سامح فوزى

مـواطنون أم رعـايا

الأربعاء، 02 يوليو 2008 12:24 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذا هو عنوان الموسم الثقافى الذى تنظمه جمعية النهضة العلمية والثقافية خلال شهور الصيف الحار بالفجالة، أحد أهم أحياء القاهرة القديمة التى شهدت أنماطا من التعايش بين المصريين وغير المصريين باختلاف ثقافاتهم ودياناتهم. فى إحدى ندواته جاورت كل من الأستاذ بهى الدين حسن، وسليمان شفيق، فى محاولة للإجابة عن سؤال أساسى: هل نحن مواطنون أم رعايا؟

السؤال طريف، وفى بعض الأحيان يتمنى الشخص أن يكون من الرعايا، بمعنى التمتع بالحماية، عن أن يكون من المواطنين، بمعنى أن تكون له مشيئة خاصة، يواجه بها حالة الخمول السياسى، وانتعاش أسعار السلع الأساسية، والخوف من المجهول.

أتمنى أن أكون من الرعايا، عند التعامل مع مرفق السكة الحديد تحديدا، خاصة إذا كان خط سير القطار من الصعيد إلى القاهرة. كم من مرة انتظرت القطار على رصيف محطة السكة الحديد لساعات طويلة. حاولت أن أكون مواطنا فلم أصل إلى شيء. سألت أين سيأتى القطار؟ لم تكن هناك إجابة أو حتى وجه باش. حاولت أن أكون من الرعايا بمنطق انتظار إحسان هيئة السكك الحديدية، فلم أر منها سوى الشح. أتى القطار متهالكا بعد ساعتين أو أكثر، هيئته الرثة لا تبرر إطلاقا الارتفاع المضطرد فى تذاكره. فى كارثة قطار الصعيد التى وقعت منذ سنوات، كنت أتمنى أن يكون الضحايا من رعايا الحكومة، ولكن لم يحدث ذلك، خاصة عندما خرج علينا رئيس الوزراء وقتئذ الدكتور عاطف عبيد يحمل ضحايا القطار مسئولية الحادث.

القضية أن الناس لا تعرف كيف تعيش المواطنة، ولم تعد تتمتع برعاية الدولة، حتى بالمنطق الرعائى. هم فى حالة وسيطة قلقة، أهم ما فيها سيادة إدراك مفاده أن المجتمع المصرى حسم قضية المواطنة بإدخالها فى المادة الأولى من الدستور، دون التفكير فى إجراءات واقعية جادة على أرض الواقع. وقد ساد إدراك مشوه إبان الجدل الذى سبق تعديل الدستور فى مارس 2007م، من أهم ملامحه تقديم مفهوم المواطنة على خلفية دينية، بمعنى أنه يعبر عن العلاقات بين المسيحيين والمسلمين، أو أنه المدخل حتى يحصل الأقباط على مطالبهم.

ليس كل المواطنة حديثا فى العلاقات بين أهل الأديان المتنوعة. المواطنة- فى عمقها- مفهوم له أبعاد شتى: قانونى بمعنى المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن الاختلاف فى اللون والعرق والدين والنوع، وسياسى بمعنى المشاركة فى الشأن العام، واقتصادى اجتماعى بمعنى الاندماج والحصول على نصيب عادل من الخدمات العامة، وأخيرا ثقافى بمعنى التعبير عن الثقافات المتنوعة، كل مجموعة تمتلك ثقافة فرعية لا تذوب وسط الثقافة العامة للمجتمع، ولكن تتحول ثقافة المجتمع إلى حاضن لها.

المفهوم دخل الجدل العام مشوه. وبمرور الوقت ازداد تشوها. والنتيجة المنطقية أن الجمهور العادى لم يعد يفهم مصطلح المواطنة، والبعض منهم قد يدركه على نحو سلبى. ولا تزال هذه النظرة المضطربة تجاه المفهوم سائدة حتى وقتنا هذا. والدليل على ذلك أن الحديث عن المواطنة يٌستدعى فقط عندما يكون هناك جدل إسلامى مسيحى، أو مشكلات طائفية، ولكنه لا يٌستدعى عندما يتظاهر أو يضرب أو يحتج المواطن بشتى الصور. أليست إضرابات العمال المتتالية أو اعتصام موظفى الضرائب العقارية أو النضال الشعبى من أجل تأمين رغيف العيش، تعبيرا عن المواطنة؟ لماذا المواطنة صارت فقط حكرا على المشكلات الطائفية؟ أين المواطنون الفقراء والمرضى وضحايا رغيف العيش والثانوية العامة....؟

كل هؤلاء مواطنون حقيقيون يعانون، ويبحثون عن حياة كريمة. يناضلون- كل لحظة- من أجل المساواة والمشاركة والحرية ورغيف الخبز والحياة الكريمة. لماذا نتحدث عن هؤلاء جميعا أيا كانت ديانتهم بعيدا عن منظور المواطنة، ونتذكر فقط المواطنة عندما تجثم على نفوسنا المشكلات الطائفية؟

لا يعنى ذلك عدم الحديث عن مشكلات الأقباط على أرضية المواطنة، فهذا أمر لا مفر منه، ولكن أن ينحصر الحديث عن المواطنة فى الشأن الطائفى فقط، فإن هذا تشويه متعمد له. ولا عزاء للمواطنين البؤساء!





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة