تشهد مدينة الخليل، شأن المدن الفلسطينية المختلفة، العديد من التجاوزات والانتهاكات التى تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين، معتمدة على آلتها العسكرية، والدعم غير المحدود التى تحصل عليه من أمريكا وأوروبا.
وفى محاولة لنشر هذه الانتهاكات وتصوير معاناة الشعب الفلسطينى، أطلقت منظمة "بيتسلم" الإسرائيلية للدفاع عن حقوق الإنسان، مبادرة تقوم على تزويد الفلسطينيين بكاميرات فيديو لتصوير الاعتداءات التى يمارسها المستوطنون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين فى مخيمات الخليل.
يقول أحد الشباب الفلسطينى (محمد الجابرى) إنه استفاد من هذه المبادرة، وقال إنه التقط صوراً بكاميرته لمجموعة من الإسرائيليين يتوجهون إلى معبد يهودى، أقاموه على الأرض التى تملكها عائلته، مضيفاً "أن آلات التصوير تحمينا ضد المستعمرين والحجارة". ينتمى محمد لعائلة الجابرى التى تقيم فى مدخل مدينة الخليل مع عدد آخر من الأسر الفلسطينية، على مساحة من الأرض واقعة بين المستعمرة اليهودية كيريات أربا من ناحية، وجيفات أفوت من ناحية أخرى، وهى امتداد حديث للمستعمرة، على بعد عدة عشرات من الأمتار من المنازل الفلسطينية.
وكانت منظمة بتسليم قد زودت أسرة محمد بالكاميرات، بعد أن قام مستوطنون إسرائيليون فى أبريل 2007، بإساءة معاملة بعض أطفال عائلة الجابرى وألقوا بالحجارة على منزلهم.
ويقول مسئول قطاع الخليل داخل منظمة بتسليم إن المبادرة أطلق عليها "الدفاع عن النفس عن طريق التصوير"، مضيفاً "أن الكاميرات تمثل إحدى وسائل الردع.. حيث يفكر المستوطنون الإسرائيليون أكثر من مرة قبل قيامهم بالتحرش بالفلسطينيين المزودين بكاميرات الفيديو.
تقوم المنظمة على الأخص بتدريب الأطفال (إذ إنهم أكثر قدرة على التلقى) على استخدام هذه الكاميرات، محاولين أن نشرح لهم أن الوسائل السلمية مثل آلات التصوير لها تأثير أكثر فاعلية من الحجارة".
بداية المبادرة
قامت منظمة بتسليم، منذ بداية 2007، بتوزيع ما يقرب من مائة كاميرا على الأسر الفلسطينية المقيمة فى عدة مناطق من الضفة الغربية، مثل الخليل، حيث تتزايد الاعتداءات التى يمارسها المستوطنون الإسرائيليون. وقامت إسرائيل، بموجب اتفاق عقد مع السلطة الفلسطينية، بإخلاء 80% من المدينة فى عام 1997، حيث يعيش الآن عدة مئات من المستوطنين الإسرائيليين وسط 150 ألف فلسطينى، تحت حماية الجيش. وتجمع المنظمة شرائط الفيديو التى يلتقطها الفلسطينيون، وتوثقها، وتضعها فى متناول يد الصحفيين.
ويشير أوران ياكوفوبيتش، المسئول عن برنامج "الدفاع عن النفس عن طريق التصوير"، "أن عددا كبيرا من حوادث العنف التى يمارسها الإسرائيليون لا يتم تسجيلها، وتظل بالتالى مجهولة، حيث إن الصحفيين لا يستطيعون التواجد فى كل الأماكن فى كل الأوقات.. ومن ثم، فإن كاميراتنا تسمح بنقل هذه الصور للرأى العام، وفى الوقت نفسه تساهم فى الحد من أعمال العنف".
وكان البرنامج قد نجح، فى بداية إطلاقه، فى الحصول على دعم مادى من بعض المانحين الأمريكان. ففى مارس 2007، قامت المنظمة ببث شريط فيديو لسيدة إسرائيلية تنهال بالسب على جارتها الفلسطينية لعدة دقائق فى مدينة الخليل، إلا أن أكثر المشاهد حدة والتى تم التقاطها بإحدى كاميرات فيديو بتسليم، ذلك المشهد الذى يصور اثنين من المستوطنين الملثمين يقومان بضرب رعاة فلسطينيين بالعصى، بالقرب من الخليل. وبعد يومين من قيام قناة البى بى سى ببث هذا الشريط، قامت الشرطة الإسرائيلية بإلقاء القبض على هذين الشابين.
وسجلت منظمة بتسليم أكثر من أربعين حالة عنف ارتكبها مستوطنون إسرائيليون ضد عدد من الفلسطينيين خلال عام 2007 فى الضفة الغربية، و14 حالة منذ بداية 2008.
إسرائيل تشكك فى صحة الصور
على الجانب الآخر يشكك دافيد ويلبر، المتحدث الرسمى باسم اليهود فى الخليل، فى صحة هذه الصور التى تبثها منظمة بتسليم، قائلاً "يمكن بسهولة تزوير هذه الصور.. أما مشاهد الفيديو التى تم تسجيلها، فقد التقطت خارج سياق أحداثها، إذ إنها لا توضح ما حدث قبل التقاطها". ويتساءل ويلبر قائلاً "أليس من الجائز أن ردود الفعل الإسرائيلية العنيفة تلك كانت نتيجة لأعمال استفزازية ارتكبها هؤلاء الفلسطينيون ضد الإسرائيليين؟"، وأضاف أن العديد من الإسرائيليين الذين يعيشون فى مدينة الخليل يخافون من الفلسطينيين، الذين عادة ما يكونون مسلحين.
من ناحية أخرى، يعبر أحد أفراد عائلة الجابرى عن اقتناعه أنه بدون كاميرا منظمة بتسليم، لكان مصيره اليوم داخل السجن، مشيراً "أن كثيراً ما يأتى حاخامهم لرؤيتنا ويعرض علينا المال لنترك أراضينا، مؤكدا أن ما علينا سوى أن نقول المبلغ الذى نريده وسوف يعطينا إياه. لكن أين سأذهب؟ بيتى هنا.. وأرضى هنا.. ولن أتركها ما حييت".
