نفسية البيضا، وتتكون هذه المجموعة من سبيل يعلوه كتاب كمؤسسة خيرية ونقش على واجهة السبيل نصف الدائرية، ويطل على الشارع بثلاثة شبابيك معقودة ومشغولة بزخارف نباتية معدنية متشابكة كقطعة الدانتيل، وهو أحد المكونات المعمارية لمجموعة خيرية أنشأتها السيدة نفسية البيضا، تتكون من سبيل يعلوه كتاب ووكالة تجارية بها محلات تؤجر ويستغل ريعها للصرف على السبيل والكتاب، وحمامين يستغل ريعهما لأوجه الخير، ويعلو الوكالة والحمامين ريع لإسكان فقراء المسلمين بمبالغ رمزية.

واجهة احد شبابيك سبيل نفيسة البيضا (تصوير إيمان شوقت)
تستوقفك زخارف الجزء العلوى المعقود من هذه الشبابيك، حيث إنها تشبه نهدى امرأة، وهذا النوع من الزخرفة أراد به الفنان أن يعبر أو يشبه عطاء الأم لطفلها الحنان والحياة من ثديها، لعطاء السبيل لوارديه العطاشى والظامئين للماء الذى هو مصدر الحياة. وقد عرفت هذه المجموعة باسم السكرية، التى رجع إليها كاتبنا الكبير نجيب محفوظ فى إحدى رواياته، ودخلت هذه المجموعة ضمن ما انبهر به الغرب من نماذج العمارة الإسلامية.
سبيل وقف كلسن
يقع هذا السبيل فى عطفة الأنصارى المتفرعة من شارع بورسعيد، شيدته كلسن هانم فى منتصف القرن 17، وتأتى أهميته لأنه أول سبيل عثمانى شيدته امرأة بمدينة القاهرة، كما أنه يعتبر ثالث سبيل من نماذج الأسبلة العثمانية المفردة، أو المستقلة التى لا تعلوها كتاتيب.
تستطيع أن تدخل إلى السبيل عبر مدخل على شكل قبة يؤدى إلى ممر صغير، به باب يفتح على حجرة التسبيل مستطيلة الشكل ذات أرضية رخامية، ويوجد بالحجرة شاذروان لتبريد الماء (الشاذروان عبارة عن جدار مائل مصنوع من الحجارة نسبة إلى جدار الكعبة الشريفة). أما السقف فقد زخرف بألواح خشبية سميكة ملونة ومذهبة ذات أشكال مختلفة من رسوم هندسية ونباتية فى تداخل جميل وتناغم عذب. سبيل كلسن له شباك تسبيل (لشرب المياه) نحاسى مغطى بمصبعات، وذلك بالواجهة الجنوبية الغربية، يعلو هذا الشباك عتب مستطيل تزخرفه صنجات مزررة تتوسطها عبارة (الله حى).

غرفة تخزين المياة داخل السبيل (تصوير إيمان شوقت)
سبيل الست صالحة
حين تقف بميدان السيدة زينب ستجد فى استقابلك الواجهة الرئيسية لتخبرك بتاريخ إنشائه إلى عام 1741. أنشأته فى عهد الوالى العثمانى على باشا الحكيم ويعد تخطيط هذا السبيل طراز مصرى محلى غير متأثر بالأساليب العثمانية وهو ثانى سبيل من العصر العثمانى أنشأته امرأة. تم نقل هذا السبيل من موقعه الأصلى بدرب الجماميز عند إعادة تخطيط الشارع، والسبيل مستقل غير ملحق بأبنية أخرى ويتكون من واجهتين حرتين، تقع الرئيسية منهما والتى تحوى مدخل السبيل الرئيسى - فى الناحية الشمالية الغربية وبها شباك لشرب الماء عليه مصبعات حديدية، ونرى واجهة الكتاب الذى يعلو السبيل فوق هذه الواجهة. تقع الواجهة الأخرى فى الناحية الشمالية الشرقية وبها شباك تسبيل (لشرب المياه) عليه حجاب من مصبعات معدنية، ونرى واجهة الكتاب الشمالية الشرقية بأعلى هذه الواجهة، وحجرة التسبيل مستطيلة الشكل. وملحق بالسبيل حجرات أخرى كانت تستخدم لحفظ متعلقات السبيل.

شباك سبيل الست صالحة (تصوير إيمان شوقت)
رقية دودو لها أيضا سبيل باسمها
يعتبر سبيل رقيه دودو ثالث سبيل بنى فى العصر العثمانى بشارع سوق السلاح، ويعتبر أول الأسبلة العثمانية النسائية التى اتخذت النمط التركى الوافد فى التخطيط نموذجاً لها. يتكون السبيل من حجرة مستطيلة فى ثلاثة أضلاع، بينما يأخذ ضلعها الرابع المطل على الشارع الهيئة المقوسة، وفتح فيه ثلاث دخلات تمثل شبابيك التسبيل الثلاثة، ويوجد بهذه الواجهة رخام دائرى يأخذ شكل تقوس الواجهة، وكان يوضع عليه "الكيزان" المخصصة للشرب، وتوجد دخلات شبابيك التسبيل داخل دخلات أخرى معقودة. ويوجد كتاب أعلى السبيل، يمكن الوصول إليه من الدخلة المعقودة التى توجد على يمين الواجهة، ولم يتبق من ملاحق السبيل الخلفية سوى حجرة مستطيلة، ويوجد بالجهة الجنوبية الشرقية دخلة لها حلية معقودة يرجح أنها استخدمت كمحراب مثل سبيل السلطان محمود.

السلم الخشبى الى يصل الكتاب بالدور العلوى ومدخل السبيل (تصوير إيمان شوقت)
يتميز السبيل بالثراء الزخرفى والتأنق الفنى بما يحويه من صفوف من المقرنصات والكتابات والعناصر النباتية ذات الطابع التركى، وتبدو رغبة المنشئ فى إضفاء لمسة جمال رمزى أنثوى على واجهة السبيل أعلى التغطية النحاسية لشبابيك التسبيل، فيما يظهر من نهدين على جانبى قارورة للنباتات مصنوعة من النحاس المصبوب ويخرج منها فروع نباتية ملتوية، تكون أشكالاً دائرية تحصر بداخلها هذا النهد على كل جانب.